من أنا
- حسام مطر
- باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.
ورقة بحثية: تركيا في الشرق الأوسط: بين الطموح وقيود النفوذ
حسام مطر, مجلة
شؤون الأوسط, العدد 144, شتاء 2013, ص. 162-172
ملخص الدراسة:
تهتم الورقة
بدراسة وتفسير التحولات في السياسة الخارجية لتركية تجاه الشرق الأوسط خلال
السنوات الأربع الماضية, ويظهر من خلال الدراسة ان مبدأ "توازن القوى"
كان المبدأ الحاكم للتحولات التركية إضافة الى عوامل ذاتية ثانوية مرتبطة بحزب
العدالة والتنمية وتعقيدات اللعبة الداخلية. تركيا اليوم مهتمة بأن تكون بوابة
إلزامية للمصالح الدولية في الشرق الأوسط, ولكن من باب الشراكة الإستراتيجية مع
الناتو الذي يضمن لها جملة تقديمات امنية وسياسية تمكنها من موازنة المحور
المقابل. السلوك التركي في الشرق الأوسط تفسره المصالح القومية بالدرجة الأولى
فيما تتراجع المحددات الثقافوية الى مرتبة ثانية او حتى إلى "إداة". وفيما
كانت تهيمن المحددات الذاتية في بداية التحول التركي نحو الشرق الأوسط إلا انه مع إختبار
الحقائق القاسية في الشرق الأوسط أخذت المعطيات البنيوية والموضوعية تحتل أهمية
متقدمة في كواليس صنع القرار التركي.
مقدمة:
عادت تركيا في
السنوات الأخيرة لتمارس دوراً حيوياً في الشرق الأوسط بعد أن أدارت له ظهرها لعقود
من الزمن. لم يكن من الممكن لهذه "الإستدارة" أن تكون هادئة لما من
تركيا من وزن إستراتيجي في ميزان قوى المنطقة الذي يحفل بدوره بالإشكاليات
والصراعات والإضطرابات. وبعد سلسلة تحولات بدأت السياسة الخارجية تستقر نسبياً على
منهج محدد, وهو ما يمكن أن يسهم في فهم أسباب "الإستدارة" الشرق أوسطية
بالأصل ثم التحولات التي تلتها ووصولاً الى محاولة إستبيان مآلاتها المستقبلية.
تهتم الورقة
بالسؤال عن أثر الدور التركي على التوازن الإستراتيجي في المنطقة؟ وهو تساؤل
يستبطن جملة من التساؤلات الثانوية, لماذا "الإستدارة" نحو الشرق
الأوسط؟ ما سر التوقيت؟ كيف ترى دورها في بيئة عنفية متشظية معقدة كالشرق
الأوسط؟هل ترى اللعبة الإقليمية بإعتبارها لعبة صفرية؟ موقفها من صراع المحاور؟ هل
تسعى تركية لخلق قواعد لعبة جديدة او انها تلعب وفقاً للقواعد المستقرة في
المنطقة؟
محاور الورقة:
أولاً: مرحلة "صفر نزاعات" الرومنسية
ثانياً: التحول الثاني في ظل تحدي التحولات العربي
ثالثاً: هاجس تركيا الإقليمي: التنافس السني-
السني
رابعاً: بين تركيا وإيران
"الطلاق حرام"
خامساً: المأزق
التركي في الأزمة السورية
سادساً: تركيا والغرب "التكيف المتبادل"
الخاتمة:
كما توقعت نظرية الواقعية
الجديدة عاد توازن القوى ليحكم السياسات الشرق أوسطية, فظهور الدور التركي في
الشرق الأوسط من حيث طبيعته وتوقيته ومراحله كان مرتبطاً بتراجع المشروع الصهوني-
الأميركي في المنطقة لا سيما بعد حرب تموز 2006 والإنسحاب من العراق 2009. شكلت
سنوات بوش كارثة إستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة حيث تمكن محور الممانعة
والمقاومة من تحقيق تقدم عميق وقلب بنية القوة في الشرق الاوسط, في تلك اللحظة
كانت الحاجة للاعب جديد ليعيد التوازن الى اللعبة, فكانت تركيا.
بعد الإنسحاب الأميركي من
العراق, أصبحت بوابتي تركيا نحو العالم العربي اي سوريا والعراق تحت الـتأثير
الإيراني المباشر, وهو ما إعتبره الأتراك وضعاً غير مقبول, وهذا أحد مبررات
السياسة التركية تجاه الأزمة السورية. في الوقت الذي يسعى الغرب لعزل إيران يقوم
بإتاحة المجال للدور التركي للتمدد في أي فراغ مستجد و "تلزيمه" رعاية
التحول السياسي في المنطقة, هنا يظهر التحفز التركي نحو علاقات عميقة مع التيارات
الإسلامية التي وصلت للسلطة للتأثير على بناء "الأنظمة الجديدة" منذ بداية
تكونها. تحاول تركية بناء قدرات وبرامج وإستثمار موارد ظخمة في سبيل هذه الغاية من
خلال مشاريع تنموية, برامج تبادل, زيارات رسمية عالية المستوى, والأبرز وضع أسس
لشراكات إستراتيجية مع الدول العربية كما حصل مع تونس في كانون الأول\2012, حيث
صرح أردوغان في حفل التوقيع بأننا " سنواصل
الوقوف إلى جانبهم. ونعتبر إنجازات تونس إنجازاتنا. وسندعم التحول الديمقراطي
والجهود التي تبذل لتحقيق التطور الديمقراطي في تونس". ( مجلس تعاون إستراتيجي تركي- تونسي, موقع قناة الميادين,
26\12\2012)
في المجمل تراهن أنقرة على
قوتها الناعمة – وليس العسكرية - بشكل أساسي بهدف التمدد والنفوذ في المنطقة,
وتسعى في سبيل ذلك الى إستعمال الخطاب الإسلامي بشكل كثيف, وهو خطاب ينحو تدريجياً
نحو المذهبية. ففي الوضع السوري تطغى الخطابة والعروض السياسية والدبلوماسية
التركية إلا أن ذلك رغم محدوديته في التأثير على مجريات الأزمة السورية فأنه يؤمن
لأنقرة مزيداً من المعجبين والأنصار في العالمين العربي والإسلامي. وتنبع أهمية
ذلك من أن الصراع على الشرعية بين القوى الإقليمية في أشد لحظاته, بسبب أن الرأي
العام العربي أصبح أكثر إنكشافاً للتأثيرات الخارجية. إن
الدور التركي المستجد لم يتحرك خارج الإرادة الإميركية بل كان من تأثيرات إقرار
واشنطن بتراجع نفوذها الإقليمي وضمور القوة الإسرائيلية بما يحتم إقامة توازن "
إسلامي سني" بوجه طهران.
على الأرجح أن لا يطول الوقت قبل أن نشهد التحول
الثالث للسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية بعد أن تكتمل مرحلة النضج, حيث لا
بد من القبول بالحد الإقصى الممكن من النفوذ والمكاسب ليبدأ السعي نحو تكريس ذلك
الستاتيسكو من خلال جملة خطوات تراجعية وتسويات إقليمية تعترف فيها حكومة اردوغان
بحدود المثل وحقائق توازنات القوة من دون ان يعني ذلك خروج تركيا من المعادلة
الإقليمية ولكنها ستصبح أكثر تواضعاً وتعقلاً وإلا سيدرك الأتراك حينها كيف أن الشرق الأوسط كائن يهوى
تحطيم "الرؤوس الكبيرة".
يمكن تحميل الورقة كاملة
عبر الرابط التالي: http://www.scribd.com/doc/147877384/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%85%D9%88%D8%AD-%D9%88%D9%82%D9%8A%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0
حزب الله في سوريا: صهر "المنظومة الشمالية"
نشر في صحيفة الأخبار, العدد 2020, 4 حزيران 2013
الدخول في تفاصيل السياسة من دون ملاحظة السياقات البنيوية للأحداث، يؤدي إلى كثير من التضليل واللغط والضبابية، بحيث تبدو الحجج المتناقضة مقبولة أو فيها وجهة نظر. أغلب من يناقشون وينتقدون حزب الله يستخدمون هذا المنهج، تجميع للنقاط السوداء المتناثرة في خطاب وممارسات وسياسات الحزب وتكرارها وترديدها بكثافة لإنتاج معنى محدد لهوية الحزب ومشروعه وسياساته. من الصعب جداً فهم السياسات ذات البعد الإقليمي وحتى الوطني في الشرق الأوسط، من دون وضعها ضمن إطار الصراع المحتدم منذ نهاية الحرب الباردة، بين المحور الذي تقوده طهران، وذاك الذي تقوده الولايات المتحدة.
في أيار 2000 وجه حزب الله ضربة «تاريخية» إلى المحور المقابل، نتج عنها كشف محدودية القوة العسكرية الإسرائيلية، تضاؤل نفوذ واشنطن والأهم تعرية النظام العربي الرسمي على نحو كامل. ما حصل في 2006 كان محاولة أميركية لوقف صعود محور المقاومة في البيئة الإقليمية، كان ضربة «استباقية» من محور «الستاتيكو» إلى محور «صاعد» قبل اكتمال صعوده وإنهاء حالة الهيمنة. أنهى فشل عدوان 2006 النظام الإقليمي في الشرق الاوسط، الذي تربعت عليه واشنطن فأصبحت بحاجة إلى تحقيق توازن قوى إقليمي من دون دور مباشر لها في المنطقة، مما استدعى منها تغييراً شاملاً في اللعبة الإقليمية، لاعبين جدداً (تركيا وقطر)، أدوات جديدة (أدوات القوة الناعم) وخلق إطار صراعي جديد (المواجهة المذهبية).
حين انطلقت الأحداث في سوريا، سارع المحور الأميركي المتعطش لتعويض الخسارة «الطازجة» في العراق إلى استغلال المطالب المشروعة للمعارضة وأخطاء وخطايا النظام، وتمكن من وضع سوريا تحت مأساة الحرب الأهلية. أغلب قادة المعارضة السورية اندمجوا بالكامل مع المحور الأميركي، آخرون منهم اتخذوا «التكفيرية» منهجاً، وأصبحت الأزمة السورية في صلب توازن القوى الإقليمي، وخرجت من سياقاتها الداخلية. حينها لم يعد من الممكن لحزب الله وحلفائه أن يكتفوا بخطاب الدعوة إلى الحل السياسي والحوار ومحاولة فتح خطوط مع المعارضة، كل ذلك انتهى لأن المحور الأميركي بقدراته المالية والسياسة والإعلامية المذهلة تمكن من جر المعارضين إلى لعبته الإقليمية.
بعد سنتين من أكثر الأزمات «الداخلية» تدويلاً في التاريخ السياسي لما بعد الحرب الباردة، قرر حزب الله أخيراً بدء التدخل الميداني في سوريا حين أصبحت صورة الصراع «إقليمية» بالكامل. حزب الله لا يتدخل ضد الشعب السوري، فالشعب السوري منقسم، ولا يتدخل ضد الأبرياء والآمنين، بل يواجه هجيناً من التكفيريين والمرتزقة والمغرر بهم، الذين انقلبوا الى خنجر في قلب محور المقاومة، ورمح في خاصرة حزب الله. فعلياً وقبل أن يتدخل حزب الله في الأزمة السورية كان الحزب قد خسر كل ما يمكن أن يخسره، ولا سيما في ما يخص صورته أمام جزء من الرأي العام السوري والعربي، الذي اقتنع بتدخل الحزب منذ الأشهر الأولى، وجرى التصويب عليه من زاوية مذهبية «كحليف لنظام علوي خدمة لمصالح إيران الإقليمية»، كما تردد المنظومة الإعلامية المقابلة. إذاً بعدما جرى زجّ الحزب في الفتنة، وتشويه صورته، والتشويش على ماضيه، والتلاعب بهويته، وإضعاف حليفه العربي الأهم، ماذا يمكن أن يخسر حزب الله بعد أكثر من ذلك؟ حينها لم يعد بإمكان الحزب إلا التدخل، لأن النتائج السلبية المفترضة للتدخل سبق أن تحققت، وبناءً عليه أصبح التدخل ضرورياً من باب تقليص الخسائر وبناء مسار جديد يتيح التعويض عن بعض الأضرار المتحققة. لقد قدمت المعارضة السورية كل الممارسات والحجج والمسوغات لتدخل الحزب في سوريا، وحاولت «حشره في الزاوية»، لا لشيء بل فقط لخدمة الممول والمشغل، ولما أخرج الحزب «مخالبه» علا الصراخ والعويل والاستعطاف.
حسب ما أعلن السيد نصر الله فإن دور حزب الله في القصير هو دفاعي اولاً، وهو سيؤدي تلقائياً الى قطع الشريان اللبناني لضخ السلاح والمقاتلين الى المعارضين في سوريا. تدخل الحزب بهذه الحدود هدفه العام هو تثبيت توازن قوى في محاولة لدفع التسوية السياسية عبر إقناع المعارضين بأن العنف اصبح عبثياً، وهذا هو النصر المقصود بكلام السيد نصرالله، إذ إن الحزب يعي أنه لا إمكان لحسم عسكري شامل في سوريا، ويدرك الحزب ايضاً محدودية قوته في الأزمة السورية، لذا سيبقى تدخله محدوداً، موضعياً، مقنناً، ومُرشداً الى أقصى الحدود. بهذا المعنى يكون الحزب قد حدد هدفاً « قابلاً للتحقق» لدوره في سوريا. فهو لا يتحدث بلغة سحق المعارضة او حسم الصراع أو القضاء على التكفيريين، بل يتعامل مع نقاط محددة بدقة، وهذا مقتضى النباهة السياسية، وجزء من الحكمة في إدارة المعركة.
إن المقاومة وبيئتها تخوضان المعركة في القصير بكثير من الغصة والأسى رغم العزيمة والثقة بأنها معركة مفروضة لا مفر منها. يفضّل هؤلاء أن يقاتلوا العدو الأصيل كما فعلوا أبداً. يفضل هؤلاء عدواً يليق بهم. يفضّل هؤلاء أن يستشهدوا بيد الإسرائيلي، لكن لم يُترك لهؤلاء الخيار، أتاهم العدو متمترساً بأبناء جلدتهم كما فعلت دوماً كل قوى الاستكبار. أكثر من سنتين على الأزمة في سوريا، يحق فيها للمحور الأميركي أن يزج بكل ما يملك من مقدرات وأدوات قذرة في هذه الحرب خدمة لحسابات إقليمية تتصل مباشرة بالمقاومة، لكن حين يتدخل حزب الله أخيراً ببضع مئات من مقاتليه في منطقة حدودية مع سوريا يصبح هو المعتدي والمفتري والعبثي والمذهبي، لا غوغائية وتضليل بعد ذلك. من الآخر، في أيار 2013 نُعاقب على فعلتنا في أيار 2000، والفطنة أن لا نتجاهل ذلك، فحماية النصر أوجب من النصر ذاته.
لأصحاب العقول المذهبية «الحامية» في العالم العربي والإسلامي، صلاح الدين الأيوبي قتل ألوفاً مؤلفة من مسلمين وعرب بحجة تعاونهم مع الصليبيين، ولم يعترف بحدود «الولايات» حينها، ورغم ذلك يبقى صلاح الدين «الأسطورة التاريخية» لكثيرين منكم. أما جمال عبد الناصر، فتدخل في الصراع الأهلي اليمني بعد 1962 في سياق مواجهته الإقليمية مع السعودية والبريطانيين (أي المشروع الاستعماري – الصهوني)، ولم يكترث للحدود الوطنية، وأرسل سبعين ألف جندي مصري للقتال في اليمن، فهل يمكن القول إنّ عبد الناصر فعل ذلك بدواعٍ مذهبي؟ أو أنه قاتل الأطفال والنساء والمسلمين؟ ألا يرى كثيرون ممن يهاجمون السيد نصر الله اليوم أن عبد الناصر كان رمزاً تاريخياً مدافعاً عن فلسطين والعروبة (وهو كذلك بلا شك)، كما يرون ذلك أيضاً في صلاح الدين الأيوبي. وحتى حركة حماس «السنية» دخلت في مواجهة عسكرية بوجه فتح «السنية» وقتلت منها العشرات بحجة حماية المقاومة. لا يمكن أن ننكر أن أي حركة مقاومة بوجه إسرائيل ستضطر محقة في لحظة ما (وليس دائماً) إلى تحويل سلاحها بوجه قوى من أبناء جدلتها، وإلى تجاوز مفاهيم السيادة الوطنية وحدود سايس – بيكو، لأن المشروع الأميركي الصهيوني متشعب ومتشابك ومتداخل وليس يتيماً في المنطقة.
أما اليوم، أن يقول السيد نصر الله وبأدلة مفصلة ورؤية واضحة أن بضع مئات من حزبه يقاتلون داخل سوريا في منطقة ملاصقة للحدود اللبنانية بهدف حماية المقاومة ممن باع نفسه للمشروع الأميركي عن عمد أو غباوة، فيصبح هو عدو الأمة بعد 30 عاماً من أسطورته ومعجزته المستمرة في مقاومة إسرائيل ؟! عام 2007 دعا الكاتب الإسرائيلي داني بركوفيتش في كتابه «هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا؟ معركة إضعاف حزب الله» إلى فكرة «شق المنظومة الشمالية»، أي لبنان وحزب الله وسوريا، وهو ما يجري السعي إليه منذ سنتين. فهل من المتوقع إلا أن يرد حزب الله بصهر هذه المنظومة أكثر؟ يمكنكم أن تعترضوا وتنتقدوا وترفضوا موقف الحزب من الأزمة السورية، وتدخله فيها، لكن لا أحد يملك في هذا الشرق المخزون الأخلاقي والتاريخي الكافي لأن يربط ذلك باتهامات مذهبية أو أخلاقية للحزب وسيده، قليل من الخجل أيها السادة.
الدخول في تفاصيل السياسة من دون ملاحظة السياقات البنيوية للأحداث، يؤدي إلى كثير من التضليل واللغط والضبابية، بحيث تبدو الحجج المتناقضة مقبولة أو فيها وجهة نظر. أغلب من يناقشون وينتقدون حزب الله يستخدمون هذا المنهج، تجميع للنقاط السوداء المتناثرة في خطاب وممارسات وسياسات الحزب وتكرارها وترديدها بكثافة لإنتاج معنى محدد لهوية الحزب ومشروعه وسياساته. من الصعب جداً فهم السياسات ذات البعد الإقليمي وحتى الوطني في الشرق الأوسط، من دون وضعها ضمن إطار الصراع المحتدم منذ نهاية الحرب الباردة، بين المحور الذي تقوده طهران، وذاك الذي تقوده الولايات المتحدة.
في أيار 2000 وجه حزب الله ضربة «تاريخية» إلى المحور المقابل، نتج عنها كشف محدودية القوة العسكرية الإسرائيلية، تضاؤل نفوذ واشنطن والأهم تعرية النظام العربي الرسمي على نحو كامل. ما حصل في 2006 كان محاولة أميركية لوقف صعود محور المقاومة في البيئة الإقليمية، كان ضربة «استباقية» من محور «الستاتيكو» إلى محور «صاعد» قبل اكتمال صعوده وإنهاء حالة الهيمنة. أنهى فشل عدوان 2006 النظام الإقليمي في الشرق الاوسط، الذي تربعت عليه واشنطن فأصبحت بحاجة إلى تحقيق توازن قوى إقليمي من دون دور مباشر لها في المنطقة، مما استدعى منها تغييراً شاملاً في اللعبة الإقليمية، لاعبين جدداً (تركيا وقطر)، أدوات جديدة (أدوات القوة الناعم) وخلق إطار صراعي جديد (المواجهة المذهبية).
حين انطلقت الأحداث في سوريا، سارع المحور الأميركي المتعطش لتعويض الخسارة «الطازجة» في العراق إلى استغلال المطالب المشروعة للمعارضة وأخطاء وخطايا النظام، وتمكن من وضع سوريا تحت مأساة الحرب الأهلية. أغلب قادة المعارضة السورية اندمجوا بالكامل مع المحور الأميركي، آخرون منهم اتخذوا «التكفيرية» منهجاً، وأصبحت الأزمة السورية في صلب توازن القوى الإقليمي، وخرجت من سياقاتها الداخلية. حينها لم يعد من الممكن لحزب الله وحلفائه أن يكتفوا بخطاب الدعوة إلى الحل السياسي والحوار ومحاولة فتح خطوط مع المعارضة، كل ذلك انتهى لأن المحور الأميركي بقدراته المالية والسياسة والإعلامية المذهلة تمكن من جر المعارضين إلى لعبته الإقليمية.
بعد سنتين من أكثر الأزمات «الداخلية» تدويلاً في التاريخ السياسي لما بعد الحرب الباردة، قرر حزب الله أخيراً بدء التدخل الميداني في سوريا حين أصبحت صورة الصراع «إقليمية» بالكامل. حزب الله لا يتدخل ضد الشعب السوري، فالشعب السوري منقسم، ولا يتدخل ضد الأبرياء والآمنين، بل يواجه هجيناً من التكفيريين والمرتزقة والمغرر بهم، الذين انقلبوا الى خنجر في قلب محور المقاومة، ورمح في خاصرة حزب الله. فعلياً وقبل أن يتدخل حزب الله في الأزمة السورية كان الحزب قد خسر كل ما يمكن أن يخسره، ولا سيما في ما يخص صورته أمام جزء من الرأي العام السوري والعربي، الذي اقتنع بتدخل الحزب منذ الأشهر الأولى، وجرى التصويب عليه من زاوية مذهبية «كحليف لنظام علوي خدمة لمصالح إيران الإقليمية»، كما تردد المنظومة الإعلامية المقابلة. إذاً بعدما جرى زجّ الحزب في الفتنة، وتشويه صورته، والتشويش على ماضيه، والتلاعب بهويته، وإضعاف حليفه العربي الأهم، ماذا يمكن أن يخسر حزب الله بعد أكثر من ذلك؟ حينها لم يعد بإمكان الحزب إلا التدخل، لأن النتائج السلبية المفترضة للتدخل سبق أن تحققت، وبناءً عليه أصبح التدخل ضرورياً من باب تقليص الخسائر وبناء مسار جديد يتيح التعويض عن بعض الأضرار المتحققة. لقد قدمت المعارضة السورية كل الممارسات والحجج والمسوغات لتدخل الحزب في سوريا، وحاولت «حشره في الزاوية»، لا لشيء بل فقط لخدمة الممول والمشغل، ولما أخرج الحزب «مخالبه» علا الصراخ والعويل والاستعطاف.
حسب ما أعلن السيد نصر الله فإن دور حزب الله في القصير هو دفاعي اولاً، وهو سيؤدي تلقائياً الى قطع الشريان اللبناني لضخ السلاح والمقاتلين الى المعارضين في سوريا. تدخل الحزب بهذه الحدود هدفه العام هو تثبيت توازن قوى في محاولة لدفع التسوية السياسية عبر إقناع المعارضين بأن العنف اصبح عبثياً، وهذا هو النصر المقصود بكلام السيد نصرالله، إذ إن الحزب يعي أنه لا إمكان لحسم عسكري شامل في سوريا، ويدرك الحزب ايضاً محدودية قوته في الأزمة السورية، لذا سيبقى تدخله محدوداً، موضعياً، مقنناً، ومُرشداً الى أقصى الحدود. بهذا المعنى يكون الحزب قد حدد هدفاً « قابلاً للتحقق» لدوره في سوريا. فهو لا يتحدث بلغة سحق المعارضة او حسم الصراع أو القضاء على التكفيريين، بل يتعامل مع نقاط محددة بدقة، وهذا مقتضى النباهة السياسية، وجزء من الحكمة في إدارة المعركة.
إن المقاومة وبيئتها تخوضان المعركة في القصير بكثير من الغصة والأسى رغم العزيمة والثقة بأنها معركة مفروضة لا مفر منها. يفضّل هؤلاء أن يقاتلوا العدو الأصيل كما فعلوا أبداً. يفضل هؤلاء عدواً يليق بهم. يفضّل هؤلاء أن يستشهدوا بيد الإسرائيلي، لكن لم يُترك لهؤلاء الخيار، أتاهم العدو متمترساً بأبناء جلدتهم كما فعلت دوماً كل قوى الاستكبار. أكثر من سنتين على الأزمة في سوريا، يحق فيها للمحور الأميركي أن يزج بكل ما يملك من مقدرات وأدوات قذرة في هذه الحرب خدمة لحسابات إقليمية تتصل مباشرة بالمقاومة، لكن حين يتدخل حزب الله أخيراً ببضع مئات من مقاتليه في منطقة حدودية مع سوريا يصبح هو المعتدي والمفتري والعبثي والمذهبي، لا غوغائية وتضليل بعد ذلك. من الآخر، في أيار 2013 نُعاقب على فعلتنا في أيار 2000، والفطنة أن لا نتجاهل ذلك، فحماية النصر أوجب من النصر ذاته.
لأصحاب العقول المذهبية «الحامية» في العالم العربي والإسلامي، صلاح الدين الأيوبي قتل ألوفاً مؤلفة من مسلمين وعرب بحجة تعاونهم مع الصليبيين، ولم يعترف بحدود «الولايات» حينها، ورغم ذلك يبقى صلاح الدين «الأسطورة التاريخية» لكثيرين منكم. أما جمال عبد الناصر، فتدخل في الصراع الأهلي اليمني بعد 1962 في سياق مواجهته الإقليمية مع السعودية والبريطانيين (أي المشروع الاستعماري – الصهوني)، ولم يكترث للحدود الوطنية، وأرسل سبعين ألف جندي مصري للقتال في اليمن، فهل يمكن القول إنّ عبد الناصر فعل ذلك بدواعٍ مذهبي؟ أو أنه قاتل الأطفال والنساء والمسلمين؟ ألا يرى كثيرون ممن يهاجمون السيد نصر الله اليوم أن عبد الناصر كان رمزاً تاريخياً مدافعاً عن فلسطين والعروبة (وهو كذلك بلا شك)، كما يرون ذلك أيضاً في صلاح الدين الأيوبي. وحتى حركة حماس «السنية» دخلت في مواجهة عسكرية بوجه فتح «السنية» وقتلت منها العشرات بحجة حماية المقاومة. لا يمكن أن ننكر أن أي حركة مقاومة بوجه إسرائيل ستضطر محقة في لحظة ما (وليس دائماً) إلى تحويل سلاحها بوجه قوى من أبناء جدلتها، وإلى تجاوز مفاهيم السيادة الوطنية وحدود سايس – بيكو، لأن المشروع الأميركي الصهيوني متشعب ومتشابك ومتداخل وليس يتيماً في المنطقة.
أما اليوم، أن يقول السيد نصر الله وبأدلة مفصلة ورؤية واضحة أن بضع مئات من حزبه يقاتلون داخل سوريا في منطقة ملاصقة للحدود اللبنانية بهدف حماية المقاومة ممن باع نفسه للمشروع الأميركي عن عمد أو غباوة، فيصبح هو عدو الأمة بعد 30 عاماً من أسطورته ومعجزته المستمرة في مقاومة إسرائيل ؟! عام 2007 دعا الكاتب الإسرائيلي داني بركوفيتش في كتابه «هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا؟ معركة إضعاف حزب الله» إلى فكرة «شق المنظومة الشمالية»، أي لبنان وحزب الله وسوريا، وهو ما يجري السعي إليه منذ سنتين. فهل من المتوقع إلا أن يرد حزب الله بصهر هذه المنظومة أكثر؟ يمكنكم أن تعترضوا وتنتقدوا وترفضوا موقف الحزب من الأزمة السورية، وتدخله فيها، لكن لا أحد يملك في هذا الشرق المخزون الأخلاقي والتاريخي الكافي لأن يربط ذلك باتهامات مذهبية أو أخلاقية للحزب وسيده، قليل من الخجل أيها السادة.
حسام مطر \ باحث ومحلل سياسي
Tehran and Washington: The Marathon Never Ends
Hosam Matar, (originally published in Al-Akhbar newspaper), Watching America.com Translated to english By Jackson Allan, Edited by Bora Mici, 22 March 2013
It is said that U.S.-Iranian relations follow the rules of a marathon and not those of a 100-meter sprint. After 30 years of tension, hostility and rival maneuvering, it seems that this expression certainly holds true.
Has the time come for a resolution to the U.S.-Iranian conflict? We could safely assume that this question deserves the Guinness world record as the most obscure question regarding the Middle East. It goes without saying that the absence of a resolution reflects the severity of the divisions in interests and ideology between the two sides. The Iranians have only experienced the U.S. as an arrogant, hegemonic power that does not respect the principles of domestic sovereignty, international law or even the legitimate interests of regional powers. On the other hand, the “shock of the [takeover of the] embassy” still governs the consciousness of the American people in relation to Iran. In addition, they understand Iran through a “defeated” people, the supporters of the Shah who left the country. Then, there is the ideological contradiction — similar to the one that existed between the U.S. and the Soviets — that prevents peaceful coexistence between the two sides. Martin Hollis and Steve Smith have written that the American and Soviet powers — from this perspective — did not belong to the same world: Each had a distinct form of life; therefore peaceful coexistence was impossible.
When it comes to Iran, the U.S. debates two core questions: Is our strategy containment or prevention? And, if it is prevention, what path must we follow in order to achieve that aim?
The first question has become as conventional as the answers to it. But the remarkable thing is that the second Obama administration has openly announced, through Secretary of State John Kerry (on Jan. 24, 2013) and Vice President Joe Biden (in March 2013), that its policy is “not containment, it is prevention,” which means that allowing a nuclear Iran, in military terms, is out of the question, even if that means resorting to war. [Zbigniew] Brzezinski harshly criticizes the logic of the idea that Iran possessing nuclear capabilities is an impermissible scenario, because “unacceptable is one of those words which means a lot and at the same time sometimes nothing.” According to him an alternative is deterrence: “We are deterring North Korea. We can deter Iran. I think the guarantee from the United States of complete protection ... can work in the Middle East ...
"We also have to say a conflict is not in our interest because we know if there's a conflict, we will be hit by the Iranians. ”
But in his July 2012 Foreign Affairs article "Why Iran Should Get the Bomb," Kenneth Waltz has gone even further, reasoning that Iran’s acquisition of nuclear weapons would create a more sustainable balance of military power in the Middle East, and that this would reinforce regional stability and not detract from it.
Regarding the second question, a U.S. trend supporting the idea of presenting an offer to Iran with the aim of reaching a resolution is growing. This trend believes that the effectiveness of potential military action is doubtful and that the sanctions, despite their ability to inflict damage, are not enough to alter Iran’s behavior, especially “when their objective is to humiliate the Iranians,”** as Brzezinski has said. The sanctions have become ineffective because Washington has not seriously put the question of [the conditions under which] they would be raised on the table. Obama could overcome the errors made by his predecessors if he accepts the limited nature of U.S. military power and puts his trust in diplomatic power, contends Reza Marashi in his Jan. 22, 2013 Foreign Policy article "Obama's Moment of Truth on Iran." The latest Gallup poll results, published on Feb. 7, 2013, support the “sterile” sanctions hypothesis: Sixty-three percent of Iranians support the continuation of the nuclear program in their country even though 48 percent said that they are directly suffering from the sanctions. The most important thing is that 47 percent blamed the sanctions on the U.S., while 10 percent blamed the Iranian government, and 23 percent are split between Israel, the Europeans and the United Nations.
In an Oct. 7, 2011 Washington Post editorial, Graham Allison had previously called upon Obama to seize Ahmadinejad’s offer to exchange uranium [for "specialized fuel enriched at 20 percent, for use in its research reactor that produces medical isotopes to treat cancer patients"]. He compared this step to the one Reagan took toward Gorbachev after the latter announced a new era of "openness." From Berlin, Reagan called upon Gorbachev to “tear down this wall,” and that is what happened two years later.
Similarly, in his article Jan. 16, 2013 article "Obama, Offer Iran a Generous Deal," published in The Atlantic, Patrick Clawson has called upon the Obama administration to present a generous offer to Iran that includes softening the sanctions and allowing flexibility on the uranium enrichment issue. Clawson believes that the P5+1 group adopted an old tactic to revive negotiations: “Change the question.” This tactic did not aim to stop enrichment but to guarantee that Iran is unable to manufacture nuclear weapons by [having Iran] ship uranium overseas [instead].
Dennis Ross, for his part, agrees that Iran, under the escalating pressure of the sanctions and given the seriousness [with which Iran’s opponents are considering the] military option, seems ready to accept a diplomatic initiative, especially if it includes acknowledging Iran's right to a peaceful nuclear program.
“The proper environment now exists for diplomacy to work. The next few months will determine whether it succeeds,” he concludes in his article.
One of the risks of making this offer, on which Clawson, Allison and Ross agree, is that Tehran will neglect to take reciprocal steps or will execute them slowly to buy time. The most dangerous risk, though, is that any offer to Iran will be seen as an acknowledgment of its territorial aspirations, an idea that must be refuted in front of the Iranians, on one hand, and the allies of Washington, on the other. According to them, if the Iranians reject a generous offer, it would reveal the country’s true intentions and give legitimacy to a military operation, as a “necessary evil,” against it. Therefore, Robert Satloff, WINEP executive director, believes that Obama will probably present a “grand deal” to the Iranians during his second term.
On the other side, the “hawk” contingent, which includes Michael Singh and Michael Eisenstadt of the Washington Institute for Near East Policy, still calls for more serious consideration of the military option. Going even further, Matthew Kroenig wrote in an eponymous feature, published in the January/February 2012 issue of Foreign Affairs, that it is "time to attack Iran" with a surgical military operation and then absorb the country’s response, quickly making moves to contain the crisis. Otherwise, Washington will be forced to face a greater cost in the future, a cost that could reach the point of nuclear warfare. But the remarkable conclusion came from the RAND think tank, which argues that neither diplomacy nor attempts at regime change will be useful. Therefore, the only thing left to do is to support reform in Iran by encouraging democratic change among its neighbors — a reference to the Arab Spring. Doing so would give credibility to U.S. efforts to support reform in Iran.
Despite these calls for presenting a grander bargain to Iran — a bargain whose features manifested in the round of negotiations between Iran and the P5+1 group in Kurdistan , opening a small window in the deadlock — a grander resolution is still unachievable. This is especially true because “the 30-year-old U.S.-Iran enmity is no longer a phenomenon; it is an institution,” argues Trita Parsi, president National Iranian American Council, in his Jan. 25, 2012 article "How the U.S. and Iran Keep Failing To Find a Peace They Both Want" published in The Atlantic. Parsi concluded that the tendency of diplomats in each country to play on the deviltry of the other, internal complications, regional restrictions and the obscurity that a resolution could create all stand in the way of a grander resolution.
It follows that Iran appears to have extracted partial recognition of its status as a nuclear power and its right, in principle, to enrich uranium. Additionally, it has proven that sanctions and coercion are ineffective against it. The two sides need to cool the conflict, but their capacity to do that is directly tied to what is happening in Syria: The closer the Syrian conflict is to a resolution, the more flexibility the Iranians will show and vice versa. But, in conclusion, it is an issue of institutionalized enmity, in Parsi's words. The marathon will continue, even if is interrupted by some rest breaks.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)