من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

مداخلة هاتفية: إحتمالات الحرب الإسرائيلية متدنية ولكن !!


في مداخلة ضمن برنامج أراء وأحداث على قناة الثقلين الفضائية التي تبث من إسطنبول, حول الحشد الإسرائيلي على الحدود مع لبنان, اكد المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون الدولية حسام مطر أن إسرائيل بعد حربها الفاشلة عام 2006 لم تعد تملك قرار الحرب بمفردها بل بحاجة لموافقة وجهوزية أميركية واضحة وصريحة. وأضاف أن الحشود المتبادلة تعكس حجم التوتر الذي يسود المنطقة في لحظة يغلب عليها عدم اليقين والإضطراب, لذا تتحسب كل الاطراف للسيناريو الأسوأ.

وأضاف مطر بأن إحتمال الحرب لا زال ضئيلاً, إذ أنه رغم ما يجري في سوريا, لا زال توازن الرعب والقوة يحكم قرار الحرب, فرغم الضعف في الجبهة السورية إلا ان القدرات الصاروخية  الإستراتيجية السورية لا زالت فاعلة, والمقاومة في لبنان تمكنت من التكيف مع الوضع السوري وإمتصت الصدمة كما برز على لسان الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير " بأننا جاهزون ولدينا كل ما نحتاجه للحرب بمعزل عن الوضع في سوريا". والأبرز في ردع قرار الحرب الإسرائيلية في هذه اللحظة هو تصريح سماحة السيد الخامنئي الأسبوع الماضي عن قدرة وجهوزية إيران لمحو تل ابيب وحيفا عن التراب, وهي رسالة وصلت الى حيث يجب.

إلا ان الأستاذ مطر أشار الى أن الحرب ليست دائما نتيجة لحسابات منطقية بل أحيانا ً تقع بفعل الحسابات الخاطئة أو ارتفاع مستوى القلق لدى الطرفين فيبادر اليها طرف ما لإعتقاده بأن الاخر يستعد لها , فيبادر ليكسب ميزة المباغتة والضربة الأولى. كما قد نشهد إحتكاكات محدودة من باب إيصال رسائل للطرف المقابل او اختبار نواياه وجهوزيته. بالمحصلة إن اي محاولة لمهاجمة حزب الله على اكثر من جبهة سيؤدي لحرب إقليمية وهي حرب ليست واشنطن في وارد تأجيجها في هذه اللحظة, بل تسعى واشنطن فقط لتقييد حلفاء سوريا قدر المستطاع لكسب الوقت للإضرار أكثر بالنظام في سوريا, ختم مطر.

العلامة البوطي يخط بدمه: الحرب ليست مذهبية

مقال نشر على موقع سلاب نيوز, ضمن خانة "رأي اليوم", بتاريخ 22\3\2013

بالقراءة السياسية الهادئة لم يكن إغتيال العلامة البوطي مفاجئاً، فالمعارضة – وبالتحديد جبهة النصرة - التي تستخدم السلاح الكيميائي والعمليات الإنتحارية والتصفيات الميدانية لن ترى عائقاً أخلاقياً في إستهداف شخصية كالعلامة البوطي حتى وهو قائم في المحراب، حيث الحرية الأسمى. ولكن ذلك لا يمنع النفس من الإحساس بخيبة عميقة، شيء من الحزن والغضب معاً، ربما لأن النفس تحاول دائماً أن تتجاوز الواقع، بأن بعض الجمال او الخير لا زال ممكناً.

لماذا كان إغتيال العلامة البوطي ضرورياً الى هذا الحد؟ لسببين أساسيين على الأقل، الأول وهو أن شخصية بوزن وحضور العلامة البوطي كانت تمثل طعناً عميقاً لسردية الحرب المذهبية في سوريا، فقد كان موقف العلامة البوطي يعزز الطبيعة "السياسية" للصراع بعكس ما تشتهي عقارب الصحراء. وثانياً لأن وجود الأصوات المعتدلة كالعلامة البوطي يشكل إحراجاً شديداً للمتطرفين في الجهة المقابلة، المتطرفون يتغذون بالمتطرفين، تحييد الصوت المعتدل في النظام السوري سيخرج المتشددين فيه الى الواجهة وحينها تصبح إيديولوجية وخطاب جبهة النصرة أكثر شرعية. للقتل أهداف سياسية في الغالب وليس العنوان المذهبي إلا من باب التكتيك، مثلاً يذكر برايان فيشمان في مقال مطول في "دورية واشنطن" عام 2006، أن أبو مصعب الزرقاوى شرح استراتيجية مهاجمة الشيعة لقادة القاعدة قبل انضمامه لها بستة أشهر قائلاً :
"إن استهداف الشيعة فى العمق الديني، السياسي، والعسكري سوف يثير الشيعة، ليكشروا عن أنيابهم للسنة، ويظهروا الحقد الدفين الذى يعمل فى صدورهم، فإذا نجحنا فى جرّهم إلى حرب طائفية يصبح من الممكن إيقاظ غفلة السنة الذين يشعرون بخطر داهم ."

أصحاب الحروب المذهبية بحاجة دائماً "لتنظيف البيت الداخلي" كما صرح منذ أيام صقور السلفيين في طرابلس. وفي ظل سفك الدم تكون المهمة يسيرة، بحكم هيمنة الإنفعالات الضيقة وغياب أي منطق مقبول. إذاً الوهابية، التي تتنافس على قيادتها السعودية وقطر، مصممة على "وهبنة" المسلمين السنة، ومن كان عصياً على "الوهبنة" فهو "مارق" من أتباع "الحلف المجوسي". الوهابية تريدها معركة صافية مذهبياً، كل من يمكن أن "يعكر" صفوها المذهبي من أهل السنة لا بد أن يزاح ويقتل. دفع المواجهة في سوريا وخارجها الى هذا الحد من المذهبية ضروري لتأمين إستدامة المعركة، وكلما صمد محور المقاومة أكثر، لا مجال أمام الوهابية إلا بمزيد من "المذهبة" ، تلك هي خشبة الخلاص الأخيرة.

ترفض المعارضة السورية قراءة كل هذه الوقائع، وذهبت بفعل إرتباكها الى حد إتهام النظام بالجريمة، نوع من الإنفصام والإنفصال عن الواقع. كان المشهد مذهلاً على إحدى قنوات المعارضة السورية التي إستضافت معارضاً يحاجج بقيام النظام بالعملية الإنتحارية، كان المشهد كوميدياً في لحظة تراجيدية، هذه هي المعارضة وإعلامها التقدمي – التنويري، نسخة رديئة جداً عن النظام والإعلام الرسمي العربي. على مواقع التواصل الإجتماعي لم يكن الحال أفضل، إنقسم المعارضون، بين شامت وبين منكر، أحدهم صاحب مخيلة، الجثث المصورة قتلت بأيدي "الشبيحة" ووضعت داخل المسجد ثم فجر "الشبيحة" المسجد بالعلامة البوطي، هذيان وهلوسة، كمن ينظر في المرآة فيرى وحشاً فيغير المرآة. تداولت صفحات التفاعل الإجتماعي مقطع فيديو للعلامة الشهيد البوطي يقول فيه :"أتمنى أن أكون عند الله مساوياً لإصبع حسن نصر الله"، هذا سبب أكثر من كاف لموتك في زمن "الإسلام الأميركي" ولو كنت معلقاً بأستار الكعبة.

حسام مطر, باحث وكاتب في العلاقات الدولية
 

طهران وواشنطن: الماراثون لا ينتهي

مقال منشور في صحيفة الأخبار, العدد 1963, تاريخ 22 أذار 2013


يُقال إن العلاقات الأميركية – الإيرانية تخضع لقواعد سباقات الماراثون، لا سباقات الـ 100 متر. بعد ثلاثين عاماً من العداء والتوتر والمناورات المتبادلة، تبدو المقولة أكثر من صحيحة. هل آن أوان التسوية الأميركية – الإيرانية؟ يمكن الافتراض أن السؤال أعلاه يستحق موسوعة غينيس كأكثر الأسئلة غموضاً في الشرق الأوسط. من البديهي القول إن غياب التسوية يعكس حدة الانقسامات المصلحية والإيديولوجية بين الطرفين. الإيرانيون لم يختبروا الولايات المتحدة إلا كقوة هيمنة مستكبرة لا تراعي السيادة الداخلية، ولا القانون الدولي، ولا حتى المصالح المشروعة للقوى الإقليمية. أما من ناحية الأميركيين، «فصدمة السفارة» لا تزال تحكم وعيهم تجاه إيران، بالإضافة إلى أنهم فهموا إيران من خلال «المهزومين»، أي أنصار الشاه الذين غادروا البلد، بالإضافة إلى التناقض الإيديولوجي الذي يمنع التعايش السلمي بينهما كما كانت الحال بين الأميركيين والسوفيات؛ «فالقوتان الأميركية والسوفياتية لم تكونا من هذه الناحية تنتميان إلى عالم واحد، أي لكل منهما «شكل حياة مختلف»، لذا لم يكن التعاون السلمي ممكناً»، كما كتب مارتين هوليس وستيف سميث.

سؤالان جوهريان يتجادل حولهما الأميركيون في ما يخص إيران: هل استراتجيتنا هي «الاحتواء» أم «المنع»؟ وإن كان «المنع»، فما هو المسار الواجب اتباعه لتحقيق هذه الغاية؟ في ما يخص السؤال الأول، فإنه أصبح تقليدياً كحال الإجابات، إلا أن اللافت هو إعلان إدارة باراك أوباما الثانية صراحة على لسان وزير خارجيتها جون كيري (24 كانون الثاني 2013) ونائب الرئيس بايدن (آذار 2013) أن سياستها هي «المنع لا الاحتواء»، أي ليس وارداً القبول بإيران نووية بالمعنى العسكري، ولو اقتضى ذلك اللجوء إلى الحرب. هنا يبدي بريجينسكي انتقادات قاسية لهذا المنطق الذي يرى أنّ من غير المقبول أن تمتلك إيران قدرات نووية؛ لأنه «أحياناً تكون الكلمات الكبيرة لا تعني شيئاً». البديل بالنسبة إلى بريجينسكي هو «أننا نستطيع ردع إيران النووية كما ردعنا السوفيات والكوريين مع تقديم ضمانة نووية جدية لحلفائنا في المنطقة... إن الخيار العسكري ليس في مصلحتنا؛ لأننا سنتلقى الضربة الإيرانية».
بل إن كينيث والتز ذهب إلى ما هو أبعد، محاججاً أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيُنتج توازن قوى عسكرياً أكثر استدامة في الشرق الأوسط، وهو ما سيعزز الاستقرار الإقليمي، وليس العكس (لماذا يجب أن تحصل إيران على القنبلة، فورين أفيرز، تموز/ آب 2012).

بالنسبة إلى السؤال الثاني، يتنامى الاتجاه الأميركي المؤيد لفكرة تقديم عرض للتسوية مع إيران، باعتبار أن الفرضية العسكرية مشكوك في فاعليتها، فيما العقوبات رغم قدرتها على الإضرار إلا أنها ليست كافية لتغيير السلوك الإيراني، ولا سيما «متى كانت الغاية منها هي إذلال الإيرانيين»، كما قال برجينسكي. فالعقوبات أصبحت عبثية؛ لأن واشنطن لم تطرح جدياً على الطاولة مسألة رفعها، ويمكن أوباما تجاوز هفوات سابقيه عندما يدرك محدودية القوة العسكرية الأميركية ويثق في القوة الدبلوماسية، كما يحاجج رضا مراشي في «الفورين بوليسي» (22 كانون الثاني 2013). الاستطلاع الأخير لمعهد «غالوب» يؤيد فرضية «عقم» العقوبات؛ إذ إن 63% من الإيرانيين يؤيدون استمرار البرنامج النووي في بلدهم، وذلك رغم أن 48% قالوا إنهم يعانون مباشرة من العقوبات. الأهم أن 47% يحمّلون مسؤولية هذه العقوبات للولايات المتحدة، فيما 10% يحمّلونها للحكومة الإيرانية، و23% موزعة على إسرائيل والأوروبيين والأمم المتحدة (7 شباط 2013).

وقد سبق لغراهام أليسون (واشنطن بوست، 7 تشرين الأول 2011) أن دعا أوباما إلى تلقف عرض أحمدي نجاد «لتبادل اليورانيوم»، مشبهاً هذه الخطوة بتلك التي قام بها ريغان تجاه غورباتشوف بعد إعلان الأخير مرحلة جديدة من الانفتاح، والتي تلقفها ريغان من خلال دعوته غورباتشوف من برلين إلى «تمزيق الجدار»، وهو ما حصل بعد سنتين. كذلك دعا باتريك كلاوسون إدارة أوباما إلى تقديم عرض سخي لإيران يشمل تخفيف العقوبات والمرونة في تخصيب اليورانيوم. ورأى كلاوسون أن مجموعة 5+1 اعتمدت تكتيكاً قديماً لإحياء المفاوضات، هو «تغيير الموضوع»، الذي لم يعد وقف التخصيب، بل ضمان عدم قدرة إيران على صنع سلاح نووي من خلال شحن اليورانيوم إلى الخارج (ذي أتلنتيك، 16/1/2013). يوافق دينيس روس، بدوره، أنه في ظل تصاعد ضغط العقوبات وجدية الخيار العسكري فإن إيران تبدو جاهزة لتلقي مبادرة دبلوماسية، ولا سيما متى كان الإقرار بحقها ببرنامج نووي سلمي جزء منه، ويخلص إلى أن «البيئة مواتية الآن لإنجاح المساعي الدبلوماسية. وسوف تحدد الأشهر القليلة المقبلة ما إذا كانت ستنجح أو لا».
من مخاطر هذا العرض كما يتفق كل من كلاوسون وأليسون وروس أن تتقاعس طهران عن القيام بخطوات مقابلة أو تنفذها ببطء لتكسب الوقت. والأخطر أن يُعتبر أي عرض لإيران بمثابة إقرار بطموحاتها الإقليمية، وهذا ما يجب نفيه للإيرانيين من جهة ولحلفاء واشنطن من جهة أخرى. بحسب هؤلاء، إن رفض الإيرانيين لصفقة سخية سيكشف نيات إيران الحقيقية، ويعطي الشرعية لعملية عسكرية ضدها من ناحية أخرى، باعتبارها «شراً لا بد منه». ولذا رجح روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، أن أوباما في ولايته الثانية سيقدم لإيران «صفقة كبرى».

في المقلب الآخر، لا زال فريق «الصقور» (أمثال مايكل سينغ ومايكل إيزنشتات من معهد واشنطن) يدعو إلى إبراز جدية أكبر للخيار العسكري، بل إن ماثيو كرونيغ كتب في «فورين أفيرز» بعنوان: «إنه الوقت لمهاجمة إيران» عبر عملية عسكرية جراحية ثم امتصاص الرد الإيراني والسعي بسرعة لاحتواء الأزمة، وإلا فإن واشنطن ستضطر إلى مواجهة أكثر كلفة في المستقبل قد تصل لدرجة الحرب النووية (كانون الثاني/ شباط 2012). أما الخلاصة اللافتة، فقد كانت من نصيب مؤسسة راند البحثية، التي رأت أنه لا الدبلوماسية ستكون مجدية، ولا جهود تغيير النظام، لذا «لا يبقى إلا دعم الإصلاح في إيران، ولكن من خلال تشجيع التحول الديموقراطي في محيط إيران – بالإشارة إلى «الربيع العربي» – بما يعطي صدقية لجهود الولايات المتحدة في دعم الإصلاح داخل إيران (مجموعة كتاب، ربيع 2012).

رغم هذه الدعوات لتقديم صفقة كبرى لإيران، وهي ما تبدت ملامحها في جولة كازاخستان بين إيران ومجموعة 5+1، التي فتحت كوة في الحائط المسدود، إلا أن التسوية الكبرى ما زالت ممتنعة، ولا سيما بسبب أن «العداء بين الطرفين، وبعد ثلاثين عاماً، أصبح مؤسسة قائمة بذاتها وليس فقط ظاهرة»، كما يحاجج تريتا بارسي (رئيس المجلس القومي الأميركي – الإيراني). ويكمل بارسي بأن تمرّس دبلوماسيي البلدين على شيطنة بعضهما، التعقيدات الداخلية، القيود الإقليمية، والضبابية التي قد تنتجها التسوية، كلها تقف أمام التسوية الكبرى (ذي أتلنتيك، 25 كانون الأول 2012). يبدو من السياق أعلاه أن إيران انتزعت اعترافاً جزئياً بكونها قوة نووية وبحقها بالتخصيب من حيث المبدأ، إضافة إلى إثباتها أن التعاطي بمنطق العقوبات والإكراه لا يسري عليها. الطرفان بحاجة إلى تبريد الأزمة، ولكن مستوى التبريد مرتبط مباشرة بما يجري في سوريا؛ إذ سيبدي الإيرانيون مرونة أكبر كلما تقدمت التسوية السورية، والعكس صحيح. لكن بالخلاصة، إنها «العداوة المؤسسة» كما يقول بارسي، ويستمر الماراثون ولو تخلله بعض محطات الاستراحة.

حسام مطر - كاتب لبناني

تقرير عن ورقة : "الإستراتيجية الأميركية الذكية لمواجهة حزب الله"

نشر المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق- بيروت، ورقة بحثية تحت عنوان "الإستراتيجية الأميركية الذكية لمواجهة حزب الله" (12 صفحة) للمحلل والباحث في العلاقات الدولية حسام مطر.


يحاجج الأستاذ مطر بإن نهاية عدوان إسرائيل عام 2006 على لبنان وإخفاقه في تحقيق أهدافه السياسية بوجه حزب الله، أدى الى زيادة التورط الأميركي في المواجهة مع الحزب ولكن بالإستناد الى إستراتيجية جديدة قوامها القوة الناعمة. تبرز الورقة كيف تحول الجهد الأميركي نحو المجالات التي تقع خارج النطاق العسكري عبر محاولة ضرب الوعاء المجتمعي الذي ينطلق منه حزب الله وذلك من خلال إستخدام أدوات إعلامية، سياسية وثقافية بهدف تشكيل صورة جديدة لحزب الله في الوعي اللبناني والإقليمي تجعل منه معرضاً لإمكانية هزيمة عسكرية في مرحلة لاحقة. تهدف هذه السياسة الأميركية – بحسب مطر - الى تحقيق اربعة غايات أساسية: تقليص شرعية المقاومة، تعميق الانقسام الوطني حول دورها، عزلها على المستوى الخارجي، وتقييد خياراتها السياسية وقدرتها على المبادرة.

يهدف الباحث الى إستكشاف التغير الذي طرأ على السياسة الأميركية تجاه حزب الله منذ حرب 2006، وهو تغير جوهري، عميق وشامل. تبرز أهمية فحص هذا التغير على مستويين، أولأ على المستوى النظري هي تتيح تقويم فعالية القوة الناعمة ضمن ظروف محددة وهو جدال جوهري يدور مؤخراً بين مؤيدي )الليبراليون أمثال جوزيف ناي، فريد زكريا) ورافضي (المحافظون الجدد بالتحديد) فكرة اللجوء للقوة الناعمة كخيار أساسي. وثانياً أهميتها العملية في أنها تتيح فهم أفضل لسلسلة من الأحداث والسلوكيات السياسية على المستويين اللبناني والإقليمي بإعتبارها جزء من سياسة محددة وليست نتاج الإرتجال والصدفة، وذلك بدوره يتيح إمكانية أفضل للتوقع بمسارات المواجهة في المدى المنظور بالحد الأدنى في لحظة إقليمية يهيمن عليها الإرباك عدم اليقين. تستند الورقة بشكل أساسي على رؤية جوزيف ناي للقوة الناعمة التي كان له سبق التنظير لها منذ بداية التسيعنيات بالإضافة الى "دليل الحكومة الأميركية لمكافحة حركات التمرد" الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2009.
تنقسم الورقة الى العناوين الفرعية التالية :

• القوة الناعمة: المغنطيس بدل المطرقة
• حزب الله: "هيدرا" لا يمكن قتلها
• خيار القوة الناعمة: إستهداف الحاضنة البشرية
• تقليص النفوذ الوطني لحزب الله
• شيطنة حزب الله: الوصمة الإجرامية
• تهميش رسالة حزب الله:


في الخلاصة، بدل "اصطياد" حزب الله تسعى واشنطن الى تلويث المحيط الذي يسبح فيه، أي جعل الحزب "جسماً غريباً" داخل البيئة الوطنية والإقليمية بحيث تنبذه تلك البيئة التي يتحرك فيها ومنها، وحينها فقط تصبح فرضية القضاء عليه عسكرياً متاحة. في المحصلة الأولية يبدو أن السياسة الأميركية حققت جملة نجاحات مستفيدة بشكل أساسي من إهتراء النسيج الوطني اللبناني والإحتقان الإقليمي المذهبي وهو ما ساهمت الأزمة السورية في تعميقه بفعل تصويرها كصراع مذهبي بعيداً عن الحسابات السياسية والإستراتيجية. يبدو الحزب مدركاً لهذه الخسارة ولكن وإن كانت لن تدفعه الى تغيير موقفه من الأزمة السورية إلا أنه يسعى للحد منها من خلال محاولة تكريس جهد كبير لتقديم وتفسير وعرض موقفه من الأزمة للجمهور بكل تفاصيلها وخلفياتها لا سيما عبر الإطلالات الأخيرة لأمينه العام المتكفل بشكل خاص بهذه المهمة الشاقة.

يخلص الباحث حسام مطر أيضاً الى أن واقع الشرق الأوسط كمنطقة مكتظة بالدول الضعيفة او الفاشلة في ظل أزمة هوية عميقة بفعل غلبة الإنتماءات العصبية والجهوية الأولية التي لا تعترف بحدود الجغرافيا السياسية، أي واقع يتصف بهيمنة نخب ذات تبعية لمراكز القوى الدولية لا سيما قوى الرأسمالية المعولمة، ضعف للهويات السياسية، طغيان الإنفعالات التاريخية والعقيدية، وتناقض بين الإنتماء للدولة والجماعة الخاصة، كل ذلك يعزز فعالية القوة الناعمة الأميركية المنطقة بوجه القوى المماثلة لحزب الله كحركة مقاومة.
يختم مطر ورقته بالقول أن التقويم النهائي لهذه السياسة الأميركية لا زال يحتاج مزيداً من الوقت لأنها بالأصل تهدف الى إعادة تشكيل هويات وقيم مختلفة وهي عملية تحتاج لسنوات طويلة، كما أن المنطقة تمر بلحظة فوضى تشتعل فيها العصبيات ولذا لا بد من مراقبة ما سيرسخ منها بعد إنتهاء هذا المد الطائفي المقيت. يضاف الى ذلك أن تجربة حزب الله وإنجازاته التاريخية بوجه الكيان الصهوني لا زالت حية ولها موضعها في النفوس وإن خفتت مؤخراً. والأهم أن الحزب ومن خلال تصريحات قيادته وسلوكه الإعلامي بدأ يدرك بشكل متزايد أهداف وأدوات وطبيعة السياسة الأميركية الجديدة . وعليه بدأ حزب الله في الآونة الأخيرة بمحاولة الإستجابة لهذه السياسة بجملة رسائل وخطوات إعلامية وسياسية وثقافية ، ولكن تقويم هذه الخطوات ومدى فاعليتها يحتاج الى بحث وتوسع في مرحلة لاحقة.

يمكن تحميل الورقة كاملة من خلال الرابط التالي على موقع المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق:
 http://www.dirasat.net/uploads/item_mak_m/4410741.pdf

حروب التفوق الإلكتروني

نشر هذا المقال في صحيفة السفير, العدد 12426, بتاريخ 9\3\2013


السفيرأصبحت «الحرب الإلكترونية» مفردة متداولة، هي العنصر الأبرز في الحروب المقبلة لاسيما متى تعلق الأمر بدول متقدمة وقوى عظمى. ما يجري تقديره الآن هو نوعية تلك الحرب، مداها، فعاليتها وأثرها على الحروب التقليدية. هل تشكل بديلاً للحرب أو محفزاً لها؟ هل ستصبح الحاجة الى العنف أقل إلحاحاً؟ ما أثر الفارق النوعي الذي تتيحه كميزة للدول المتقدمة في مواجهة دول وقوى متخلفة تكنولوجياً؟ هذه الأسئلة وسواها أصبحت طور التداول والدراسة والتقويم، ولا إجابات نهائية مؤكدة لاسيما في ظل افتقاد نماذج تاريخية وتطبيقية كافية.

التفوق الإلكتروني أصبح مؤشراً في تقدير قوة الدولة او المنظمة وقوتها الناعمة والصلبة. السيطرة الإلكترونية توفر المعلومات الحساسة وقدرة تخريب المنشآت وشل العدو وتقليص القلق من الخسائر البشرية (عبر طائرات من دون طيار مثلاً، والتي بحسب سيناتور أميركي مكنت الولايات المتحدة من قتل 4700 شخص خلال الاعوام الماضية)، كما يتيح هذ التفوق قدرة التأثير الثقافي والإعلامي في المجتمعات المستهدفة، من خلال التلاعب بالرأي العام وتزويد المجموعات المناوئة للسلطة بأدوات خارج سيطرة الدولة وبث الأفكار والرسائل السياسية والتعبئة الإجتماعية حول قضايا محددة (وهي سياسات تقع ضمن ما يطلق عليه Digital Diplomacy أو الديبلوماسية الرقمية).

خلال الفترة السابقة تكشفت جملة هجمات إلكترونية حساسة، الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية وشركات نفط خليجية وحسابات مصرفية إسرائيلية، وأخيراً الكشف عن الهجمات الواسعة التي تشنها الصين (الوحدة 61398 في الجيش الصيني) على حسابات خاصة ورسمية أميركية شديدة الحساسية. في هذا السياق نشر موقع «الفورين بوليسي» مقالاً بعنوان « The Cool War» محاولاً الكشف عن تداعيات هذه الحرب وآثارها ومقارناً بينها وبين الحرب الباردة. الحرب الجديدة تمتاز بانها أكثر «حماوة» كونها تشهد انخراطاً مباشراً بين القوى الكبرى، وثانياً تمتاز بكونها نقلت الصراعات الى حيز مختلف تماماً أكثر من تقنيات الحرب الباردة التي لم تستطع مغادرة مفاهيم «الجيوبولتيك» والسيطرة على الأرض. الميزة الأبرز قد تكون في أن الحرب الجديدة لا تستوجب إطلاق حرب حقيقية، نظرياً على الأقل، كما يقول كاتب المقال، دافيد روثكوف.


حتى اللحظة يمكن القول إن الحرب الإلكترونية لم تقد الى حرب «حامية»، ولكنها في المقابل أنتجت مستوىً ثابتاً من التصعيد، وهذا أحد مخاطرها الجدية. فعادة ما يتأخر الكشف عن الهجوم الإلكتروني، فـ«الفيروس» يمكن أن يختبئ وينتشر لوقت طويل، بما يلحق ضرراً كبيراً بالخصم لاسيما في سرية معلوماته الاستراتيجية ربما، الى درجة تفقد الهدف جزءاً من ردعه وقدرته على المباغتة بما يلزمه بالرد لتعويض الأضرار. من ناحية أخرى لا يمكن إغفال ما تتركه هذه الهجمات من آثار نفسية بفعل الشعور بالإذلال من تمكن الخصم من إنتهاك «السيادة الإفتراضية» وإبراز تفوقه العلمي والتقني وهذا الشعور بالإذلال يكون عالياً بين القوى المتقدمة التي تفتخر بالعلم كجزء من هويتها الوطنية كما في حال الصين والولايات المتحدة.

الحروب الإلكترونية ستتصاعد، لا سيما باعتبار الحجم المتزايد بشكل مهول لمخزونات المعلومات الإلكترونية التي تصبح حمايتها أصعب. ورغم ذلك، في عصر الحرب الباردة، يمكن أن تنخفض الحاجة للحروب التقليدية نتيجة توفر بدائل أكثر أماناً وفعالية للقوى المتقدمة، ولكنها تبقى فرضية محفوفة بالمخاطر. لطالما كانت الصراعات البشرية تتمحور حول السيطرة على الأرض، ربما لأن الوسائل المتوفرة تاريخياً لم تتح إمكانية أخرى، أما اليوم فالحاجة تتزايد للسيطرة على العقول، وهذا ما وفرته التكنولوجية الحديثة في عالم الاتصال والتواصل.

حسام مطر

عدنان منصور والإنتحار الجماعي

 مقال نشر في موقع العهد بتاريخ 10\3\2013


لا داعي للإنكار، الواقعة "الجريمة" ثابتة وموثقة، لقد طالب عدنان منصور، وزير خارجية حكومة "النأي بالنفس" اللبنانية، بتمكين سوريا من العودة الى الجامعة العربية بهدف تسهيل التسوية السلمية وإيقاف الحرب في سوريا.
لقد تمرد عدنان منصور كما بدا من وجه وزير الخارجية القطري، والتهديد السعودي، والانزعاج الغربي، وحملة قوى 14 آذار. لقد تمرد منصور على منطق الحرب المذهبية في سوريا، على الإصرار على الانتقام من سوريا كلها، على منطق العنف العبثي، على سردية الحسم العسكري، لقد تمرد عدنان منصور في زمن التهليل لملوك النفط، يا له من "مجنون".
لماذا تمرد عدنان منصور؟


تمرد بسبب "التصاق الغالبية الشيعية اللبنانية في المحور الايراني السوري وتورطها في حروبه، حتى النهاية التي لا يمكن ان تكون اقل من عملية انتحار جماعي موصوفة" وهو "المحور الذي يقودها نحو الفناء، غير آبه بمستقبلها اللبناني او العربي طبعا مثلما برهن طوال العقود الاربعة الماضية"، كما يجيب الأستاذ ساطع نور الدين. منطق "ساطع" لا يختلف بتاتاً عن منطق "نخبة" شيعية "عاقلة" أو كما يسميهم البعض "شيعة الوهابية" ومفاده "الشيعة أقلية ويجب أن لا يتخذوا اي موقف يتناقض مع ممالك النفط، وإلا أرسلت لنا الانتحاريين او الإسرائيليين لإبادتنا".


لا يمكن للقارىء إلا أن تتبادر لذهنه جملة إسئلة وملاحظات قبالة هذا المنطق:
ـ أولاً: إذا كان المحور الأول هو "المحور الإيراني السوري" فالمحور المقابل إذاً هو "الأميركي – الإسرائيلي – الخليجي" ، وبالتالي العنوان الشيعي ـ السني ليس إلا عنوان تضليلي لفرض التراجع على مشروع المقاومة بأسلوب بديل عن القوة الإسرائيلية العقيمة.
ثانياً: ما دامت سوريا في مقابل محور مقابل "إميركي ـ إسرائيلي ـ خليجي" يصبح من الممكن فهم الكثير مما يجري في سوريا بما يتجاوز المسببات الداخلية التي لا يمكن إنكار اهميتها.
ـ ثالثاً تقول "هذا المحور غير آبه باللبنانيين وقادنا للانتحار خلال أربعة قرون؟" إذاً كيف تحرر الجنوب؟! كيف تحرر الأسرى؟! كيف أصبحت "إسرائيل" تخشى من الاعتداء علينا؟!
ورابعاً، أنت وسواك من يسار الحرب الأهلية، كم قتلتم من اللبنانيين بحجة المقاومة؟ وبحجة ان المسيحيين كانوا جزء من مؤامرة أميركية؟ لا يشكل 7 أيار (رغم أنكم تنسون دائماً أن هناك 5 أيار قبله) إلا يوم واحد في تاريخ المقاومة الإسلامية ولكنه سيناريو قمتم به كل يوم على مدى 15 سنة من الحرب الأهلية، يا للعجب.

عدنان منصور والانتحار الجماعي
تذكروا جيداً لقد دعا حزب الله المعارضة العراقية "الشيعية" الى المصالحة مع "السفاح" صدام حسين تفادياً للغزو الأميركي، شيعة لبنان يدعون للحوار والإصلاح ونبذ العنف في البحرين والسعودية حيث يتعرض "الشيعة" للقمع والقتل والتنكيل، فكيف يكون موقفنا من الأزمة السورية مذهبياً؟ بدل أن تقفوا بوجه جهود السعودية وقطر لوهبنة المسلمين ومذهبتهم وإرسال الانتحارين، تقومون باستثمار أموالهم في مشاريع "ثقافية تنويرية"؟ تقومون بتبرير أفعالهم من خلال اتهامنا بالمذهبية والجنون وبخدمة مصالح إيران؟ والأدهى، الترويج لفرضية التورط في سوريا من خلال القول "الكلام يتردد اكثر فاكثر عن رفض مقاتلين لبنانيين شيعة الذهاب الى الحرب في سوريا"، دليلك "كلام يتردد"؟! وحيناً تقول إن الطائفة موحدة حول سلطتها بفعل الخوف وفي الجملة التالية تقول بتمرد يحصل داخل الطائفة، كأنك تقول للمستثمرين، إننا بدأنا بالتأثير وهذه هي ملامح التمرد كما أقنعهم سابقاً أحمد الأسعد فحصد بضعة مئات من الأصوات الانتخابية مقابل عشرات ملايين الدولارات.


تهمة الجنون تاريخية، هي وصمة المستبد لكل أقلية تجرأت على رفض الركوع. منطقكم الاجتزائي القائم على الشبهات لا يشكل وزناً داخل الطائفة بل له نتائج عكسية بالكامل ولكنه يُشجع التكفيريين على الذبح ويزيد التعبئة المذهبية عند السنة كما تريد الوهابية، لأن منطقكم بالنسبة لهم بمثابة "شهد شاهد من أهله". لو كنتم أحراراً، ليبراليين، تنويريين، لكنتم على الأقل، وقفتم موقفاً نقدياً من المحور المقابل كما تفعل مع المقاومة وأهلها ومحورها، فلسنا خارج النقد. 


قد نباد ونقتل، نعم، وقد يكون من الأسلم أن نلتحق بملوك النفط "وربهم" في واشنطن، ولكن بعد 30 عاماً من الجنون والنظر الى جبل صافي الأشم لم تعد تحتمل رؤوسنا أن تنحني، يا لسوء حظكم.

حسام مطر

تعليق سياسي 6- لماذا يتداعى نظام الطائف؟ قانون الإنتخاب وهيئة التنسيق

 (هذا التعليق خاص بالمدونة, يرجى ذكر ذلك عند إعادة النشر)


هناك قاعدة عامة تُستعمل عادة لتفسير التحولات السياسية والصراعات, ومفادها أن كل نظام , بالمعنى العام, يتم تأسيسه ليخدم مصالح قوى محددة بما يتلائم مع ميزان القوى القائم. ويبقى هذا النظام مستقراً الى حين تغير ميزان القوى وصعود مجموعات جديدة لا يخدمها النظام القائم فتسعى الى تغييره ووضع قواعد جديدة تراعي مصالحها. يمكن القول أنه بعد أكثر من 20 سنة على إتفاق الطائف, تغيرت موازين القوى التي بُني عليها, المسيحيون عادوا الى المعادلة, المقاومة أصبحت شريكاً في العملية السياسية, التيار العلماني- المدني  توسعت قاعدته, والسلفيون يقضمون حصة الحريرية. وحتى إقليمياً القطبين الإقليميين في الطائف أي السعودية وسوريا تدهورت قوتهما لصالح قوى جديدة كإيران وتركيا. كل هذه القوى الجديدة إما كانت غائبة عن حسابات الطائف وإما كانت على هامشه, واليوم في لحظة صعودها تجد أن النظام القديم ليس ملائماً لمصالحها ولذا من الطبيعي أن تسعى إما لتغيير الطائف وإما لتطبيقه بآلية جديدة قد تكون بتطبيق أدق للنص.

في المهرجان التضامني مع هيئة التنسيق في الانيسكو

لم يكن هذا التغير الوحيد, حتى طبقياً حصلت تحولات هامة, إذ نتيجة الهيمنة التي مارستها "الطبقة الكمبرادورية", كما تسمى, أو طبقة وكلاء رأس المال المعولم في القطاعات المصرفية والخدمية والعقارية, جرى تدمير ممنهج وإفقار متدرج لمختلف الطبقات بالتوازي مع تركز شديد لرأس المال. تمكنت هذه الطبقة من إحكام قبضتها على اللبنانيين لا سيما من خلال "الدين العام" ذي الفوائد العالية, ما جعل من اللبنانيين جميعاً عمال "بالسخرة" , حيث يذهب ما يقرب من 40% من ناتجهم الوطني فقط لخدمة الدين العام. مؤشران يدلان على محاولات التغيير القائمة, قوة تحرك هيئة التنسيق بهدف إعادة توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة للطبقات المهمشة, والإشكالية حول قانون الإنتخاب, أي الحاجة الى توزيع جديد للتمثيل السياسي, إضافة للتوزيع الإقتصادي. 

بعض القوى- حتى من داخل النظام الحالي- لها مصالح, ولو متباينة, في هذا التوزيع الجديد , السياسي والإقتصادي, مثل حزب الله, المسيحيون, السلفيون, والعلمانيون, وعلى صعيد المتضررين تبرز "الحريرية السياسية" بشكل أساسي. لا يعني ما تقدم أن البلد متجه حتماً نحو تغيير إيجابي, بل يمكن القول أننا متجهون الى تغيير يمكن أن يفتح مساراً إيجابياً وذلك يستدعي شروط عدة, لا مجال لبحثها الآن. هل الإنتقال من النظام القديم الى نظام وطني جديد يستوجب العنف؟ عادة نعم, ولو بقدر محدود, ولكن ربما الواقع اللبناني المحاط بنظام أمان متعدد الطبقات قد يجنبنا ذلك, ربما.

                                                                                             حسام مطر, باحث ومحلل سياسي

مقابلة على قناة فلسطين اليوم: واشنطن ستتعامل مع “الإخوان” بالمفرّق

رأى الباحث في القضايا الدولية حسام مطر أن أميركا أصبحت تدرك أنها بحاجة لأن تستمع عند حضور مسؤوليها للمنطقة وليس فقط تلاوة الإملاءات، وهي تحاول أن تقنع حلفاءها أن الشرق الأوسط لا يزال من أولوياتها، كما تسعى لضبط التهور في مصر منعاً لسقوط المنطقة في الفوضى العبثية بما يقلص قدرة واشنطن على التأثير على مسار الأحداث.

وقال مطر في مقابلة مع فضائية “فلسطين اليوم” حول جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري على المنطقة إن ما حصل أثناء زيارة كيري لمصر يعكس مدى تقلص نفوذ واشنطن في القاهرة، بل وإرتباكها ووقوعها فريسة القلق والتناقضات في ظل إنكشاف تحركها وطلباتها أمام الراي العام المصري الذي يتعامل معها من باب النقد وليس التجاهل والسكون. واعتبر أن الإخوان يخطئون بالظن بأن واشنطن جاهزة أو حتى قادرة على عقد صفقة شاملة معهم، بل ستتعامل معهم بالمفرق – كل قضية بقضيتها – فواشنطن ليست حبل نجاة وإلا لأنقذت مبارك الحليف الأطوع. ولفت مطر إلى أن كيري أراد التأكيد أن واشنطن لن تعتمد إستراتيجية إحتواء إيران بل “إستراتيجية منع” ولكن ذلك يبقى كلاماً كبيراً من دون معنى. أضاف: قد يحصل التبريد في الصراع الإيراني- الأميركي في ظل وصول الطرفين الى لحظة حرجة، فالتبريد يخدم تخفيف حدة التوتر بين البلدين وقد يسهم في دفع التسوية في سوريا.


وأردف قائلاً: إن النفوذ الاميركي يعتمد على ثلاثة أنواع من التحالفات في المنطقة: تحالفات إستراتيجية مع تركيا وإسرائيل، تحالفات أداة مع السعودية وقطر، وتحالفات ظرفية كما يجري مع الإخوان، بالإضافة للحفاظ على قدر من الإستقرار يحفظ قدرتهم على التنبؤ والتأثير، إلا في النقاط التي يرغبون بإحداث تغيير فيها كما يجري في سوريا. أما في شأن التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية فإن الآميركيين غير قادرين على فعل الكثير، فالإسرائيليون مسكونون بهواجس أمنية تدفعهم للتطرف، والفلسطينيون منقسمون بقوة حول المسألة.
وختم قائلاً: الأميركون محتاجون لهذه التسوية لتلميع صورتهم وعزل إيران وحزب الله عن شعوب المنطقة بما يعزز قدرة التأثير الأميركي في هذه اللحظة التاريخية والـتأسيسية في الشرق الأوسط.