نشرت هذه المقالة عبر موقع الإنتقاد الإلكتروني بتاريخ 26\3\2012
فرض الاتحاد الاوروبي منذ أيام عقوبات جديدة على النظام السوري، وبحسب صحيفة "التلغراف" فإن العقوبات الأوروبية شملت السيدة أسماء الأسد بعد الكشف عن انها كانت تقوم بالتسوق عبر الانترنت لا سيما من متاجر باريس ولندن. وقد شملت قائمة المشتريات بحسب الرسائل البريدية المسربة ـ كما يجري الزعم ـ المجوهرات، والأحذية والمفروشات والمزهريات ونسخاً أصلية لفيلم هاري بوتر. وركزت الصحيفة على دور أسماء وإصرارها على الوقوف الى جانب زوجها بحسب ما تظهر تلك الرسائل البريدية. وهو ما دفع أحد المعارضين السوريين الى إتهام زوجة الرئيس بسرقة أموال الشعب وتبذيرها في لندن. (صحيفة التلغرف, 20-3-2012).
وقد أثارت هذه العقوبات جملة من التساؤلات والاستهجانات، وانطلق التساؤل الأساسي عن كيفية تأثير تلك العقوبات على إسقاط النظام السوري. فكيف يمكن لمنع السيدة الأولى من السفر والتبضع أن يسهم في زيادة الضغوط على النظام السوري؟ كانت أكثر الإجابات والتساؤلات حول الموضوع تهكمية وساخرة سواء من المعارضين أم الموالين. إلا ان موضوع العقوبات برمته أكثر تعقيداً مما قد يبدو للوهلة الأولى، فالعقوبات ذات أهداف مختلفة وأساليب متنوعة وقياسات متفاوتة، ولذا لا يمكن فحص مدى نجاح أي عقوبات كانت إلا بعد التدقيق في ذلك كله.
لقد شكلت العقوبات الاقتصادية على العراق خلال التسعينات تحدياً نظرياً في مجال سياسة العقوبات، إذ إن تلك العقوبات بدل أن ترهق نظام صدام ـ كما يُفترض ـ فإنها ألحقت بالشعب العراقي أضراراً هائلة، منها وفاة ملايين الأطفال لعدم توفر الدواء والغذاء. بل إن صدام استفاد من العقوبات لتمتين سيطرته على البلاد وعزلها عن الخارج. وفي خضم النقاشات ظهر مصطلح "العقوبات الذكية" أو "العقوبات المحددة" التي يجري توجيهها مباشرة نحو الجهة المستهدفة من دون إلحاق أضرار مباشرة بالمدنيين والأبرياء، على مثال حجز أرصدة اركان النظام ومنعهم من السفر وحظر بيع السلاح للدولة المعاقبة.
في هذا السياق انتقد كل من ميكائيل اريكسون و فرانشيسكو غوميلي في مجلة "الفورين افيرز" العقوبات الأوروبية الشاملة على سوريا باعتبار أنها ستؤثر في الشعب السوري وستمنح النظام فرصة قوية لتثبيت فرضية المؤامرة الخارجية. ولذا ركز الكاتبان على فكرة العقوبات الذكية التي تستهدف أركان النظام ومؤسساته وليس العقوبات العشوائية التي لن تضر النظام السوري كما يعتقد الغربيون، وهو درس يبدو، بحسب الكاتبين، ان الاوروبيين لم يتعلموه جيداً بعد تجربة العقوبات على العراق. (لماذا سترتد العقوبات الاوروبية على نظام الأسد سلباً، 1 كانون الاول 2011)
أيضاً لا بد من البحث في الأهداف المتفاوتة للعقوبات، فهل تهدف العقوبات الى تقييد الطرف الآخر؟ أم لدفعه نحو القيام بخطوة ما؟ او ربما لا هذه ولا تلك، كيف ذلك؟
في كتابه الجديد حول العقوبات الاقتصادية "الإكراه، التقييد، وإرسال الإشارات: شرح عقوبات الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي منذ نهاية الحرب الباردة، صادر عام 2011)،يصنف فرانشيسكو غوميلي أهداف العقوبات بناء على تقسيم ثلاثي: أولا، الإكراه وهي العقوبات التي تهدف الى الضغط على الطرف المقابل لإجباره على القيام بامر ما، كالتنحي عن السلطة مثلاً .
ثانياً: التقييد وهو فرض أعباء على الطرف المقابل لمنعه عن فعل امر ما، وجعل ممارسته لسياسة معينة أمراً مكلفاً. وثالثا: قد تهدف العقوبات الى إرسال رسالة معينة الى الطرف الآخر من دون فرض أعباء مباشرة عليه ، وذلك لغايات متعددة كإبراز جهة ما لالتزامها بقضية ما، ضغط دبلوماسي، أو إرضاءً لرأي عام معين.
بهذا المعنى تقع العقوبات التي شملت عائلة الرئيس الأسد في الخانة الثالثة أي انها عقوبات رمزية لا تهدف لوضع أعباء مباشرة على النظام، وهذا النمط ليس جديداً بل سبق وأن فُرضت عقوبة مماثلة على العائلة الحاكمة في كوريا الشمالية. لذا يمكن القول إنه في ظل استنفاد الغرب لخطواته الدبلوماسية بوجه النظام السوري هدفت هذه العقوبات الى جملة غايات:
أولاً، العمل على تعميق الشرخ بين الشعب السوري وقيادته عبر الإيحاء بأن عائلة الرئيس ورغم ما يحصل في البلاد مشغولة بالتسوق والتبذير على الكماليات من المتاجر الاوروبية. وهي الرسالة ذاتها التي ارادتها واشنطن للعقوبات على عائلة رئيس كوريا الشمالية الذي تعاني بلاده المجاعة، فضلاً عن الإشاعات الأميركية المماثلة التي راجت حول عائلات بعض أركان النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ثانياً، محاولة تفكيك الحلقة الضيقة للرئيس الأسد عبر زيادة التوتر والضغط على أسرته كنوع من الإرهاق النفسي لمركز صنع القرار، لا سيما وأن ذلك ترافق مع "خبرية" الرسائل البريدية وما تضمنته من أمور شخصية تخص الرئيس الأسد.
ثالثاً، هدفت العقوبات الى التأكيد للرأي العام والحلفاء السياسيين أن الغرب لا زال جدياً في سعيه لتغيير النظام السوري لا سيما في ظل تصاعد الحديث عن التراجع الغربي والسعي الى تسوية من خلال اللاعب الروسي. أي أن الغربيين أرادوا تأكيد التزامهم تجاه حلفائهم في النظام العربي والمعارضة السورية من خلال التضييق على أحذية زوجة الرئيس. قد تبدو العقوبات على زوجة الرئيس الأسد سطحية وفارغة وتافهة للوهلة الأولى، إلا أنها بالتأكيد لا تخلو من الخبث الدهاء.
فرض الاتحاد الاوروبي منذ أيام عقوبات جديدة على النظام السوري، وبحسب صحيفة "التلغراف" فإن العقوبات الأوروبية شملت السيدة أسماء الأسد بعد الكشف عن انها كانت تقوم بالتسوق عبر الانترنت لا سيما من متاجر باريس ولندن. وقد شملت قائمة المشتريات بحسب الرسائل البريدية المسربة ـ كما يجري الزعم ـ المجوهرات، والأحذية والمفروشات والمزهريات ونسخاً أصلية لفيلم هاري بوتر. وركزت الصحيفة على دور أسماء وإصرارها على الوقوف الى جانب زوجها بحسب ما تظهر تلك الرسائل البريدية. وهو ما دفع أحد المعارضين السوريين الى إتهام زوجة الرئيس بسرقة أموال الشعب وتبذيرها في لندن. (صحيفة التلغرف, 20-3-2012).
وقد أثارت هذه العقوبات جملة من التساؤلات والاستهجانات، وانطلق التساؤل الأساسي عن كيفية تأثير تلك العقوبات على إسقاط النظام السوري. فكيف يمكن لمنع السيدة الأولى من السفر والتبضع أن يسهم في زيادة الضغوط على النظام السوري؟ كانت أكثر الإجابات والتساؤلات حول الموضوع تهكمية وساخرة سواء من المعارضين أم الموالين. إلا ان موضوع العقوبات برمته أكثر تعقيداً مما قد يبدو للوهلة الأولى، فالعقوبات ذات أهداف مختلفة وأساليب متنوعة وقياسات متفاوتة، ولذا لا يمكن فحص مدى نجاح أي عقوبات كانت إلا بعد التدقيق في ذلك كله.
لقد شكلت العقوبات الاقتصادية على العراق خلال التسعينات تحدياً نظرياً في مجال سياسة العقوبات، إذ إن تلك العقوبات بدل أن ترهق نظام صدام ـ كما يُفترض ـ فإنها ألحقت بالشعب العراقي أضراراً هائلة، منها وفاة ملايين الأطفال لعدم توفر الدواء والغذاء. بل إن صدام استفاد من العقوبات لتمتين سيطرته على البلاد وعزلها عن الخارج. وفي خضم النقاشات ظهر مصطلح "العقوبات الذكية" أو "العقوبات المحددة" التي يجري توجيهها مباشرة نحو الجهة المستهدفة من دون إلحاق أضرار مباشرة بالمدنيين والأبرياء، على مثال حجز أرصدة اركان النظام ومنعهم من السفر وحظر بيع السلاح للدولة المعاقبة.
في هذا السياق انتقد كل من ميكائيل اريكسون و فرانشيسكو غوميلي في مجلة "الفورين افيرز" العقوبات الأوروبية الشاملة على سوريا باعتبار أنها ستؤثر في الشعب السوري وستمنح النظام فرصة قوية لتثبيت فرضية المؤامرة الخارجية. ولذا ركز الكاتبان على فكرة العقوبات الذكية التي تستهدف أركان النظام ومؤسساته وليس العقوبات العشوائية التي لن تضر النظام السوري كما يعتقد الغربيون، وهو درس يبدو، بحسب الكاتبين، ان الاوروبيين لم يتعلموه جيداً بعد تجربة العقوبات على العراق. (لماذا سترتد العقوبات الاوروبية على نظام الأسد سلباً، 1 كانون الاول 2011)
أيضاً لا بد من البحث في الأهداف المتفاوتة للعقوبات، فهل تهدف العقوبات الى تقييد الطرف الآخر؟ أم لدفعه نحو القيام بخطوة ما؟ او ربما لا هذه ولا تلك، كيف ذلك؟
في كتابه الجديد حول العقوبات الاقتصادية "الإكراه، التقييد، وإرسال الإشارات: شرح عقوبات الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي منذ نهاية الحرب الباردة، صادر عام 2011)،يصنف فرانشيسكو غوميلي أهداف العقوبات بناء على تقسيم ثلاثي: أولا، الإكراه وهي العقوبات التي تهدف الى الضغط على الطرف المقابل لإجباره على القيام بامر ما، كالتنحي عن السلطة مثلاً .
ثانياً: التقييد وهو فرض أعباء على الطرف المقابل لمنعه عن فعل امر ما، وجعل ممارسته لسياسة معينة أمراً مكلفاً. وثالثا: قد تهدف العقوبات الى إرسال رسالة معينة الى الطرف الآخر من دون فرض أعباء مباشرة عليه ، وذلك لغايات متعددة كإبراز جهة ما لالتزامها بقضية ما، ضغط دبلوماسي، أو إرضاءً لرأي عام معين.
بهذا المعنى تقع العقوبات التي شملت عائلة الرئيس الأسد في الخانة الثالثة أي انها عقوبات رمزية لا تهدف لوضع أعباء مباشرة على النظام، وهذا النمط ليس جديداً بل سبق وأن فُرضت عقوبة مماثلة على العائلة الحاكمة في كوريا الشمالية. لذا يمكن القول إنه في ظل استنفاد الغرب لخطواته الدبلوماسية بوجه النظام السوري هدفت هذه العقوبات الى جملة غايات:
أولاً، العمل على تعميق الشرخ بين الشعب السوري وقيادته عبر الإيحاء بأن عائلة الرئيس ورغم ما يحصل في البلاد مشغولة بالتسوق والتبذير على الكماليات من المتاجر الاوروبية. وهي الرسالة ذاتها التي ارادتها واشنطن للعقوبات على عائلة رئيس كوريا الشمالية الذي تعاني بلاده المجاعة، فضلاً عن الإشاعات الأميركية المماثلة التي راجت حول عائلات بعض أركان النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ثانياً، محاولة تفكيك الحلقة الضيقة للرئيس الأسد عبر زيادة التوتر والضغط على أسرته كنوع من الإرهاق النفسي لمركز صنع القرار، لا سيما وأن ذلك ترافق مع "خبرية" الرسائل البريدية وما تضمنته من أمور شخصية تخص الرئيس الأسد.
ثالثاً، هدفت العقوبات الى التأكيد للرأي العام والحلفاء السياسيين أن الغرب لا زال جدياً في سعيه لتغيير النظام السوري لا سيما في ظل تصاعد الحديث عن التراجع الغربي والسعي الى تسوية من خلال اللاعب الروسي. أي أن الغربيين أرادوا تأكيد التزامهم تجاه حلفائهم في النظام العربي والمعارضة السورية من خلال التضييق على أحذية زوجة الرئيس. قد تبدو العقوبات على زوجة الرئيس الأسد سطحية وفارغة وتافهة للوهلة الأولى، إلا أنها بالتأكيد لا تخلو من الخبث الدهاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق