في الحالتين، تبدو الجماعة محكومة بالخوف والانقسام الداخلي, والخوف هنا نابع من مصدرين, من فشل المساكنة بين «الجماعة» والمجلس العسكري وخلفه واشنطن, وثانياً من تراجع موجة التأييد الشعبي بمرور الوقت بحكم انكشاف «الجماعة» للسلطة والتنافس السياسي. إلا أن الخوف الأول، أي من سلطة المجلس العسكري، يبدو الأكثر حضوراً, فعامل عدم الثقة لا زال مهيمناً، لا سيما في ظل التجارب التاريخية المتتالية منذ حقبة ثورة «الضباط الأحرار». لن يخاطر «الإخوان» مجدداً في التساهل بإمساك مفاصل السلطة وبشكل كامل ومباشر، ولذلك ركزوا على مهادنة المجلس العسكري طوال فترة الانتخابات التشريعية فيما كان «ثوار المياديين» يخوضون مواجهة دامية بوجه «المجلس العسكري».
إلا أن الفرضية التي لا تقل أهمية هي أن ترشيح الشاطر كان برضى «المجلس العسكري», الذي يرى فيه مرشحاً معتدلاً منفتحاً على الغرب, وذلك في سياق صفقة شاملة بين «الإخوان» و«العسكر» تحفظ للمجلس العسكري نفوذه ومصالحه ودوره السياسي، لا سيما في مجال السياسة الخارجية. بأي حال أثار قرار الجماعة مخاوف جدية بأن البلاد تشهد ولادة «حزب وطني جديد»، بالإشارة الى نمط متكرر من الاستبداد والاستئثار السياسي, فكيف يمكن لقرار الإخوان أن يؤثر على الخارطة الانتخابية؟ يبدو أن المأزق الحقيقي سيكون من نصيب السلفيين والشخصيات الإسلامية المرشحة للرئاسة والتي ستجد نفسها مضطرة الى التكتل بوجه «الإخوان». فبالنظر الى نتائج الانتخابات النيابية, فإنها الحالة الوحيدة تقريباً التي تضمن حصول مواجهة انتخابية جادة, لا سيما في ظل التوتر داخل الجماعة وخاصة تيارها الشاب الذي يميل جزء منه الى الإخواني السابق منعم أبو الفتوح.
بالمقابل إذا قررت الجماعة السير نحو النهاية بترشيح الشاطر فإنها ستضطر الى تعزيز ثنائية خطابها السياسي, الاعتدال في مخاطبة الخارج, والتعبئة العقائدية تجاه الناخب المصري. سابقاً حاول دافيد شينكر أن يحلل التردي في العلاقات المصرية ـ الأميركية كما في قضية محاكمة بعض الجمعيات المدنية الممولة اميركياً, فرأى انه بمعزل عما إذا كانت هذه المواقف المصرية ذات خلفية دينية او خلفية شعبوية إلا أن واشنطن لا تستطيع تقريباً فعل شيء في هذه اللحظة للتأثير على ديناميكية العلاقات الثنائية. ويحاجج شينكر انه نتيجة التحديات الداخلية الحادة التي تواجهها القيادة المصرية (العسكر والإسلاميون) وما ينتجه ذلك من الحاجة الى عملية إلهاء للقواعد الشعبية يصبح الخطاب الشعبوي المعادي لواشنطن هو الحل, وهذا يؤشر بدوره الى أن الكارثة المقبلة في علاقات البلدين لسيت بعيدة. (لوس أنجلس تايمز, 15 شباط 2012)
تعكس خطوة ترشيح الشاطر سلوكاً براغماتياً متنامياً داخل الجماعة, إذ تركز الجماعة على الحسابات السياسية أكثر من حرصها على الوفاء بالتزاماتها. فضلاً عن أن تسمية شخصية كالشاطر تبدو أكثر أهمية من قرار الترشيح ذاته, فالشاطر اهتم بشكل خاص بعلاقات واتصالات «الإخوان» مع الدول الغربية، فضلاً عن دوره الاقتصادي والمالي البارز داخل الجماعة وعلاقاته مع الشركات الدولية الكبرى, حتى ان البعض ذهب الى تشبيهه بـ«أردوغان مصر», تحديداً من باب الازدهار الاقتصادي.
إن هذا المسار يخالف ما يحاول اليمين الأميركي ترويجه بأن فرضية توجه جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر نحو الاعتدال غير صالحة, وذلك لأسباب يوردها إيريك تراغر كالتالي: أولاً بسبب آلية اختيار مرشحي «الجماعة» للانتخابات البرلمانية والتي أدت الى اختيار الأعضاء المخضرمين في الجماعة والمتشددين عقائدياً. ثانياً, إن التجربة البرلمانية السابقة لـ«الإخوان» تؤكد تمسكهم بالسياسات الراديكالية لا الواقعية, ثالثاً هي المنافسة المحتدمة مع «السلفيين» التي تقيد قدرة «الإخوان» على تبني سياسيات واقعية معتدلة خوفاً من أن يستغل «السفليون» ذلك لجذب المتدينين الى صفوفهم (شهادة امام لجنة الشؤون الخارجية ـ اللجنة الفرعية للشرق الاوسط وجنوب آسيا, 15 شباط 2012). إلا أن هذه الحجج لا تصمد كثيراً أمام الوقائع, فـ«الجماعة» تدفع بوجهها المنفتح الى الواجهة السياسية فضلاً عن تشكيلها حزب سياسي يسمح لها بالتخفي لممارسة سياسة واقعية بعيداً عن خطابها العقائدي.
سيشكل ترشيح الشاطر الصدمة الأبرز في عملية بناء السلطة المصرية نظراً لطبيعة للنظام المصري. إن ردود فعل العسكر وواشنطن على هذه الخطوة سيكشف مدى التوافق والانسجام بين «الإخوان» والولايات المتحدة, وهو بدوره سيتيح إمكانية اكبر للتنبؤ بمسار العملية السياسية في مجمل المنطقة العربية. يبدو أن الإخوان المسلمين متأثرين بمقولة «التكرار يعلم الشطار», لكن هل أن تقرب الجماعة من واشنطن وتضرر مصداقيتها سيجعلها مصداقاً لمقولة «غلطة الشاطر بألف» ؟ خيرت الشاطر سيحدد ذلك.
كاتب سياسي ـ لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق