(التعليق خاص بالمدونة يرجى ذكر ذلك عند إعادة النشر)
حين كنت طفلاً في المدرسة
الإنجيلية في صور, لطالما فررنا من مقاعد الدارسة على وقع القصف الإسرائيلي, جيل
بأكمله رضع الخوف والذعر والإحساس بالعجز الى حد الخجل. كان الفرار والهرب فلكلوراً شعبياً, طقساً وشعيرة للظفر ببعض
الحياة, كنا نرضى بالهزيمة كي نكسب الأنفاس, كنا كالأضاحي لا تملك إلا ان يتجاوزها
الجزار الى مناسبة أخرى. لكن هذا كله إنقلب في ليلة واحدة, يومها ولم اكن قد بلغت
الثانية عشر, سمعت الأمين العام "الجديد" لحزب الله يقول عام 1993 – على
ما أذكر – "كانت المعادلة أنا افكر إذا أنا موجود , أما المعادلة اليوم أنا
أقاوم إذاً أنا موجود", ليلتها خططت العبارة على ورقة وتوسدتها وغفوت ولم
أستفق إلا وأنا حر, حر من الأوهام والفزع والخضوع.
في عدوان نيسان 1996,
قتلتنا إسرائيل في مقر قوات حفظ السلام, يا سلام, وفي سيارات الإسعاف والملاجىء
والبيوت والحقول, حينها كان بعض اللبنانيين مزعوج
من المقاومة لأن إسرائيل قصفت معامل الكهرباء وتعطل "المكيف",
شركاؤنا في الوطن هم, ولكن "المكيف" عزيز. في مقر الامم المتحدة, رضيعة
بلا رأس, في المنصوري إسعاف معجونة بلحم عائلة كاملة, إجتمع العالم في شرم الشيخ
يومها وقرر أننا لا نستحق إلا هذا. شركاؤنا في الوطن كانوا مزعوجين, كان الطقس
حاراً وتعطل "المكيف".
صبيحة 24 من ايار 2000 كانت
ولادتي الثالثة, بعد ولادتي البيولوجية وولادتي على عبارة "أنا أقاوم إذا أنا
موجود". لا اخفيكم سراً, قبلها كنت متعلقاً بالمقاومة ولكن لم أكن مؤمناً بإنتصارها,
لم إقتنع ان أرضنا ستتحرر يوماً, أو أني سأرى فلسطين, كان حلماً مستحيلاً. لم أكن
مؤمناً بقدرة المقاومة قبيل صبيحة 24 أيار, كانت رواسب الخوف والهزيمة لا زالت
مستحكمة, كانت أحاديث المنطق والمعادلات المادية وتوازنات القوى تنهش عقلي, كيف
يمكن أن نهزم هذا الجمع؟ صبيحة الخامس والعشرين من أيار 2000 كنت في بنت جبيل,
قبلت تراب الجنوب, رأيت فلسطين, وسمعت في تلك العشية "نبي" كرامتنا
يقول" إن إسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت", ولم أستفق إلا وأنا مؤمن.
14 آب , تاريخ ولادتي
البيولوجية, أصبح في عام 2006 تاريخ ولادتي الرابعة أيضاً, وولادة جيل جديد بأكمله.
إنتقلنا من توازن الرعب الى توازن القوة, من التحرير الى صد الغزو, من البكاء في
جهة واحدة الى العويل في "الجهات" الأخرى, من الإيمان بالمقاومة الى
اليقين بها وذوبان الأنا فيها, من شركاء يندبون "المكيف" الى شركاء
يطعنون في البطن وليس الظهر, يا لوقاحتهم. المقاومة إعادت خلقنا من جديد عند كل
مفترق, خلقاً منزهً من الخوف والخيبة والإنكسار والخضوع, خلقاً مفعماً بالكرامة
والثبات والوعي والحماسة. لم يعد مهماً إن سلم حزب الله سلاحه او لم يسلم, أصبحت
المعضلة في مكان أخر, في جيل ليس مستعداً لُيقتل ثانية بصمت, بجيل لن يرضى أن يفر
أطفاله مذعورون من المدارس أو مقتولين في الباصات, بجيل لن يرتضي أرضاً محتلةً ولا
أسرى "منسيين", بجيل لن يحتمي
بدولة خائبة ونخبة تابعة وشركاء وهميين, ولن يرضى الفرار من معركة وإن كان الجمع
ممتداً من تل أبيب مروراً بإسطنبول وواشنطن وصولاً الى الجاهليين الجدد,,, هذا
جمعكم وهنا عاملة, والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق