مقال نشر على موقع قناة المنار بتاريخ 3\11\2012
حسام مطر
مع
دخول الإستعدادات لمعركة الإنتخابات النيابية المقبلة عام 2013 , عاد فريق
14 آذار لتكرار معزوفة رفض تولي الرئيس نبيه بري لرئاسة البرلمان في حال
حازت هذه القوى على الأكثرية النيابية.
في هذا السياق كان التصريح الأخير لرئيس
الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع بعد عودته من السعودية حيث
إلتقى بالنائب سعد الحريري وفيه قال: "الرئيس نبيه بري بتموضعه السياسي
الحالي رغم احترامنا الشخصي له، لا يمكننا حمله في رئاسة المجلس...... نريد
رئيساً للمجلس النيابي منسجماً مع الأكثرية الجديدة". فهل حقاً تستطيع قوى
14 آذار إقصاء الرئيس بري عن رئاسة المجلس في حال فوزها بالأكثرية
النيابية؟ أم أن هذه الحملة مرتبطة بإنضاج تسوية حول قانون الإنتخابات
أولاً ورئاسة الحكومة لاحقاً؟
النص الدستوري يتيح ل 14 آذار إمكانية
إنتخاب بديل للرئيس بري في حال حازت الأكثرية, ولكن روحية النص والممارسة
المستمرة وموازين القوى تقع جميعها في الإتجاه المقابل للنص. تبنى الدستور
اللبناني صيغة محددة من الديموقراطية التوافقية وأرفقها بآليات لضمان
التوازن الطائفي والمذهبي لجميع الأطراف, إلا ان إختلال موازين القوى
الداخلية أدى الى إستفادة المسلمين من ذلك أكثر من المسيحيين. منذ بداية
التسعينات تكرست الممارسة بأن رئاستي الحكومة والمجلس النيابي تذهب لمن
يمثل الأكثرية لدى كل من السنة والشيعة, وعليه كان الرئيس بري منذ حينها
رئيساً للمجلس النيابي, والرئيس الراحل رفيق الحريري رئيساً للحكومة ما عدا
فترتين محددتين, هما الإستثناء الذي يؤكد المبدأ. مع العلم ان الرئيس
الحريري لم يحظ حينها بتوافق مذهبي كالذي حازه الرئيس بري كمرشح للثنائية
الشيعية, وكان خروجه في مرة منهما – او المرتين ربما - بقرار ذاتي من باب
التكتيك الإنتخابي والسياسي.
وبما انه يمكن للبعض إرجاع تلك الممارسة
الى الدور السوري الذي كان ضابطاَ للعملية السياسية, فيمكن الإحتجاج
بالمقابل بإستمرار تلك الممارسة حتى مع خروج القوات السورية من لبنان. منذ
العام 2005 حتى العام 2011 إحتفظ كل من الرئيس بري برئاسة المجلس حتى عندما
فازت قوى 14 آذار بالأكثرية وإحتفظ تيار المستقبل ( السنيورة ثم سعد
الحريري) برئاسة الحكومة, بداية من ضمن الإتفاق الرباعي الشهير ثم بإتفاق
الدوحة, رغم ان أحداث الـ 7 من آيار وما سبقها من ممارسات إلغائية لحكومة
السنيورة البتراء كانت تتيح للثنائي الشيعي خيارات أخرى.
من ناحية ثانية, حين جرى الإتفاق على
الهوية المذهبية للرؤساء الثلاثة فإن روحية الطائف إفترضت انهم يحظون
بتمثيل معتبر على الأقل داخل مذاهبهم, وإلا لأصبح إشتراط الهوية الدينية
فارغاً من المعنى السياسي. لذا يُعتبر إقصاء مرشح الثنائية الشيعية عن
رئاسة البرلمان إقصاءً لمن يمثل ما يقارب 90% من المقترعين الشيعة, وهو ما
يخالف روحية التوافق الطائفي أو الديموقراطية التوافقية. إذاً كيف جرى
إقصاء سعد الحريري عن رئاسة الحكومة قبل أن تنتقل الى الرئيس نجيب ميقاتي؟
إن إقصاء الحريري كان بسبب كسره قواعد اللعبة القائمة وليس بهدف خلق قواعد
جديدة, بعد أن كسر الحريري قاعدة عدم الإعتداء على المقاومة, وذلك من خلال
الإستقواء بالخارج عبر المحكمة الدولية, فموقف الحريري من القرار الإتهامي
لا يقل دهاءً وخبثاً عن مقرارت 5 أيار الشهيرة. إذاً لم يكن موقف الثنائية
الشيعية إنكاراً للقاعدة التي تكرس أحقية تيار المستقبل برئاسة الحكومة بل
إعادة تكريس لقواعد اللعبة الداخلية وتوازناتها بعدما أراد الحريري تغيير
كل ذلك عبر القرار الظني.
