تمكن الإسلاميون من تحقيق نصر جلي في الانتخابات التشريعية المصرية، إلا أن نصرهم السياسي أي القدرة على إدارة شؤون الدولة والمجتمع بشكل عادل ومستدام لا زال بعيداً، إذ ان الفوز السياسي أكثر تعقيدا بكثير من الفوز الحسابي، فالأرقام كثيراً ما تكون خادعة ومضللة. في الحقيقة لم يتجاوز الإسلاميون في مصر وسواها إلا المرحلة السهلة، مرحلة نقد النظام وكشفه والوعد ببديل قادر على إيجاد الحلول، مرحلة "الإسلام هو الحل". لطالما أجاد الإسلاميون الاداء في هذه مرحلة لأنها مرحلة الوعظ والتبشير والتنظير ولن يعصى على الإسلاميين ترداد جملة من النصوص المقدسة والآيات القرآنية القادرة على تعبئة الجماهير وحشدها ومدها بالأمل، لا سيما أن قادة الحركات المؤدلجة عادة فصحاء وأهل خطابة. وبالواقع لقد تجاوزت أغلب الحركات الإسلامية هذه المرحلة بنجاح، عبر استغلال سقطات وفشل النظام القائم، الاستخدام الكثيف للخطابة الدينية، مجموعة من الخدمات الاجتماعية، وقدرات تنظيمية عالية.
في المقابل لطالما كانت مرحلة التصدي والحكم هي الفيصل في قياس نجاح هذه الحركات، والتي غالباً ما رسبت فيها لجملة عوامل موضوعية وذاتية. ويمكن تلخيص التحديات الأبرز التي ستواجه الإسلاميين عموماً في هذه المرحلة بالتالي: وحدة الحركة الإسلامية ذاتها، إشكالية القيم والعقائد في مواجهة الواقع - وهما تحديان يثيران مع الوقت إشكالية "الهوية" - إيجاد البديل الاقتصادي، التعاطي مع المعارضة الداخلية ومسألة الحرية والديموقراطية، كيفية مواجهة الضغوط الخارجية، أي بالمختصر تقديم نموذج حكم عادل مقتدر ديموقراطي ومستقل. بالنظر الى هذه التحديات التي لطالما لاحقت الإسلاميين وأدت غالباً الى سقوطهم أو وهنهم، يمكن توقع التحديات التي ستواجه إسلاميي مصر في المرحلة المقبلة.
في المقابل لطالما كانت مرحلة التصدي والحكم هي الفيصل في قياس نجاح هذه الحركات، والتي غالباً ما رسبت فيها لجملة عوامل موضوعية وذاتية. ويمكن تلخيص التحديات الأبرز التي ستواجه الإسلاميين عموماً في هذه المرحلة بالتالي: وحدة الحركة الإسلامية ذاتها، إشكالية القيم والعقائد في مواجهة الواقع - وهما تحديان يثيران مع الوقت إشكالية "الهوية" - إيجاد البديل الاقتصادي، التعاطي مع المعارضة الداخلية ومسألة الحرية والديموقراطية، كيفية مواجهة الضغوط الخارجية، أي بالمختصر تقديم نموذج حكم عادل مقتدر ديموقراطي ومستقل. بالنظر الى هذه التحديات التي لطالما لاحقت الإسلاميين وأدت غالباً الى سقوطهم أو وهنهم، يمكن توقع التحديات التي ستواجه إسلاميي مصر في المرحلة المقبلة.
كل هذه التحديات ستنتج انقساماً ربما يصل الى مستوى الصدام داخل الحركة الإسلامية بين الأصوليين والبراغماتيين، الاتجاه الأول سيفسر الوقائع السياسية من منظار حرفية النص الديني، فيما الاتجاه الآخر سينحو باتجاه إيجاد فاصل بين مجالي السياسة والدين، وهو فاصل يترواح ما بين العلمانية والواقعية المقيدة. من أبسط الأمثلة، الإشكال الأخير في البرلماني المصري بين رئيس المجلس وأحد النواب بعد ان قام الأخير برفع الأذان داخل المجلس اعتراضاً على عدم تعليق الجلسة لصلاة العصر، ما انتج مشادة بين النئب السلفي والاخوان الذين افتى احدهم بجواز جمع صلاتي الظهر والعصر أثناء العمل. قد يبدو المثال بسيطاً إلا انه يؤشر لما سيكون عليه واقع الحال في القضايا السياسية الكبرى لا سيما في الإقتصاد والسياسة الخارجية، وهو ما دفع مايكل سينغ الى مخاطبة الليبراليين في مصر بأنه بدلاً من الشعور "بالإحباط نتيجة أدائهم الانتخابي المخيب للآمال، ينبغي عليهم التركيز على اللعبة الاقتصادية الطويلة، لأن أي حزب يوفر الازدهار للمصريين سوف يحكم مصر" (الأزمة الاقتصادية المتنامية في مصر، فورين بوليسي، 20 كانون الأول 2011).
إلا ان واقع هذا الانقسام ليس دينياً محضاً، بمعنى أن جذوره ليست ناتجة فقط عن رؤى عقيدية وفقهية متفاوتة، بل تشترك فيها عوامل التنافس السياسي والشرعية. تتنافس القوى الإسلامية على وعاء واحد إجمالاً، وهي الطبقات الشعبية الفقيرة والمجموعات المتدينة، ففيما سيسعى إسلاميو السلطة الى تبني منهج واقعي بهدف مجاراة الوقائع الاقتصادية والمادية بما يمكنهم من تقديم مكاسب ترضي الناخبين، سيعمل إسلاميو الأقلية على تركيز النقد حول إنتهازية إسلاميي السلطة وإنحرافهم عن الضوابط الشرعية والفقهية بالإضافة الى إستحضار قضايا كبرى، ذات حساسية إسلامية، ورميها بوجه خصومهم متهمين إياهم بهجرها والتقصير فيها كنصرة المسلمين في بلدان محددة، مواجهة إسرئيل، والقضية الفلسطينية. إلا أن الامور لن تنتهي هنا، باعتبار انه في حال فشل إسلاميو السلطة في تحقيق ما يرضي الناخبين، وفي ظل النمو الشعبي للمعارضة الإسلامية وإستقطابها لما يتساقط من إسلاميي الحركة الأم، سيجد إسلاميو السلطة غالباً ضرورة في العودة الى الخطاب العقائدي، إلا ان وجدوا إمكانية ومصلحة للتحالف مع القوى الليبرالية في وجه الأصوليين، أو كانت هواجسهم تجاه الخارج هي الراجحة.
بهذا المعنى سيحرص الأخوان في مصر على تقديم خطابين، إلا ان ذلك يزداد صعوبة بعد أن اصبح الأخوان مكشوفين لأضواء السلطة والإعلام. هذه الازدواجية لن تكون ذات صلة فقط بالساحة الداخلية كما يُظهر دافيد بولوك. فقد أجرى بولوك مقارنة بين ما يبثه الإخوان في مصر على النسختين العربية والإنكليزية لموقعهم الإلكتروني، وخلص الى وجود خطابين لدى الجماعة، خطاب موجه الى الغرب مثقل بالمديح للديموقراطية (بالإنكليزية) والآخر إسلامي متشدد معاد للغرب (بالعربية). واعتبر الكاتب ان هذه الازدواجية لطالما ميزت خطاب الإخوان لذا "يتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل مع «الجماعة»، لكن لا يتعين أن نثق بأي شيء تقوله - حتى تُثبت العكس على الأقل". (واشنطن بوست، جماعة الإخوان الملسمين في مصر وسجلها في ازدواجية الخطاب، 26/1/2012)
في الخلاصة، سيكون الاشتباك السياسي المقبل في أغلبه داخل الحركة الإسلامية نفسها، وسيدور الخلاف الجوهري حول تعيين حدود الواقعية والنص الديني في الممارسة السياسية، وهو ما يرجح أن ينتج تيارات أساسية ثلاثة: الأول سيكتفي بالخطاب الديني دون الممارسة، والثاني سيتقيد بحرفية النص وسيتجه بالتالي نحو الضمور والعذلة، والثالث سيخوض تحدي البحث عن معايير تضمن إمساك العصا من الوسط وهو ما يحتاج الى تجربة سياسية نقدية وذهنية منفتحة على الواقع وقلب صادق في التزامه القيمي والايماني. لكل هؤلاء نكرر وراء علي شريعتي: "إلهي لقن المتدينيين أن الإنسان من تراب، وأن ظاهرة من مادة تفسر الله بقدر تفسير ظاهرة من غيب، فله في الدنيا وجود يساوي وجوده في الآخرة. لقنهم أن الدين إن لم يسبق الموت، فلا معنى له ، ولا فائدة فيه بعد الموت".
حسام مطر
باحث وأكاديمي ـ لبنان
باحث وأكاديمي ـ لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق