من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

ورقة بحثية - حزب الله والتحولات العربية: المواقف والمنطلقات

نشر المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق ورقة بحثية للباحث في العلاقات الدولية حسام مطر تحت عنوان "حزب الله والتحولات العربية: المواقف والمنطلقات", وتقع في 16 صفحة, وفيها خمسة عناوين فرعية.


يرى الباحث ان الشرق الأوسط يمر في لحظة إعادة تشكل تاريخية في ظل جملة تحولات وصراعات أبرزها ما يعرف "بالربيع العربي" الذي أدى لسقوط أنظمة عربية ( مصر , تونس, ليبيا) وتغيير جزئي في أنظمة أخرى ( اليمن) وإستمرار المواجهة في دول أخرى ( سوريا, البحرين). ولكن حتى في الدول التي شهدت نشوء أنظمة جديدة لا زالت الإضطرابات والصراعات تسيطر على المشهد السياسي, إنها مرحلة إنتقالية تمر بها المنطقة بأسرها والتي ستحتاج لأشهر طويلة قبل أن تتبلور محصلتها النهائية. من أبرز ما سيحدد شكل هذه المحصلة هي مواقف وسياسات القوى الإقليمية والدولية تجاه هذه التحولات, وهنا تبرز أهمية فهم موقف ومقاربة حزب الله من هذه الأحداث, بإعتبار أن الحزب بما يملك من نفوذ وتأثير وقوة يجعل منه فاعل سياسي ذا تأثير إقليمي وازن.
وعليه يطرح مطر الأسئلة التالية: إذاً كيف تعامل حزب الله مع التحولات العربية؟ ما منطلقات موقف الحزب من هذه التحولات؟ كيف غيرت هذه التحولات في البيئة الإستراتيجية للمنطقة من منظار مشروع الحزب في مقاومة إسرائيل؟ ما هي الفرص والتحديات التي تثيرها هذه التحولات بالنسبة لحزب الله؟ تهدف هذه  الورقة الى إستكشاف موقف حزب الله من التحولات العربية التي عرفت بإسم "الربيع العربي" التي إنطلقت عام 2011 في تونس ثم مصر وإمتدت لاحقاً الى جملة دول عربية أخرى. سيجري التركيز على فهم خلفيات موقف الحزب من هذه التطورات والمعايير التي إعتمدها لتحديد موقفه منها, ثم مراقبة التغيير في رؤية الحزب لهذه الأحداث كلما تقدمت وتعمقت وتمظهر شكلها وأدوار القوى الخارجية فيها. وللإجابة عن هذه التساؤلات تنقسم الورقة الى المحاور الفرعية التالية:
أولاً: حزب الله والنظام الرسمي العربي: مقاربة تاريخية
ثانياً: بداية التحولات: تونس ومصر
ثالثاً: البحرين وليبيا: التدخل الخارجي والمذهبية
رابعاً: حزب الله والأزمة السورية: التحدي الإستراتيجي
خامساً, حزب الله في سوريا: نقطة تحول

ويختم مطر دراسته بالتالي:

لقد إستطاع خصوم حزب الله من تحوير الأزمة السورية لخلق تعبئة مذهبية واسعة ضمن الاوساط السنية بوجه حزب الله, وهو ما حد من قدرة حزب الله على الإقناع والتأثير داخل تلك الأوساط في هذه اللحظة الإنتقالية الهامة. ويدرك حزب الله جيداً حساسية هذه الإشكالية,الى درجة يكاد لا يخلو خطاب للسيد نصر الله من الإشارة لهذه النقطة, إضافة الى السعي الإعلامي والسياسي والثقافي الحثيث للحزب لمحاربة هذه الظاهرة.
وعلى الرغم من الأزمة السورية لا زال حزب الله مؤيداً للإنتفاضات العربية وينظر إليها بإيجابية, أي لم يدفعه الحدث السوري الى معاداة تلك الإنتفاضات بل رسم خطاً واضحاً بين ما يجري في سوريا وتلك الإنتفاضات. يُقارب حزب الله الصراع في سوريا على انه ذا بعد سياسي وإستراتيجي وليس مذهبي أو إثني, وعليه يؤكد الحزب على أهمية الإصلاح السياسي في سوريا بإعتباره شاناً داخلياً, مع رفض التدخل الغربي والعنف الذي لا علاقة له بالديموقراطية بل لنقل سوريا من موقع الى آخر يخدم المشروع الأميركي – الإسرائيلي في الشرق الأوسط. 
بالمقابل أتاحت هذه التحولات جملة فرص, أسقطت أنظمة مفصلية في المشروع الأميركي من دون ان تنجح واشنطن حتى الان في إيجاد بديل مستقر, التمكن من حفظ موقع سوريا في المعادلة الإقليمية رغم الأضرار التي لحقت بقوتها وفاعليتها, الحضور القومي للتيارات القومية والوطنية في المنطقة العربية والتي تربطها علاقات ممتازة بحزب الله, لا سيما التيارات الناصرية, وجود شرائح أساسية من أحزاب وشخصيات إسلامية معتدلة ترفض الخطاب المذهبي ومنسجمة مع مشروع المقاومة. ثم أن التوتر المذهبي الحالي مرتبط بشكل أساسي بالأزمة السورية بما يعني أنه في النهاية سيعود للتقلص والضمور وحينها يمكن للحزب ترميم جزء كبير من الصدع المذهبي خاصة بالنظر الى أن إنجازات الحزب كحركة مقاومة لا زالت حديثة ومستقرة في الوجدان العربي بشكل واسع.
 إنطلق حزب الله في مواقفه تجاه التحولات العربية من ثوابت واضحة منسجمة مع طبيعته ومشروعه, حق الشعوب في الحريات وضرورة الإصلاح السياسي وتحقيق العدالة الإجتماعية, الأولوية للحوار والوسائل السلمية, رفض التدخل الخارجي, ودرء المخاطر التي يمكن أن تهدد مشروع المقاومة في المنطقة. فرغم كل التطورات التي تعصف بالمنطقة, أكد حزب الله مراراً على اولوية الصراع مع إسرائيل ودعا الأنظمة العربية الجديدة الى دعم خيار الشعوب في المقاومة لا سيما الشعب الفلسطيني وإعطاء هذه القضية اولوية في الخطاب والممارسة, على المستويين الشعبي والرسمي. كل ذلك, لأن التبعية للمشروع الأميركي هي أصل المفاسد في أنظمة المنطقة, ولذا تعامل الحزب مع أن حماية مشروع المقاومة في ظل التحولات هو أولوية تخدم مصالح الشعوب المنتفضة, فلا حريات ولا كرامة ولا سيادة, ولا رفاه وكفاية إقتصادية وأمن وإستقرار في ظل الهيمنة والإحتلال في الشرق الأوسط.



يمكن تحميل الورقة كاملة عبر الرابط التالي:
 http://www.dirasat.net/uploads/item_mak_m/6706826.pdf

مقاربة جديدة لعدوان تموز: الحرب الوقائية

نشر في صحيفة السفير, العدد 12542 بتاريخ 30\7\2013
حسام مطر

سبع سنوات على العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006, ولكن حجم الحرب وتداعياتها ونتائجها يجعل منها صالحة لمزيد من الأسئلة والإجابات. لماذا وقعت تلك الحرب؟ قد يبدو السؤال عبثياً بعد كل ما قُدم من إجابات، ولكن إجابة إضافية قد تبدو غاية في الأهمية، لا سيما في ظل حملة التشويه المستمرة التي يقودها أفرقاء لبنانيون وإقليميون لتحميل «حزب الله» مسؤولية تلك الحرب.
الأسباب الرئيسة التي جرى تقديمها لتفسير الحرب تعددت، من اعتبارها نتيجة لعملية أسر الجنديين، الى سعي إسرائيل لتعزيز ردعها, الى محاولة القضاء على المقاومة, وصولاً الى تحقيق رؤية المحافظين الجدد حول بناء شرق أوسط جديد. إلا أنه يبقى هناك محدد جوهري يقدم تفسيراً أكثر وضوحاً وشمولاً ودقة لسبب تلك الحرب ويكمن ضمن مفهوم «الحرب «الوقائية», فهل كانت حرب العام 2006 حرباً «وقائية»؟

الحرب الوقائية وانزياحات القوة:

الحرب الوقائية، هي الحرب التي تُخاض «الآن» لتجنب مخاطر حرب «لاحقة» بظل ظروف أسوأ. وهذه الحرب بالنسبة لهانز مورغانثو (أحد أبرز منظري النظرية الواقعية في العلاقات الدولية)، هي وسيلة ضرورية لحفظ التوازن في النظام الدولي أو الإقليمي حتى. من أبرز المتغيرات التي تفسر الحرب، هي التحولات او الانزياحات في القوة النسبية بين الدول، او النمو غير المتكافئ للقوة بين قوة «صاعدة» وقوة «هابطة». وبعكس النظرية التقليدية التي تعتبر أن «توازن القوى» يؤدي الى الاستقرار وتراجع فرضية الحرب, فإن أورغانسكي من خلال «نظرية انتقال القوة» يحاجج بأن الحرب تصبح أكثر تحققاً كلما ارتفعت قوة الجهة الصاعدة (التي لا يرضيها الوضع القائم) لتعادل قوة الجهة المتسيدة على النظام (قوة الستاتيكو). وفي هذه الحالة فإن الفرضية الأكثر شيوعاً هي أن «قوة الستاتيكو» ـ التي تكون في طور الأفول ـ هي من تبادر نحو الحرب ضد «القوة الصاعدة» باعتبارها «الفرصة الأخيرة» لوقف صعودها قبل ان توازنها أو تتجاوزها, أي تسعى للاستفادة من ميزة التفوق قبل انعدامها. (جاك ليفي, القوة المتراجعة والدافع الوقائي في الحرب, 1987).
والحرب الوقائية هي غير الحرب الاستباقية، وعلامة التمييز الأساسية بينهما هي في عامل «الوقت», فالحرب الاستباقية تقع كرد على خطر داهم متحقق ومباشر، فيما الحـرب الوقائــية تهــدف لمواجــهة تهــديد ممكن، مستقبلي وغير متحقق لحظة الحرب. لذلك تُصنف الحرب الأميركية على العراق العام 2003 حرباً «وقائية» لا «استباقية», وما روج له المحافظون الجدد في عهد بوش هي فعلياً «الحــروب الوقائية» ولكن بقناع «الضربات الاستباقية», باعتبار أن الأولى مخالفة للقانــون الدولي, فيــما الثانية يُصنــفها كثــير من فقهاء القانون الدولي كعمل مشروع يندرج ضمن مبدأ الدفاع المشروع عن النفس, بينما يرفض آخرون ذلك معتبرين أن هذه الشرعنة تنطوي على تفسير «موسع جداً» لمبدأ الدفاع عن النفس بما يخرجه عن مقاصده.

تحولات القوة في الشرق الأوسط بعد العام 2000:

منذ نهاية الحرب الباردة في المنطقة كان الصراع والتنافس يتشكل بين محورين, أي أن قوة كل لاعب سياسي لا يمكن أن تقاس بمعزل عن قوة المحور الذي ينتمي إليه, وكل مكسب أو إخفاق لهذا اللاعب يؤثر مباشرة في ميزان القوة بين المحورين. الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان العام 2000، كان مؤشراً أن الواقع الجيو ـ إستراتيجي في المنطقة قد بدأ بالتغير, محور المقاومة انتقل نحو مسار «صعود» فيما بدأ المشروع الأميركي مسار «الأفول».
سنوات ما بعد العام 2000 كرست ذلك بوضوح, الانسحاب الإسرائيلي من غزة, الكارثة الأميركية في العراق وأفغانستان, تضرر شديد في صورة وشرعية ونفوذ الولايات المتحدة في المنطقة (أي قوتها الناعمة), تزعزع وقوة وشرعية النظام الرسمي العربي التابع لواشنطن, فشل سياسات واشنطن في لبنان لعزل «حزب الله» منذ العام 2004 حتى العام 2006, توسع النفوذ الإيراني في العراق, ارتفاع غير مسبوق في القوة الناعمة لـ«حزب الله» ومشروعه المقاوم في المنطقة, انتقال المقاومة الفلسطينية الى تحقيق توازن ردع مع «إسرائيل», تمكن النظام السوري من تجاوز عملية انتقال السلطة بعد رحيل حافظ الأسد بشكل هادئ ومستقر, وصعود الأصوليات الجهادية المعادية لواشنطن.
بعد ثلاث سنوات من غزو العراق كان الأميركيون أمام محاولة ضرورية وأخيرة لعكس مسارات القوة في المنطقة, كان لا بد من تحقيق مكسب إستراتيجي يوازي على الأقل الهزيمة الكبرى في العراق, وحينها يمكن إيقاف صعود «محور المقاومة» وعكس ديناميكيات الأفول الأميركي باتجاه الصعود والهيمنة مجدداً. في تلك اللحظة, لم تكن الولايات المتحدة قادرة على ضرب إيران او سوريا, فيما الضربة للمقاومة الفلسطينية في غزة، حتى مع فرض نجاحها، لن ترقى لدرجة المكسب الإستراتيجي، خاصة ان القطاع كان محاصراً ومعزولاً الى حد بعيد. وقعت العين الأميركية على «حزب الله», إذ أن موقعيته, دوره وحجم مساهمته في قوة المحور المنتمي إليه تؤهله بشكل واضح لأن يكون «حجر الزاوية» الذي من خلال هزيمته عسكرياً يمكن تحقيق «انزياح» جوهري في القوة النسبية بين المحورين.
ويصبح هذا التحليل واقعياً أكثر بعدما تبين أن إسرائيل شنت الحرب بقرار أميركي واضح، دفع بها دفعاً نحو المواجهة في ظل تغطية سياسية وديبلوماسية وإعلامية من الولايات المتحدة والقوى العربية التابعة لها. وقد تبين أيضاً أن الحرب الإسرائيلية كانت مقررة بالأصل في شهر أيلول من العام 2006 عشية إحياء «حزب الله» ليوم القدس العالمي. اعتبر الأميركيون أن عملية أسر الجنديين تشكل غطاءً مناسباً لشرعنة العملية العسكرية, ولذلك تقرر تقديم موعدها. وكان جاك ليفي أشار في دراسته الى أن القوة الساعية لحرب وقائية قد تلجأ لاستفزاز الخصم ليقوم بضربة أولى بهدف شرعنة الحرب الوقائية وعزل المستهدف ديبلوماسياً وتعبئة الجمهور خلف خيار الحرب باعتبار المهاجم معتدى عليه, في حالتنا هذه كانت عملية الأسر ذريعةً وغطاءً مناسباً لحرب أميركا الوقائية بوجه محور المقاومة «الصاعد» متمثلاً بـ«حزب الله».