ولكن
لماذا لا تنطبق هذه القاعدة على موقع رئاسة الجمهورية؟ اي رغم أن تكتل
الجنرال ميشال عون حاز على 70% من التمثيل المسيحي في إنتخابات 2005 إلا
انه جرى تجاوز ذلك بعدما جرى إنتخاب الرئيس ميشال سليمان خلفاً للعماد أميل
لحود, فما تبرير ذلك؟ في الواقع هذا يعود الى جملة أسباب: أولاً هو ضعف
المسيحيين وتهميشهم في النظام اللبناني بعد إتفاق الطائف, وهو ما أتاح
بدوره إخضاع الموقع للتسوية الإقليمية – الدولية بشكل كامل. ثانياً, أصبحت
الرئاسة كضمانة للتوازن الإسلامي في النظام , كموزان بين رئيس المجلس
الشيعي ورئيس الحكومة السني, وعليه كان لا بد من ضمان وجود رئيس محايد أي
لا يلاقي إعتراض الطرفين المسلمين, بمعزل عن قوته التمثيلية. ثالثاً, أتاحت
تحولات 2005 الخروج من هذا العجز, كان من الممكن لسمير جعجع وأمين الجميل
تكريس حق المسيحيين بإختيار رئيسهم لو انهم أقروا بهذا الموقع للعماد عون
حينها, ولكنهم بإختيارهم الوقوف بوجهه قضى جعجع على فرصة إعادة موقع
الرئاسة الى المسيحيين فعلياً, وكذلك على إحتمال وصوله الى الرئاسة مهما
كانت قوته التمثيلية المسيحية في المستقبل.
تدرك قوى 14 آذار كل ما تقدم ولكنها
تستخدم مقولة "إقصاء بري" من باب الإبتزاز, مرة من باب عودة سعد الحريري
الى رئاسة الحكومة ومرة من باب قانون الإنتخاب, والتصريح الأخير لجعجع لا
يخرج عن هذا السياق. في الواقع لا تملك قوى 14 آذار إلا القليل من أوراق
القوة التي يمكنها وضعها على طاولة اللعبة الداخلية, لذا لا تجد بداً من
إستجلاب أرواق إفتراضية من المستقبل القريب, كالتهويل بعدم دعم وصول بري
الى رئاسة المجلس. بكل الأحوال لا يمكن ل 14 آذار ان تمتلك من الأصوات ما
يؤهلها للتحكم بمصير رئاسة المجلس النيابي, إذا أن النائب وليد جنبلاط
وميقاتي والوسطيين لن يغامروا مطلقاً في السير ضد بري في رئاسة المجلس, وهي
الكتلة التي يُرجح أن تكون "بيضة قبان" المرحلة المقبلة أيضاً.
إذاً, بمعزل عن تقييم آداء الرئيس بري,
سلباً او إيجاباً, أو الموقف من النظام اللبناني, فبحسب قواعد اللعبة
اللبنانية والممارسة السياسية المستقرة وطبيعة النظام السياسي, فضلاً عن
توازنات القوة والتمثيل, الرئيس المقبل لمجلس النواب اللبناني هو من
ستسميته الثنائية الشيعية أي الرئيس بري. هنا ينبغي القول أن " ناقل الكفر
ليس بكافر", هذا هو نظامنا السياسي, ولكن حين نتكلم بالطموحات يصبح من
نافلة القول اننا أمام نظام سياسيء مهترىء, ظالم, ومسدود الأفق, وبقاؤه
بشكله الحالي متحقق بفعل شبكة الأمان الإقليمية- الدولية فقط. المتاح في
المدى المنظور هو إصلاحات متدرجة جزئية قطاعية من خلال إستغلال أي فجوات في
النظام او تشابك مصالح مؤقت, قانون الإنتخاب قد يكون البداية الأفضل لهذا
المسار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق