نُشرت هذه المقالة على موقع الإنتقاد الإلكتروني بتاريخ 28-11-2011
حسام مطر
كان تهديد الرئيس ميقاتي بالإستقالة مؤشراً على أننا خرجنا من النفق ولكن لندخل في نفق جديد أضيق وأشد ظلمة من النفق السابق, وعليه أصبح هامش المناورة السياسية أضيق والقدرة على التوقع أصعب والإعتماد على الحسابات العقلية شبه مستحيل. المحكمة الدولية بدلالاتها وغاياتها الحقيقية ليست موضوعاً تفصيلياً, بل أصل الموضوع، ولذا كان من الصعب جداً تدوير الزوايا حولها مهما كانت براعة الوسطاء وبراغماتيتهم, إذ ليس النقاش حول كيفية التمويل وإلا لكان من السهل قوننة ألف مخرج ومخرج. إذاً لن تموّل المحكمة وسيستقيل رئيس الحكومة وإن تأخر قراره أسابيع قليلة بذرائع مختلفة على مثال عدم إنعقاد جلسة مجلس الوزراء لفقدان النصاب. فالوسطية التي تحصن بها دولته طويلاً تصلح لمرحلة يكون فيها الإنقسام قابلاً للتسوية, اما الآن فإنها مرحلة الأبيض والأسود فقط على ما يبدو, لذا لا مناص للوسطيين الآن إلا أعلى التل.
بعكس ما يعتقد كثيرون, فإن ميقاتي يدرك بحسه التجاري أنه بين البقاء رئيساً للحكومة في ظل الظروف الداخلية والخارجية الحالية وبين الإستقالة, فإنه من شبه المؤكد أن المكسب هو في الإستقالة. وقبل التأكيد على هذه المكاسب لا بد من التذكير بأن الرئيس ميقاتي في النهاية هو نموذج لرجل الأعمال التقليدي "الليبرالي" الذي يعتنق المبادئ طالما أنها لا تستنزف رأس ماله, فرجال الأعمال لا يهوون المعارك المبدئية بل يصارعون لأجل المصالح والمكاسب وإن ألبسوها شعارات وخطباً تستهوي الحشود, ولذا قيل "رأس المال جبان". فالرئيس ميقاتي بالتأكيد ليس سعد الحريري ولكنه بالتأكيد لا يستطيع مخاصمة السعودية والولايات المتحدة وبدرجة أقل بالنسبة لسوريا. ولذلك سيتحلل الرئيس ميقاتي عبر الإستقالة من السير على حد السيف في الكباش الإقليمي بشأن الأزمة السورية وتمويل المحكمة, سيفلت من سندان عون الإصلاحي ومطرقة "السلطويين", والأهم أنه في كل هذه الملفات يتعرض ميقاتي لحالة إستنزاف في شعبيته السنية ولذلك يستشعر أن هذه الأوضاع, وليس حنكة خصمه الحريري, تقضم من شعبيته وتلك التي كان يأمل بها.
يستطيع ميقاتي أن يبيع إستقالته للجميع تقريبا, سيُخبر السوريين وحلفاءهم أنه فعل ذلك هرباً من الضغط الخليجي لإلحاق لبنان بموقفهم, سيحدّث السعوديين انه حرم سوريا من حكومة حليفة لدمشق غير قادرة على دعم الموقف العربي الرسمي, ستبث دعايته أنه وقف الى جانب النبض السني وحافظ على إستقلالية الموقع السني الأول, دولياً سيبدو كمن إنتصر لتلك "الشرعية", وداخلياً سيفرح به الوسطيون لا سيما جنبلاط. في المقابل يعرف ميقاتي أنه على الأرجح سيبقى رئيس حكومة تصريف أعمال الى ما شاء الله، وأن خصومه في تيار المستقبل لن تكون لهم الحكومة المقبلة وبالتالي لن يستغلوها في مواجهته في الإنتخابات النيابية المقبلة. وعليه في قبالة هذه المكاسب ستبدو أي من الخسائر بالنسبة لميقاتي هامشية وقابلة للإحتواء.
ما بعد الإستقالة, وفي أفضل الأحوال سنعود الى سيناريو مكرر, رئيسي حكومة وحكومة تصريف أعمال, أي الرئيس المكلف ورئيس تصريف الأعمال وحكومته, إذ أنه قبل الأحداث في سوريا وحين كانت بعض خطوط الإتصال الإقليمي تعمل لم ننجح بتشكيل حكومة إلا بعد شهور, فكيف الآن؟!!. إن لبنان يفقد مزيداً من صمامات الأمان الداخلية والخارجية وهو ما يعني مزيدا من الفوضى, إحتمالات متصاعدة لإستخدام العنف المتبادل, عنف مذهبي بالدرجة الأولى, الحدود اللبنانية السورية أكثر إنفلاتاً, ومزيد من تفكك ما تبقى من الدولة لا سيما على المستوى الأمني والعسكري, وربما النيابي أيضاً.
لطالما كان إستقرارنا مرتبطاً عضوياً بإرادة الأطراف الخارجية وبعض التوازنات الداخلية, إلا أننا اليوم أمام لحظة يرى فيها المعادون لسوريا أن الإضطرابات اللبنانية لا سيما في الشمال ستحرم النظام السوري من خاصرة صلبة حيوية لبقائه, وإن كان هؤلاء المقامرون قد جازفوا بأنفسهم عبر المشاركة في الحرب على سوريا فهل سيقلقون على سلامة اللبنانيين ودمائهم. وعلى المستوى الداخلي يبدو واضحاً أن تيار المستقبل وحلفاءه يحركهم الغرور والتسرع معتقدين أن الفرصة مؤاتية للعبث بميزان القوى الداخلي, وهو ما يشكل مقامرة خطيرة حتى انه بالمقارنة معها ستبدو قرارت حكومة السنيورة في 5 أيار مجرد هفوة.
ليس من المبالغة القول ان لبنان يعيش أكثر مراحله خطورة, ولن تكون إستقالة الرئيس ميقاتي إلا نزعاً لصمام امان آخر، وسيتحمل مسؤوليتها السياسية والوطنية, وأما اللاهثون وراء إسقاط الدولة لحسابات خليجية وغربية لمواجهة دمشق فإنهم كمن يمارس لعبة "الروليت الروسية" ولكن بالمقلوب, أي كل حُجرات المسدس ملقمة ما عدا واحدة.
كان تهديد الرئيس ميقاتي بالإستقالة مؤشراً على أننا خرجنا من النفق ولكن لندخل في نفق جديد أضيق وأشد ظلمة من النفق السابق, وعليه أصبح هامش المناورة السياسية أضيق والقدرة على التوقع أصعب والإعتماد على الحسابات العقلية شبه مستحيل. المحكمة الدولية بدلالاتها وغاياتها الحقيقية ليست موضوعاً تفصيلياً, بل أصل الموضوع، ولذا كان من الصعب جداً تدوير الزوايا حولها مهما كانت براعة الوسطاء وبراغماتيتهم, إذ ليس النقاش حول كيفية التمويل وإلا لكان من السهل قوننة ألف مخرج ومخرج. إذاً لن تموّل المحكمة وسيستقيل رئيس الحكومة وإن تأخر قراره أسابيع قليلة بذرائع مختلفة على مثال عدم إنعقاد جلسة مجلس الوزراء لفقدان النصاب. فالوسطية التي تحصن بها دولته طويلاً تصلح لمرحلة يكون فيها الإنقسام قابلاً للتسوية, اما الآن فإنها مرحلة الأبيض والأسود فقط على ما يبدو, لذا لا مناص للوسطيين الآن إلا أعلى التل.
بعكس ما يعتقد كثيرون, فإن ميقاتي يدرك بحسه التجاري أنه بين البقاء رئيساً للحكومة في ظل الظروف الداخلية والخارجية الحالية وبين الإستقالة, فإنه من شبه المؤكد أن المكسب هو في الإستقالة. وقبل التأكيد على هذه المكاسب لا بد من التذكير بأن الرئيس ميقاتي في النهاية هو نموذج لرجل الأعمال التقليدي "الليبرالي" الذي يعتنق المبادئ طالما أنها لا تستنزف رأس ماله, فرجال الأعمال لا يهوون المعارك المبدئية بل يصارعون لأجل المصالح والمكاسب وإن ألبسوها شعارات وخطباً تستهوي الحشود, ولذا قيل "رأس المال جبان". فالرئيس ميقاتي بالتأكيد ليس سعد الحريري ولكنه بالتأكيد لا يستطيع مخاصمة السعودية والولايات المتحدة وبدرجة أقل بالنسبة لسوريا. ولذلك سيتحلل الرئيس ميقاتي عبر الإستقالة من السير على حد السيف في الكباش الإقليمي بشأن الأزمة السورية وتمويل المحكمة, سيفلت من سندان عون الإصلاحي ومطرقة "السلطويين", والأهم أنه في كل هذه الملفات يتعرض ميقاتي لحالة إستنزاف في شعبيته السنية ولذلك يستشعر أن هذه الأوضاع, وليس حنكة خصمه الحريري, تقضم من شعبيته وتلك التي كان يأمل بها.
يستطيع ميقاتي أن يبيع إستقالته للجميع تقريبا, سيُخبر السوريين وحلفاءهم أنه فعل ذلك هرباً من الضغط الخليجي لإلحاق لبنان بموقفهم, سيحدّث السعوديين انه حرم سوريا من حكومة حليفة لدمشق غير قادرة على دعم الموقف العربي الرسمي, ستبث دعايته أنه وقف الى جانب النبض السني وحافظ على إستقلالية الموقع السني الأول, دولياً سيبدو كمن إنتصر لتلك "الشرعية", وداخلياً سيفرح به الوسطيون لا سيما جنبلاط. في المقابل يعرف ميقاتي أنه على الأرجح سيبقى رئيس حكومة تصريف أعمال الى ما شاء الله، وأن خصومه في تيار المستقبل لن تكون لهم الحكومة المقبلة وبالتالي لن يستغلوها في مواجهته في الإنتخابات النيابية المقبلة. وعليه في قبالة هذه المكاسب ستبدو أي من الخسائر بالنسبة لميقاتي هامشية وقابلة للإحتواء.
ما بعد الإستقالة, وفي أفضل الأحوال سنعود الى سيناريو مكرر, رئيسي حكومة وحكومة تصريف أعمال, أي الرئيس المكلف ورئيس تصريف الأعمال وحكومته, إذ أنه قبل الأحداث في سوريا وحين كانت بعض خطوط الإتصال الإقليمي تعمل لم ننجح بتشكيل حكومة إلا بعد شهور, فكيف الآن؟!!. إن لبنان يفقد مزيداً من صمامات الأمان الداخلية والخارجية وهو ما يعني مزيدا من الفوضى, إحتمالات متصاعدة لإستخدام العنف المتبادل, عنف مذهبي بالدرجة الأولى, الحدود اللبنانية السورية أكثر إنفلاتاً, ومزيد من تفكك ما تبقى من الدولة لا سيما على المستوى الأمني والعسكري, وربما النيابي أيضاً.
لطالما كان إستقرارنا مرتبطاً عضوياً بإرادة الأطراف الخارجية وبعض التوازنات الداخلية, إلا أننا اليوم أمام لحظة يرى فيها المعادون لسوريا أن الإضطرابات اللبنانية لا سيما في الشمال ستحرم النظام السوري من خاصرة صلبة حيوية لبقائه, وإن كان هؤلاء المقامرون قد جازفوا بأنفسهم عبر المشاركة في الحرب على سوريا فهل سيقلقون على سلامة اللبنانيين ودمائهم. وعلى المستوى الداخلي يبدو واضحاً أن تيار المستقبل وحلفاءه يحركهم الغرور والتسرع معتقدين أن الفرصة مؤاتية للعبث بميزان القوى الداخلي, وهو ما يشكل مقامرة خطيرة حتى انه بالمقارنة معها ستبدو قرارت حكومة السنيورة في 5 أيار مجرد هفوة.
ليس من المبالغة القول ان لبنان يعيش أكثر مراحله خطورة, ولن تكون إستقالة الرئيس ميقاتي إلا نزعاً لصمام امان آخر، وسيتحمل مسؤوليتها السياسية والوطنية, وأما اللاهثون وراء إسقاط الدولة لحسابات خليجية وغربية لمواجهة دمشق فإنهم كمن يمارس لعبة "الروليت الروسية" ولكن بالمقلوب, أي كل حُجرات المسدس ملقمة ما عدا واحدة.