مقال منشور في صحيفة السفير, العدد 12473, 9\5\2013
لا يسع المرء إلا أن يبدي العجب من تجربة «الإخوان المسلمين» المأساوية خلال السنتين الماضيتين. توقعنا أمراً أكثر نضجاً إما من خلفية التمني أو حسن الظن، أو ربما هرباً من هاجس التجني. كان واقعيا الاعتقاد بأن الجماعة تعلمت من النظام السابق، من تجارب ثورية وإسلامية سابقة. كان طبيعيا الافتراض أن الجماعة قرأت تحولات الظروف الإقليمية والدولية، تحولات السلطة والقوة، تحولات وسائل التعبئة والإكراه والشرعية وتحولات دور الرأي العام والإعلام. إلا أن الجماعة آثرت التغاضي عن ذلك كله والتركيز على صلاتي الفجر والجمعة للرئيس مرسي في مساجد الأحياء الشعبية.
أخطأت الجماعة عندما اعتبرت أن واشنطن جاهزة للقيام معها بصفقة طويلة الأمد تحصنها من التحديات الداخلية على غرار فترة مبارك. فات «الإخوان» ان واشنطن لا تثق بالإسلاميين إلا بقدر ما يمكن استغلالهم مقابل خصومها، وأن واشنطن متأثرة بالقلق الإسرائيلي من صعود الإسلاميين، وأن واشنطن تدرك أن الجماهير في المنطقة أصبحت معبأة وطليقة، ولا يمكن لها معاداتها بالشكل الفظ كما في السابق. فات الجماعة أن واشنطن غير قادرة او راغبة بمنحها صمامات أمان اقتصادية من دون اعباء سيادية، وغاب عنها أن واشنطن تُفضل في ظل غياب حليف أو وكيل مصري موثوق، أن تقوم سياستها على إدارة توازن هش بين أقطاب اللعبة الداخلية، أي بين العسكر والإسلاميين والليبراليين والناصريين وبقايا النظام البائد. هذه القيود على دور واشنطن في مصر تحدث عنها أيضاً توماس فريدمان، قبل أن يدعو مرسي الى العفو عن رجال النظام السابق من غير المدانين بالقتل، لأن مصر بحاجة لرؤوس اموالهم وكذلك للاستثمارات الأجنبية، بحسب قوله.
سعي «الإخوان» للاستئثار بالسلطة في دولة ضعيفة، عاجزة، كمصر في لحظة اضطراب شاملة كان الإثم الذي لا يغتفر، ولم يعد مهما دوافع ذلك السعي، هل هي التعطش للسلطة؟ الفهم الديني؟ الخوف والحاجة للإحساس بالأمن؟ التمكين؟ أخطاء شركاء الثورة، أم مجرد سوء تقدير؟ إن دولة كمصر في لحظة انتقالية كانت بحاجة لسلطة قائمة على توافقات وطنية واسعة للقوى المناوئة للنظام البائد، وإذ ينتهي الحال بانقسام قوى الثورة بوجه «الإخوان» ومسارعة الطرفين لاستقطاب بقايا النظام القديم لتعديل توازن القوى. وحتى ان السلفيين الذين راهن عليهم «الإخوان»، غادروهم في منتصف الطريق، وهو سلوك متوقع لو فكر الإخوان بطريقة «غير نفقية».
لا تبدو تجربة «الإخوان» مع السلطة فريدة، مثلا يحاجج كل من توماس كاروثرس، ناثان براون، بوجود ميل عام للقوى السلطوية ـ حتى الثورية - بالتفرد والهيمنة حيث تصبح الثورة أداة لشرعية التمدد السلطوي. يتخوف الكاتبان من ان القوة الوازنة لـ«الإخوان» وتشتت القوى المناوئة لهم سيشجعهم على محاولة الهيمنة على مفاصل السلطة ولكن ليس بسبب الإيديولوجية «غير الليبرالية» لهم. يستند الكاتبان الى حالتين تظهران هذا الميل، تجربة المجلس الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا وتجربة حزب العدالة والتنمية التركي. المشكلة هي دائماً في الميل للتوسع السياسي والتكبر اللذين تشترك فيهما القوى السياسية المهيمنة، لا في المشارب الإيديولوجية او الدينية.
حان الوقت ليدرك «الإخوان» أن أكثر ما يمكن لواشنطن فعله هو تقديم جرعات متفاوتة من الدعم، مقسطة، زهيدة، غير مباشرة، ومحدودة الأثر مقابل التزامات إخوانية واضحة، مستمرة، وجوهرية في «تلزيم» الاقتصاد المصري لقوى الاقتصاد النيوليبرالية، وفي ضمان الأمن الإسرائيلي، وفي تقييد النفوذ الإيراني. أي بالمختصر، سياسة العصا والجزرة بأبشع صورها وأكثرها امتهاناً. الأهم أنه كلما توسعت القاعدة السياسية التي يستند إليها «الإخوان» في الداخل، انحصرت حاجتهم للتبعية والالتحاق بالخارج والعكس الصحيح. لا زالت الفرصة سانحة أمام الإخوان للتراجع وإعادة بناء مسارات جديدة، الشراكة مع جبهة الإنقاذ ملحة وبعض التنازلات ضرورية في سبيل بناء شبكة أمان داخلية وإلا سيستمر «الإخوان المسلمون» بالتخبط في رمال مصر المتحركة التي لا تنفع معها حبال النجاة «القصيرة» التي يرميها الأميركيون او حلفاؤهم الإقليميون.
حسام مطر
لا يسع المرء إلا أن يبدي العجب من تجربة «الإخوان المسلمين» المأساوية خلال السنتين الماضيتين. توقعنا أمراً أكثر نضجاً إما من خلفية التمني أو حسن الظن، أو ربما هرباً من هاجس التجني. كان واقعيا الاعتقاد بأن الجماعة تعلمت من النظام السابق، من تجارب ثورية وإسلامية سابقة. كان طبيعيا الافتراض أن الجماعة قرأت تحولات الظروف الإقليمية والدولية، تحولات السلطة والقوة، تحولات وسائل التعبئة والإكراه والشرعية وتحولات دور الرأي العام والإعلام. إلا أن الجماعة آثرت التغاضي عن ذلك كله والتركيز على صلاتي الفجر والجمعة للرئيس مرسي في مساجد الأحياء الشعبية.
أخطأت الجماعة عندما اعتبرت أن واشنطن جاهزة للقيام معها بصفقة طويلة الأمد تحصنها من التحديات الداخلية على غرار فترة مبارك. فات «الإخوان» ان واشنطن لا تثق بالإسلاميين إلا بقدر ما يمكن استغلالهم مقابل خصومها، وأن واشنطن متأثرة بالقلق الإسرائيلي من صعود الإسلاميين، وأن واشنطن تدرك أن الجماهير في المنطقة أصبحت معبأة وطليقة، ولا يمكن لها معاداتها بالشكل الفظ كما في السابق. فات الجماعة أن واشنطن غير قادرة او راغبة بمنحها صمامات أمان اقتصادية من دون اعباء سيادية، وغاب عنها أن واشنطن تُفضل في ظل غياب حليف أو وكيل مصري موثوق، أن تقوم سياستها على إدارة توازن هش بين أقطاب اللعبة الداخلية، أي بين العسكر والإسلاميين والليبراليين والناصريين وبقايا النظام البائد. هذه القيود على دور واشنطن في مصر تحدث عنها أيضاً توماس فريدمان، قبل أن يدعو مرسي الى العفو عن رجال النظام السابق من غير المدانين بالقتل، لأن مصر بحاجة لرؤوس اموالهم وكذلك للاستثمارات الأجنبية، بحسب قوله.
سعي «الإخوان» للاستئثار بالسلطة في دولة ضعيفة، عاجزة، كمصر في لحظة اضطراب شاملة كان الإثم الذي لا يغتفر، ولم يعد مهما دوافع ذلك السعي، هل هي التعطش للسلطة؟ الفهم الديني؟ الخوف والحاجة للإحساس بالأمن؟ التمكين؟ أخطاء شركاء الثورة، أم مجرد سوء تقدير؟ إن دولة كمصر في لحظة انتقالية كانت بحاجة لسلطة قائمة على توافقات وطنية واسعة للقوى المناوئة للنظام البائد، وإذ ينتهي الحال بانقسام قوى الثورة بوجه «الإخوان» ومسارعة الطرفين لاستقطاب بقايا النظام القديم لتعديل توازن القوى. وحتى ان السلفيين الذين راهن عليهم «الإخوان»، غادروهم في منتصف الطريق، وهو سلوك متوقع لو فكر الإخوان بطريقة «غير نفقية».
لا تبدو تجربة «الإخوان» مع السلطة فريدة، مثلا يحاجج كل من توماس كاروثرس، ناثان براون، بوجود ميل عام للقوى السلطوية ـ حتى الثورية - بالتفرد والهيمنة حيث تصبح الثورة أداة لشرعية التمدد السلطوي. يتخوف الكاتبان من ان القوة الوازنة لـ«الإخوان» وتشتت القوى المناوئة لهم سيشجعهم على محاولة الهيمنة على مفاصل السلطة ولكن ليس بسبب الإيديولوجية «غير الليبرالية» لهم. يستند الكاتبان الى حالتين تظهران هذا الميل، تجربة المجلس الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا وتجربة حزب العدالة والتنمية التركي. المشكلة هي دائماً في الميل للتوسع السياسي والتكبر اللذين تشترك فيهما القوى السياسية المهيمنة، لا في المشارب الإيديولوجية او الدينية.
حان الوقت ليدرك «الإخوان» أن أكثر ما يمكن لواشنطن فعله هو تقديم جرعات متفاوتة من الدعم، مقسطة، زهيدة، غير مباشرة، ومحدودة الأثر مقابل التزامات إخوانية واضحة، مستمرة، وجوهرية في «تلزيم» الاقتصاد المصري لقوى الاقتصاد النيوليبرالية، وفي ضمان الأمن الإسرائيلي، وفي تقييد النفوذ الإيراني. أي بالمختصر، سياسة العصا والجزرة بأبشع صورها وأكثرها امتهاناً. الأهم أنه كلما توسعت القاعدة السياسية التي يستند إليها «الإخوان» في الداخل، انحصرت حاجتهم للتبعية والالتحاق بالخارج والعكس الصحيح. لا زالت الفرصة سانحة أمام الإخوان للتراجع وإعادة بناء مسارات جديدة، الشراكة مع جبهة الإنقاذ ملحة وبعض التنازلات ضرورية في سبيل بناء شبكة أمان داخلية وإلا سيستمر «الإخوان المسلمون» بالتخبط في رمال مصر المتحركة التي لا تنفع معها حبال النجاة «القصيرة» التي يرميها الأميركيون او حلفاؤهم الإقليميون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق