من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

حروب التفوق الإلكتروني

نشر هذا المقال في صحيفة السفير, العدد 12426, بتاريخ 9\3\2013


السفيرأصبحت «الحرب الإلكترونية» مفردة متداولة، هي العنصر الأبرز في الحروب المقبلة لاسيما متى تعلق الأمر بدول متقدمة وقوى عظمى. ما يجري تقديره الآن هو نوعية تلك الحرب، مداها، فعاليتها وأثرها على الحروب التقليدية. هل تشكل بديلاً للحرب أو محفزاً لها؟ هل ستصبح الحاجة الى العنف أقل إلحاحاً؟ ما أثر الفارق النوعي الذي تتيحه كميزة للدول المتقدمة في مواجهة دول وقوى متخلفة تكنولوجياً؟ هذه الأسئلة وسواها أصبحت طور التداول والدراسة والتقويم، ولا إجابات نهائية مؤكدة لاسيما في ظل افتقاد نماذج تاريخية وتطبيقية كافية.

التفوق الإلكتروني أصبح مؤشراً في تقدير قوة الدولة او المنظمة وقوتها الناعمة والصلبة. السيطرة الإلكترونية توفر المعلومات الحساسة وقدرة تخريب المنشآت وشل العدو وتقليص القلق من الخسائر البشرية (عبر طائرات من دون طيار مثلاً، والتي بحسب سيناتور أميركي مكنت الولايات المتحدة من قتل 4700 شخص خلال الاعوام الماضية)، كما يتيح هذ التفوق قدرة التأثير الثقافي والإعلامي في المجتمعات المستهدفة، من خلال التلاعب بالرأي العام وتزويد المجموعات المناوئة للسلطة بأدوات خارج سيطرة الدولة وبث الأفكار والرسائل السياسية والتعبئة الإجتماعية حول قضايا محددة (وهي سياسات تقع ضمن ما يطلق عليه Digital Diplomacy أو الديبلوماسية الرقمية).

خلال الفترة السابقة تكشفت جملة هجمات إلكترونية حساسة، الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية وشركات نفط خليجية وحسابات مصرفية إسرائيلية، وأخيراً الكشف عن الهجمات الواسعة التي تشنها الصين (الوحدة 61398 في الجيش الصيني) على حسابات خاصة ورسمية أميركية شديدة الحساسية. في هذا السياق نشر موقع «الفورين بوليسي» مقالاً بعنوان « The Cool War» محاولاً الكشف عن تداعيات هذه الحرب وآثارها ومقارناً بينها وبين الحرب الباردة. الحرب الجديدة تمتاز بانها أكثر «حماوة» كونها تشهد انخراطاً مباشراً بين القوى الكبرى، وثانياً تمتاز بكونها نقلت الصراعات الى حيز مختلف تماماً أكثر من تقنيات الحرب الباردة التي لم تستطع مغادرة مفاهيم «الجيوبولتيك» والسيطرة على الأرض. الميزة الأبرز قد تكون في أن الحرب الجديدة لا تستوجب إطلاق حرب حقيقية، نظرياً على الأقل، كما يقول كاتب المقال، دافيد روثكوف.


حتى اللحظة يمكن القول إن الحرب الإلكترونية لم تقد الى حرب «حامية»، ولكنها في المقابل أنتجت مستوىً ثابتاً من التصعيد، وهذا أحد مخاطرها الجدية. فعادة ما يتأخر الكشف عن الهجوم الإلكتروني، فـ«الفيروس» يمكن أن يختبئ وينتشر لوقت طويل، بما يلحق ضرراً كبيراً بالخصم لاسيما في سرية معلوماته الاستراتيجية ربما، الى درجة تفقد الهدف جزءاً من ردعه وقدرته على المباغتة بما يلزمه بالرد لتعويض الأضرار. من ناحية أخرى لا يمكن إغفال ما تتركه هذه الهجمات من آثار نفسية بفعل الشعور بالإذلال من تمكن الخصم من إنتهاك «السيادة الإفتراضية» وإبراز تفوقه العلمي والتقني وهذا الشعور بالإذلال يكون عالياً بين القوى المتقدمة التي تفتخر بالعلم كجزء من هويتها الوطنية كما في حال الصين والولايات المتحدة.

الحروب الإلكترونية ستتصاعد، لا سيما باعتبار الحجم المتزايد بشكل مهول لمخزونات المعلومات الإلكترونية التي تصبح حمايتها أصعب. ورغم ذلك، في عصر الحرب الباردة، يمكن أن تنخفض الحاجة للحروب التقليدية نتيجة توفر بدائل أكثر أماناً وفعالية للقوى المتقدمة، ولكنها تبقى فرضية محفوفة بالمخاطر. لطالما كانت الصراعات البشرية تتمحور حول السيطرة على الأرض، ربما لأن الوسائل المتوفرة تاريخياً لم تتح إمكانية أخرى، أما اليوم فالحاجة تتزايد للسيطرة على العقول، وهذا ما وفرته التكنولوجية الحديثة في عالم الاتصال والتواصل.

حسام مطر

عدنان منصور والإنتحار الجماعي

 مقال نشر في موقع العهد بتاريخ 10\3\2013


لا داعي للإنكار، الواقعة "الجريمة" ثابتة وموثقة، لقد طالب عدنان منصور، وزير خارجية حكومة "النأي بالنفس" اللبنانية، بتمكين سوريا من العودة الى الجامعة العربية بهدف تسهيل التسوية السلمية وإيقاف الحرب في سوريا.
لقد تمرد عدنان منصور كما بدا من وجه وزير الخارجية القطري، والتهديد السعودي، والانزعاج الغربي، وحملة قوى 14 آذار. لقد تمرد منصور على منطق الحرب المذهبية في سوريا، على الإصرار على الانتقام من سوريا كلها، على منطق العنف العبثي، على سردية الحسم العسكري، لقد تمرد عدنان منصور في زمن التهليل لملوك النفط، يا له من "مجنون".
لماذا تمرد عدنان منصور؟


تمرد بسبب "التصاق الغالبية الشيعية اللبنانية في المحور الايراني السوري وتورطها في حروبه، حتى النهاية التي لا يمكن ان تكون اقل من عملية انتحار جماعي موصوفة" وهو "المحور الذي يقودها نحو الفناء، غير آبه بمستقبلها اللبناني او العربي طبعا مثلما برهن طوال العقود الاربعة الماضية"، كما يجيب الأستاذ ساطع نور الدين. منطق "ساطع" لا يختلف بتاتاً عن منطق "نخبة" شيعية "عاقلة" أو كما يسميهم البعض "شيعة الوهابية" ومفاده "الشيعة أقلية ويجب أن لا يتخذوا اي موقف يتناقض مع ممالك النفط، وإلا أرسلت لنا الانتحاريين او الإسرائيليين لإبادتنا".


لا يمكن للقارىء إلا أن تتبادر لذهنه جملة إسئلة وملاحظات قبالة هذا المنطق:
ـ أولاً: إذا كان المحور الأول هو "المحور الإيراني السوري" فالمحور المقابل إذاً هو "الأميركي – الإسرائيلي – الخليجي" ، وبالتالي العنوان الشيعي ـ السني ليس إلا عنوان تضليلي لفرض التراجع على مشروع المقاومة بأسلوب بديل عن القوة الإسرائيلية العقيمة.
ثانياً: ما دامت سوريا في مقابل محور مقابل "إميركي ـ إسرائيلي ـ خليجي" يصبح من الممكن فهم الكثير مما يجري في سوريا بما يتجاوز المسببات الداخلية التي لا يمكن إنكار اهميتها.
ـ ثالثاً تقول "هذا المحور غير آبه باللبنانيين وقادنا للانتحار خلال أربعة قرون؟" إذاً كيف تحرر الجنوب؟! كيف تحرر الأسرى؟! كيف أصبحت "إسرائيل" تخشى من الاعتداء علينا؟!
ورابعاً، أنت وسواك من يسار الحرب الأهلية، كم قتلتم من اللبنانيين بحجة المقاومة؟ وبحجة ان المسيحيين كانوا جزء من مؤامرة أميركية؟ لا يشكل 7 أيار (رغم أنكم تنسون دائماً أن هناك 5 أيار قبله) إلا يوم واحد في تاريخ المقاومة الإسلامية ولكنه سيناريو قمتم به كل يوم على مدى 15 سنة من الحرب الأهلية، يا للعجب.

عدنان منصور والانتحار الجماعي
تذكروا جيداً لقد دعا حزب الله المعارضة العراقية "الشيعية" الى المصالحة مع "السفاح" صدام حسين تفادياً للغزو الأميركي، شيعة لبنان يدعون للحوار والإصلاح ونبذ العنف في البحرين والسعودية حيث يتعرض "الشيعة" للقمع والقتل والتنكيل، فكيف يكون موقفنا من الأزمة السورية مذهبياً؟ بدل أن تقفوا بوجه جهود السعودية وقطر لوهبنة المسلمين ومذهبتهم وإرسال الانتحارين، تقومون باستثمار أموالهم في مشاريع "ثقافية تنويرية"؟ تقومون بتبرير أفعالهم من خلال اتهامنا بالمذهبية والجنون وبخدمة مصالح إيران؟ والأدهى، الترويج لفرضية التورط في سوريا من خلال القول "الكلام يتردد اكثر فاكثر عن رفض مقاتلين لبنانيين شيعة الذهاب الى الحرب في سوريا"، دليلك "كلام يتردد"؟! وحيناً تقول إن الطائفة موحدة حول سلطتها بفعل الخوف وفي الجملة التالية تقول بتمرد يحصل داخل الطائفة، كأنك تقول للمستثمرين، إننا بدأنا بالتأثير وهذه هي ملامح التمرد كما أقنعهم سابقاً أحمد الأسعد فحصد بضعة مئات من الأصوات الانتخابية مقابل عشرات ملايين الدولارات.


تهمة الجنون تاريخية، هي وصمة المستبد لكل أقلية تجرأت على رفض الركوع. منطقكم الاجتزائي القائم على الشبهات لا يشكل وزناً داخل الطائفة بل له نتائج عكسية بالكامل ولكنه يُشجع التكفيريين على الذبح ويزيد التعبئة المذهبية عند السنة كما تريد الوهابية، لأن منطقكم بالنسبة لهم بمثابة "شهد شاهد من أهله". لو كنتم أحراراً، ليبراليين، تنويريين، لكنتم على الأقل، وقفتم موقفاً نقدياً من المحور المقابل كما تفعل مع المقاومة وأهلها ومحورها، فلسنا خارج النقد. 


قد نباد ونقتل، نعم، وقد يكون من الأسلم أن نلتحق بملوك النفط "وربهم" في واشنطن، ولكن بعد 30 عاماً من الجنون والنظر الى جبل صافي الأشم لم تعد تحتمل رؤوسنا أن تنحني، يا لسوء حظكم.

حسام مطر