عوامل إضافية تعزز فرضية الدافع الوقائي:

بحسب دراسة جاك ليفي، يزيد الدافع الوقائي عندما تتوفر العوامل التالية: 1ـ قوة تصور المهاجم (قوة الستاتيكو) حول حتمية الحرب المستقبلية مع القوة الصاعدة, وهذا متوفر في المثال الحالي بسبب عمق العداء الإستراتيجي والأيديولوجي بين المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي ومحور المقاومة. 2 ـ توقع المهاجم بأن القوة الصاعدة ستتجاوزه في ميزان القوة، أي تصور المهاجم حول مدى انزياح القوة العسكرية والإمكانات لمصلحة الطرف الآخر. وهذا التقدير كان واضحاً عند الأميركيين، حيث شهدت تلك الحقبة صعود الانتقادات الأميركية الحادة لسياسات بوش الإقليمية، والتي ذهبت الى أن الهزيمة في العراق كانت اشد من هزيمة فيتنام وبتداعيات أكثر خطورة. 3ـ السرعة النسبية لصعود المتحدي بما لا يدع لقوة الهيمنة مجالاً لبدائل سياسية فيندفع بسرعة نحو الخيار العسكري, هذه السرعة كانت جلية بعد العام 2000 كما أشرنا.
ثم هناك عوامل أخرى مثل, العداء التاريخي (متحقق بقوة في المثال الحالي), التنازع الأيديولوجي (متحقق بقوة أيضاً), التماس الجغرافي (متحقق بقــوة أيضاً), الحسابات الخاطئة (مثلا ممكن مراجعة دراســة م. ماثيو الصادرة عن «معهد دراسة الحروب» التابع للجيش الأميركي تحــت عنــوان «أُخذنا عــلى حــين غــرة: حــرب 2006 بين إسرائيــل وحــزب اللــه» 2008), التأثير السياسي للجهاز العسكري (دور وزارة الدفاع الأميركية في عهد بوش), وميل أصحاب القرار للمخاطرة (أحد ابرز خصائص حـقبة بوش في الحــكم).

في الخلاصة:

التفسير الموضوعي لحرب العام 2006, أنها كانت حرباً وقائية بادر إليها المشروع الأميركي في لحظة هبوط بمواجهة محور المقاومة الصاعد, وكان فشل تلك الحرب إيذاناً بنهاية النظام الإقليمي للشرق الأوسط الذي أقامته واشنطن منذ بداية التسعينيات بما ادى الى فراغات عدة أدت لتراجع حلفائه في لبنان, انهيار النظام الرسمي العربي, وتضرر متزايد للردع الإسرائيلي. بعد الحرب تيقن الأميركيون أنهم بحاجة للتراجع وتقليل الخسائر والبدء بإستراتيجية جديدة ناعمة تكشفت لاحقاً مع وصول اوباما للسلطة، حيث راج مذهب «القيادة من الخلف».
من المفيد الاقتباس عن توماس دونللي (محلل سياسات الأمن والدفاع في معهد «الأميركان إنتربرايز») حيث ختم مقاله الأخير بالقول: «نابليون قال مرة عندما تستيقظ الصين سوف يهتز العالم. أميركا ذاهبة نحو النوم وهذا ما يمكن أن يهز العالم أكثر», كما يحدث في الشرق الأوسط الآن.