من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

طهران وواشنطن: الماراثون لا ينتهي

مقال منشور في صحيفة الأخبار, العدد 1963, تاريخ 22 أذار 2013


يُقال إن العلاقات الأميركية – الإيرانية تخضع لقواعد سباقات الماراثون، لا سباقات الـ 100 متر. بعد ثلاثين عاماً من العداء والتوتر والمناورات المتبادلة، تبدو المقولة أكثر من صحيحة. هل آن أوان التسوية الأميركية – الإيرانية؟ يمكن الافتراض أن السؤال أعلاه يستحق موسوعة غينيس كأكثر الأسئلة غموضاً في الشرق الأوسط. من البديهي القول إن غياب التسوية يعكس حدة الانقسامات المصلحية والإيديولوجية بين الطرفين. الإيرانيون لم يختبروا الولايات المتحدة إلا كقوة هيمنة مستكبرة لا تراعي السيادة الداخلية، ولا القانون الدولي، ولا حتى المصالح المشروعة للقوى الإقليمية. أما من ناحية الأميركيين، «فصدمة السفارة» لا تزال تحكم وعيهم تجاه إيران، بالإضافة إلى أنهم فهموا إيران من خلال «المهزومين»، أي أنصار الشاه الذين غادروا البلد، بالإضافة إلى التناقض الإيديولوجي الذي يمنع التعايش السلمي بينهما كما كانت الحال بين الأميركيين والسوفيات؛ «فالقوتان الأميركية والسوفياتية لم تكونا من هذه الناحية تنتميان إلى عالم واحد، أي لكل منهما «شكل حياة مختلف»، لذا لم يكن التعاون السلمي ممكناً»، كما كتب مارتين هوليس وستيف سميث.

سؤالان جوهريان يتجادل حولهما الأميركيون في ما يخص إيران: هل استراتجيتنا هي «الاحتواء» أم «المنع»؟ وإن كان «المنع»، فما هو المسار الواجب اتباعه لتحقيق هذه الغاية؟ في ما يخص السؤال الأول، فإنه أصبح تقليدياً كحال الإجابات، إلا أن اللافت هو إعلان إدارة باراك أوباما الثانية صراحة على لسان وزير خارجيتها جون كيري (24 كانون الثاني 2013) ونائب الرئيس بايدن (آذار 2013) أن سياستها هي «المنع لا الاحتواء»، أي ليس وارداً القبول بإيران نووية بالمعنى العسكري، ولو اقتضى ذلك اللجوء إلى الحرب. هنا يبدي بريجينسكي انتقادات قاسية لهذا المنطق الذي يرى أنّ من غير المقبول أن تمتلك إيران قدرات نووية؛ لأنه «أحياناً تكون الكلمات الكبيرة لا تعني شيئاً». البديل بالنسبة إلى بريجينسكي هو «أننا نستطيع ردع إيران النووية كما ردعنا السوفيات والكوريين مع تقديم ضمانة نووية جدية لحلفائنا في المنطقة... إن الخيار العسكري ليس في مصلحتنا؛ لأننا سنتلقى الضربة الإيرانية».
بل إن كينيث والتز ذهب إلى ما هو أبعد، محاججاً أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيُنتج توازن قوى عسكرياً أكثر استدامة في الشرق الأوسط، وهو ما سيعزز الاستقرار الإقليمي، وليس العكس (لماذا يجب أن تحصل إيران على القنبلة، فورين أفيرز، تموز/ آب 2012).

بالنسبة إلى السؤال الثاني، يتنامى الاتجاه الأميركي المؤيد لفكرة تقديم عرض للتسوية مع إيران، باعتبار أن الفرضية العسكرية مشكوك في فاعليتها، فيما العقوبات رغم قدرتها على الإضرار إلا أنها ليست كافية لتغيير السلوك الإيراني، ولا سيما «متى كانت الغاية منها هي إذلال الإيرانيين»، كما قال برجينسكي. فالعقوبات أصبحت عبثية؛ لأن واشنطن لم تطرح جدياً على الطاولة مسألة رفعها، ويمكن أوباما تجاوز هفوات سابقيه عندما يدرك محدودية القوة العسكرية الأميركية ويثق في القوة الدبلوماسية، كما يحاجج رضا مراشي في «الفورين بوليسي» (22 كانون الثاني 2013). الاستطلاع الأخير لمعهد «غالوب» يؤيد فرضية «عقم» العقوبات؛ إذ إن 63% من الإيرانيين يؤيدون استمرار البرنامج النووي في بلدهم، وذلك رغم أن 48% قالوا إنهم يعانون مباشرة من العقوبات. الأهم أن 47% يحمّلون مسؤولية هذه العقوبات للولايات المتحدة، فيما 10% يحمّلونها للحكومة الإيرانية، و23% موزعة على إسرائيل والأوروبيين والأمم المتحدة (7 شباط 2013).

وقد سبق لغراهام أليسون (واشنطن بوست، 7 تشرين الأول 2011) أن دعا أوباما إلى تلقف عرض أحمدي نجاد «لتبادل اليورانيوم»، مشبهاً هذه الخطوة بتلك التي قام بها ريغان تجاه غورباتشوف بعد إعلان الأخير مرحلة جديدة من الانفتاح، والتي تلقفها ريغان من خلال دعوته غورباتشوف من برلين إلى «تمزيق الجدار»، وهو ما حصل بعد سنتين. كذلك دعا باتريك كلاوسون إدارة أوباما إلى تقديم عرض سخي لإيران يشمل تخفيف العقوبات والمرونة في تخصيب اليورانيوم. ورأى كلاوسون أن مجموعة 5+1 اعتمدت تكتيكاً قديماً لإحياء المفاوضات، هو «تغيير الموضوع»، الذي لم يعد وقف التخصيب، بل ضمان عدم قدرة إيران على صنع سلاح نووي من خلال شحن اليورانيوم إلى الخارج (ذي أتلنتيك، 16/1/2013). يوافق دينيس روس، بدوره، أنه في ظل تصاعد ضغط العقوبات وجدية الخيار العسكري فإن إيران تبدو جاهزة لتلقي مبادرة دبلوماسية، ولا سيما متى كان الإقرار بحقها ببرنامج نووي سلمي جزء منه، ويخلص إلى أن «البيئة مواتية الآن لإنجاح المساعي الدبلوماسية. وسوف تحدد الأشهر القليلة المقبلة ما إذا كانت ستنجح أو لا».
من مخاطر هذا العرض كما يتفق كل من كلاوسون وأليسون وروس أن تتقاعس طهران عن القيام بخطوات مقابلة أو تنفذها ببطء لتكسب الوقت. والأخطر أن يُعتبر أي عرض لإيران بمثابة إقرار بطموحاتها الإقليمية، وهذا ما يجب نفيه للإيرانيين من جهة ولحلفاء واشنطن من جهة أخرى. بحسب هؤلاء، إن رفض الإيرانيين لصفقة سخية سيكشف نيات إيران الحقيقية، ويعطي الشرعية لعملية عسكرية ضدها من ناحية أخرى، باعتبارها «شراً لا بد منه». ولذا رجح روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، أن أوباما في ولايته الثانية سيقدم لإيران «صفقة كبرى».

في المقلب الآخر، لا زال فريق «الصقور» (أمثال مايكل سينغ ومايكل إيزنشتات من معهد واشنطن) يدعو إلى إبراز جدية أكبر للخيار العسكري، بل إن ماثيو كرونيغ كتب في «فورين أفيرز» بعنوان: «إنه الوقت لمهاجمة إيران» عبر عملية عسكرية جراحية ثم امتصاص الرد الإيراني والسعي بسرعة لاحتواء الأزمة، وإلا فإن واشنطن ستضطر إلى مواجهة أكثر كلفة في المستقبل قد تصل لدرجة الحرب النووية (كانون الثاني/ شباط 2012). أما الخلاصة اللافتة، فقد كانت من نصيب مؤسسة راند البحثية، التي رأت أنه لا الدبلوماسية ستكون مجدية، ولا جهود تغيير النظام، لذا «لا يبقى إلا دعم الإصلاح في إيران، ولكن من خلال تشجيع التحول الديموقراطي في محيط إيران – بالإشارة إلى «الربيع العربي» – بما يعطي صدقية لجهود الولايات المتحدة في دعم الإصلاح داخل إيران (مجموعة كتاب، ربيع 2012).

رغم هذه الدعوات لتقديم صفقة كبرى لإيران، وهي ما تبدت ملامحها في جولة كازاخستان بين إيران ومجموعة 5+1، التي فتحت كوة في الحائط المسدود، إلا أن التسوية الكبرى ما زالت ممتنعة، ولا سيما بسبب أن «العداء بين الطرفين، وبعد ثلاثين عاماً، أصبح مؤسسة قائمة بذاتها وليس فقط ظاهرة»، كما يحاجج تريتا بارسي (رئيس المجلس القومي الأميركي – الإيراني). ويكمل بارسي بأن تمرّس دبلوماسيي البلدين على شيطنة بعضهما، التعقيدات الداخلية، القيود الإقليمية، والضبابية التي قد تنتجها التسوية، كلها تقف أمام التسوية الكبرى (ذي أتلنتيك، 25 كانون الأول 2012). يبدو من السياق أعلاه أن إيران انتزعت اعترافاً جزئياً بكونها قوة نووية وبحقها بالتخصيب من حيث المبدأ، إضافة إلى إثباتها أن التعاطي بمنطق العقوبات والإكراه لا يسري عليها. الطرفان بحاجة إلى تبريد الأزمة، ولكن مستوى التبريد مرتبط مباشرة بما يجري في سوريا؛ إذ سيبدي الإيرانيون مرونة أكبر كلما تقدمت التسوية السورية، والعكس صحيح. لكن بالخلاصة، إنها «العداوة المؤسسة» كما يقول بارسي، ويستمر الماراثون ولو تخلله بعض محطات الاستراحة.

حسام مطر - كاتب لبناني

تقرير عن ورقة : "الإستراتيجية الأميركية الذكية لمواجهة حزب الله"

نشر المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق- بيروت، ورقة بحثية تحت عنوان "الإستراتيجية الأميركية الذكية لمواجهة حزب الله" (12 صفحة) للمحلل والباحث في العلاقات الدولية حسام مطر.


يحاجج الأستاذ مطر بإن نهاية عدوان إسرائيل عام 2006 على لبنان وإخفاقه في تحقيق أهدافه السياسية بوجه حزب الله، أدى الى زيادة التورط الأميركي في المواجهة مع الحزب ولكن بالإستناد الى إستراتيجية جديدة قوامها القوة الناعمة. تبرز الورقة كيف تحول الجهد الأميركي نحو المجالات التي تقع خارج النطاق العسكري عبر محاولة ضرب الوعاء المجتمعي الذي ينطلق منه حزب الله وذلك من خلال إستخدام أدوات إعلامية، سياسية وثقافية بهدف تشكيل صورة جديدة لحزب الله في الوعي اللبناني والإقليمي تجعل منه معرضاً لإمكانية هزيمة عسكرية في مرحلة لاحقة. تهدف هذه السياسة الأميركية – بحسب مطر - الى تحقيق اربعة غايات أساسية: تقليص شرعية المقاومة، تعميق الانقسام الوطني حول دورها، عزلها على المستوى الخارجي، وتقييد خياراتها السياسية وقدرتها على المبادرة.

يهدف الباحث الى إستكشاف التغير الذي طرأ على السياسة الأميركية تجاه حزب الله منذ حرب 2006، وهو تغير جوهري، عميق وشامل. تبرز أهمية فحص هذا التغير على مستويين، أولأ على المستوى النظري هي تتيح تقويم فعالية القوة الناعمة ضمن ظروف محددة وهو جدال جوهري يدور مؤخراً بين مؤيدي )الليبراليون أمثال جوزيف ناي، فريد زكريا) ورافضي (المحافظون الجدد بالتحديد) فكرة اللجوء للقوة الناعمة كخيار أساسي. وثانياً أهميتها العملية في أنها تتيح فهم أفضل لسلسلة من الأحداث والسلوكيات السياسية على المستويين اللبناني والإقليمي بإعتبارها جزء من سياسة محددة وليست نتاج الإرتجال والصدفة، وذلك بدوره يتيح إمكانية أفضل للتوقع بمسارات المواجهة في المدى المنظور بالحد الأدنى في لحظة إقليمية يهيمن عليها الإرباك عدم اليقين. تستند الورقة بشكل أساسي على رؤية جوزيف ناي للقوة الناعمة التي كان له سبق التنظير لها منذ بداية التسيعنيات بالإضافة الى "دليل الحكومة الأميركية لمكافحة حركات التمرد" الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2009.
تنقسم الورقة الى العناوين الفرعية التالية :

• القوة الناعمة: المغنطيس بدل المطرقة
• حزب الله: "هيدرا" لا يمكن قتلها
• خيار القوة الناعمة: إستهداف الحاضنة البشرية
• تقليص النفوذ الوطني لحزب الله
• شيطنة حزب الله: الوصمة الإجرامية
• تهميش رسالة حزب الله:


في الخلاصة، بدل "اصطياد" حزب الله تسعى واشنطن الى تلويث المحيط الذي يسبح فيه، أي جعل الحزب "جسماً غريباً" داخل البيئة الوطنية والإقليمية بحيث تنبذه تلك البيئة التي يتحرك فيها ومنها، وحينها فقط تصبح فرضية القضاء عليه عسكرياً متاحة. في المحصلة الأولية يبدو أن السياسة الأميركية حققت جملة نجاحات مستفيدة بشكل أساسي من إهتراء النسيج الوطني اللبناني والإحتقان الإقليمي المذهبي وهو ما ساهمت الأزمة السورية في تعميقه بفعل تصويرها كصراع مذهبي بعيداً عن الحسابات السياسية والإستراتيجية. يبدو الحزب مدركاً لهذه الخسارة ولكن وإن كانت لن تدفعه الى تغيير موقفه من الأزمة السورية إلا أنه يسعى للحد منها من خلال محاولة تكريس جهد كبير لتقديم وتفسير وعرض موقفه من الأزمة للجمهور بكل تفاصيلها وخلفياتها لا سيما عبر الإطلالات الأخيرة لأمينه العام المتكفل بشكل خاص بهذه المهمة الشاقة.

يخلص الباحث حسام مطر أيضاً الى أن واقع الشرق الأوسط كمنطقة مكتظة بالدول الضعيفة او الفاشلة في ظل أزمة هوية عميقة بفعل غلبة الإنتماءات العصبية والجهوية الأولية التي لا تعترف بحدود الجغرافيا السياسية، أي واقع يتصف بهيمنة نخب ذات تبعية لمراكز القوى الدولية لا سيما قوى الرأسمالية المعولمة، ضعف للهويات السياسية، طغيان الإنفعالات التاريخية والعقيدية، وتناقض بين الإنتماء للدولة والجماعة الخاصة، كل ذلك يعزز فعالية القوة الناعمة الأميركية المنطقة بوجه القوى المماثلة لحزب الله كحركة مقاومة.
يختم مطر ورقته بالقول أن التقويم النهائي لهذه السياسة الأميركية لا زال يحتاج مزيداً من الوقت لأنها بالأصل تهدف الى إعادة تشكيل هويات وقيم مختلفة وهي عملية تحتاج لسنوات طويلة، كما أن المنطقة تمر بلحظة فوضى تشتعل فيها العصبيات ولذا لا بد من مراقبة ما سيرسخ منها بعد إنتهاء هذا المد الطائفي المقيت. يضاف الى ذلك أن تجربة حزب الله وإنجازاته التاريخية بوجه الكيان الصهوني لا زالت حية ولها موضعها في النفوس وإن خفتت مؤخراً. والأهم أن الحزب ومن خلال تصريحات قيادته وسلوكه الإعلامي بدأ يدرك بشكل متزايد أهداف وأدوات وطبيعة السياسة الأميركية الجديدة . وعليه بدأ حزب الله في الآونة الأخيرة بمحاولة الإستجابة لهذه السياسة بجملة رسائل وخطوات إعلامية وسياسية وثقافية ، ولكن تقويم هذه الخطوات ومدى فاعليتها يحتاج الى بحث وتوسع في مرحلة لاحقة.

يمكن تحميل الورقة كاملة من خلال الرابط التالي على موقع المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق:
 http://www.dirasat.net/uploads/item_mak_m/4410741.pdf