من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

ورقة بحثية:السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟


مجلة حمورابي للدراسات, العدد 4, السنة الأولى, كانون الأول 2012 , ص. 144- 162

                                                                                       حسام محمد مطر
 (باحث وأكاديمي من لبنان)

مقدمة:


منذ بداية القرن العشرين بدأت السياسة الخارجية الأمريكية تشغل حيزاً مميزاً ومتصاعداً في الدراسات الدولية, نظراً لما لهذه السياسة من تأثيرات عميقة في النظام الدولي بكل طبقاته السياسية والإقتصادية والمالية والثقافية والعسكرية. ولذا لطالما إهتم الباحثون في مراقبة تطور هذه السياسة ودراسة المؤثرات الداخلية والخارجية التي تحكمها, ولكن بقي الأهم من ذلك هو مراقبة التحولات الحاصلة فيها ولحظات الإنعطاف الحاد التي كانت تشهدها, لأن من شأن ذلك ترك تداعيات دولية وإقليمية مصيرية سواء تجاه السلام أو الحرب.

لطالما إختلف الأميركيون حول طبيعة دورهم في العالم, وهو إختلاف لا يعكس إلا إختلافهم حول ماهية الولايات المتحدة ذاتها, هل هي جزيرة قارية في ما وراء المحيطات فقط؟ هل هي المثال الذي يجب أن يجذب سموه القلوب والعقول كما ترشد المنارة السفن التائهة؟ هل هي سيدة القارة الأميركية؟ أم هل هي فيض سماوي لهداية البشرية نحو الحرية والرفاه؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة هي التي حكمت إتجاه السياسة الخارجية الأميركية من الإنعزالية الى الإمبريالية والهيمنة الآحادية وما بين بين. في حين أن الإجابة كانت دوماً امراً جدلياً بمعنى أن الأميركيين لطالما إنقسموا حول موقفهم من الدور الأميركي في العالم, أي أنهم إفتقدوا دوماً للإجماع السياسي أو حتى شبه الإجماع حول هذا الدور ما عدا لحظات إستثنائية جداً كالحرب على أفغانستان بعد 11 أيلول.

لقد شكلت الإنعطافات الأميركية مفاصل تاريخية منذ الحرب العالمية الأولى وصولاً الى ما بعد 11 أيلول 2001. واليوم - وفي ظل الأزمة المالية والإقتصادية التي تضرب أسس الإقتصاد الأميركي  لدرجة قال فيها رئيس هيئة الأركان الأميركية: " إن الخطر الأكبر على أمننا القومي هي مسألة الدين" -  يتصاعد بشكل ملفت الحديث عن إرهاصات إنعطافة أميركية ستترك تداعيات خطيرة على النظام الدولي ككل, سواء الإستقرار النقدي والإقتصادي, تعطيل مؤسسات النظام الدولي, ظهور موجة من المواجهات الإقليمية جراء حال الفراغ التي سيتركها التراجع الأميركي, وإرتفاع عداونية القوى الكبرى الصاعدة. تتمحور هذه النقاشات حول سؤال مركزي: هل آحادية الهيمنة الأميركية تمر في لحظة ضمور؟ وتتفرع من هذا السؤال جملة أسئلة فرعية: كيف يجب على الولايات المتحدة التعامل مع هذا التهديد؟  هل تتراجع لإستجماع أنفاسها عبر إتباع "سياسة تقشفية" أو بالعكس تبادر للإندفاع لمنع المنافسين من الحلول مكانها؟ وما هي التداعيات التي يمكن أن يتركها كلا الخيارين؟ 

هذه هي الأسئلة التي ستدور حولها المحاور الرئيسية لهذه الدراسة, وفي سبيل الولوج الى الإجابات ستعتمد الدراسة منهجاً قاعدته الفهم“Understanding”  وليس التحليل . “Explaining” ضمن هذا المنهج سيتم التركيز على فهم اللاعب المعني من الداخل – أي الولايات المتحدة بهذه الحالة –من خلال دراسة قيمه ومصالحه وتركيبته الداخلية وتطوره التاريخي وبنيته الذاتية, وليست بالتالي معنية بإيجاد علاقة الأسباب (المتغيرات المستقلة) والمسببات (المتغيرات التابعة). يرتكز البحث على شق نظري حول أبرز النظريات المتعلقة بالموقف من قضية "الهيمنة", وشق سياسي- عملي مستند الى دراسات وابحاث متخصصين أميركيين, شهادات في الكونغرس , تصريحات لأهم صانعي القرار في الإدارة الأميركية وجملة تقارير أميركية رسمية.

الورقة كاملة متوفرة على الرابط التالي: http://www.scribd.com/doc/121794969/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86
 %D9%83%D9%81%D8%A7%D8%A1%D8%9F


سوريا: إحموا رؤوسكم فقد سقط الجدار

صحيفة السفير, العدد 12379, بتاريخ 12\1\2013

منذ عام تقريباً وفرضية الحسم العسكري لأحد طرفي النزاع في سوريا تبدو كجزء من الحرب النفسية والدعاية لا أكثر، وهذا ما كتبناه منذ 10 أشهر تحت عنوان: «سوريا: ستاتيكو ميداني وتسوية، وإلا فمواجهة شاملة». يخوض النظام السوري المواجهة في الأشهر الأخيرة بصيغة «القتال التأخيري»، أي السعي لكسب الوقت لا الأرض، الى حين التسوية التي تبدو أمام فرص جدية للمرة الأولى منذ بداية الأزمة. هذه التسوية يُفترض ان تعكس توازنات القوة المستجدة التي لا تتضمن خسارة كاملة او فوزا كاملا لأي من طرفي النزاع. بالنسبة للنظام لم يعد المهم مدى المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها بل نوعية تلك الجغرافيا، ففي حين تتمدد المعارضة في الريف وضواحي المدن، يستجمع النظام قواته في المدن الأساسية حيث الوزن الديموغرافي ـ الاقتصادي ـ الحيوي (مطارات ـ مراكز إستراتيجية ـ مصافي نفط)، أي أن النظام يسيطر ديموغرافياً والمعارضة جغرافياً بالمعنى الضيق.

يدرك النظام أن قوته في المدن الكبرى هي مفتاح صموده وشرط للتسوية وضمان لحصته فيها. في بعض هذه المدن تتركز الحاضنة الشعبية للنظام، ويضاف لذلك حشد النظام لقواته بأعداد كبيرة فيها مدعومة بقدرة نارية هائلة جواً وبحراً. حالياً يهتم النظام بتأمين الخطوط الرئيسية بين هذه المدن لا سيما على خط دمشق - حمص ـ الساحل، وخط حمص ـ حماه ـ حلب. إن انكفاء الجيش بهذا الشكل يخفف من تعرضه للاستنزاف، يزيد فعالية قوته، يجرد الخصم من ميزة المرونة والمباغتة، ويسمح بإطالة أمد المعركة الى فترات طويلة جداً. هذه الوقائع تفسر الثقة العالية لدى حلفاء النظام بأنه لا يمكن هزيمته عسكرياً. إن المراوحة في مدن حلب ودمشق وحمص وبدرجة أقل في دير الزور وحماه، بالإضافة للسيطرة في الساحل السوري، تشيران الى ان المعارضة المسلحة بلغت ذروة التمدد تقريباً.

ولكن كيف تؤثر المراوحة الميدانية في حظوظ التوصل لتسوية؟ إحصائياً تفيد الدراسات المتعلقة بالحروب الأهلية ان حالة المراوحة الميدانية ترفع حظوظ التسوية بنسبة عالية، بسبب الاستنزاف الذي يلحق بكلا الطرفين واقتناعهما أنهما لم يعودا قادرين على تحقيق أي أهداف أخرى. وسياسياً، يتصاعد القلق الدولي من تمدد المتطرفين داخل صفوف المعارضة مع تزايد احتمالات خروج الصراع عن طوره الى مستوى من الفوضى يصبح العنف فيها غاية لا أداة. تحد المراوحة من طموحات وإرادة الأطراف على مواصلة الحرب، فالمراوحة تعني أن العنف بلغ نهايته وأصبح عبثياً، ولا بد من ترجمة الوقائع الميدانية الى معادلة سياسية. في المحصلة طرف يسعى لتثبيت مكاسبه (المعارضة وداعموها)، والطرف المقابل يسعى لحصر خسائره وخلق إمكانية للتعويض في المستقبل (النظام وحلفاؤه).
لم تعد المواجهة في سوريا مرتبطة بإسقاط النظام السور، فذلك أصبح من الماضي، الصراع اليوم على حصة طرفي المواجهة في النظام المقبل. يدور أغلب النقاش حالياً حول وضعية الرئيس الأسد، هل يتنحى أم يستمر حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2014 بعد ان تنتقل صلاحياته الى نائبه او الى حكومة انتقالية، وهذه نقطة مفتاحية أمام مسار التسوية، فالكل بمن فيهم الأسد مهتم بالمصالح التي يمثلها وليس بشخصه، لذا على الأرجح أن تحل العقدة المرتبطة بالرئيس الأسد متى اكتملت شروط التسوية.

في الحروب الأهلية ترتكز التسوية على دعامتين: ضمان المشاركة وحل معضلة الأمن. الإشكالية الأولى المرتبطة بالمشاركة يجري حلها من خلال «الدمقرطة» التي تضمن مصالح كل الأطراف، وكل حسب قوته السياسية. لذا من المرجح أن تشتمل التسوية على تحويل النظام السوري إلى نظام برلماني في ظل حكومات ائتلافية مستندة الى نتائج انتخابات نيابية حسب التمثيل النسبي، مع تحصينه ببعض الفيتوات المتبادلة للجماعات السورية ولامركزية موسعة واتفاقات غير رسـمية حول تقاسم المواقع الأساسية في النظام، شيء من اللبننة والعرقنة معاً. أما معضلة الأمن ـ أي الخوف من استغلال أي طرف للتهدئة لتوجيه ضربة قاضية لخصمه (لعبة صفرية) - فتحل «الدمقرطة» جزءاً منها، فيما تساهم سيطرة المعارضة على اجزاء محددة كملاذات آمنة في حل جزئها الآخر كونها تضفي نوعاً من الضمانة الأمنية للمعارضة الى حين بدء العملية السياسية وإصلاح الإجهزة الأمنية وتسليمها التدريجي لسلاحها غير الشرعي وإعادة دمج بعضها لا سيما المنشقين في الجيش السوري، وبالطبع كل ذلك لا يكون ممكناً من دون ضمانات خارجية بآليات متابعة وتحقق ومراقبة.

حظوظ التسوية تتقدم ولكن التنبه للعقبات واجب، استمرار الصراع يفتح المجال لسيناريوهات مرعبة، من التطهير والإبادة المذهبية والعرقية الى الحرب الإقليمية. الغرب يمسك برأس المعارضة ويستمر بضربه بالحائط لعله يصدعه، ولكن يد الغرب تلك بدأت تستشعر أنها لامست النار ولا بد من تأمين المكاسب بسرعة. سوريا الغد بعكس ما يعتقد الطرفان تحتاج الى كثير من التنازلات والتسامح والتناسي، وبعد إيقاف حمام الدم، تحتاج إلى مراجعات نقدية كثيرة تمسي ضرورية من قبل الجميع، إرحموا رؤوسكم فقد سقط الجدار.

حسام مطر\ كاتب سياسي ـ لبنان