(التعليق خاص بالمدونة يرجى ذكر ذلك عند إعادة النشر)
يروى أن القائد التاريخي
هنيبعل وأثناء زحفه نحو روما تمت محاصرته في أحد الأودية وأحاط به الرومان من كل
صوب, وللحظات إعتقد من معه أنها النهاية, ولكنه كان محنكاً وصاحب باع في الحرب
وفنونها. في إحدى ليالي الحصار طلب من الجند تجميع ما في المعسكر من ثيران وربط على
قرونها مشاعل وأضاءها وقام بعض الجند بسوقها الى إحد التلال فظن الرومان أن
المشاعل "المتحركة" هي جيش هنيبعل فإتجهت كل القوة االرومانية الى
النقطة التي دُفعت إليها الثيران وعند وصولهم فجراً الى النقطة إكتشفوا الخدعة
وشاهدوا آخر جنود هنيبعل يغادر الوادي من ثغرة أخرى.
بعد ما جرى في العراق ولبنان
وفلسطين ما بين 2001- 2009 كان موقف
الولايات المتحدة في الشرق الأوسط شبيه الى حد كبير بحال هنيبعل, كانت في واد
محاصرة بإنجازات تاريخية لمحور المقاومة, ولم تكن بدائلها السياسية المتاحة حينها
واسعة بل محدودة الى حد بعيد. للمفارقة إستخدمت واشنطن خدعة شبيهة بخدعة هنيبعل,
إذ سارعت واشنطن الى إستدعاء تركيا الى دور جديد في الشرق الأوسط, وطلبت من
السعودين والقطريين الإنخراط المباشر والفاعل في قضايا المنطقة . ومن خلال هذه
القوى الثلاث سعت واشنطن للتحكم بالرأي العام العربي ولا سيما التيار الإسلامي
الذي كان في لحظة صعود بفعل إهتزاز الأنظمة الحليفة لواشنطن في اكثر من ساحة لا
سيما في مصر. ففي الوقت الذي كان يظن محور المقاومة أن تركيا إنقلبت بإتجاه مصالحه
وأن صعود الإخوان المسلمين سيكون أيضا في صالحه, تبين عند إنشقاق "
الفجر" أن هذه القوى لم تكن إلا "ثيران" واشنطن في الليلة الحالكة
.
ولكن ماذا كانت المشاعل؟
حاولت تركيا أن تحدثنا عن فلسطين, عن المقاومة, عن سفينة مرمرة, عن "غضبة"
دافوس, عن جهودها في الملف النووي الإيراني, وعن تقربها من النظام السوري. أما
الإسلاميون فكانت وعودهم على شاكلة "على القدس رايحين شهداء بالملايين",
عن توقهم للحريات والتعددية والتمرد على الهيمنة الأميركية والإستقلال السياسي
والتحالف مع إيران والمقاومة. المرحلة الحالية في الشرق الاوسط هي "للواجهات
الوطنية" اي النخبة الفاسدة بالمرتبطة بقوى الهيمنة الغربية.
كشأن كل الاقاليم النامية في العالم أو الأطراف,
يتحكم المركز "الرأسمالي المعولم" بمنطقتنا من خلال دمج إقتصادياتها
بشكل مشوه في الاقتصاد الدولي ومن خلال نخب فاسدة تابعة وعميلة . لكن هذه النخب
تتمتع بمصادر شرعية وقوة
مختلفة من الدين والمال والتحالفات والإعلام, وتقوم على خدمة الهيمنة الأميركية,
فما الحل؟ عنف ثوري؟ ولكن إشكاليته ان سيأخذ طابع نزاع وحروب اهلية او مذهبية. ام
مواجهة القوة الاميركية - الإسرائيلية مباشرة؟ هذا حصل في لبنان والعراق وفلسطين ,
وحقق نجاحات باهرة, ولكن اليوم أعادت واشنطن الدور "للواجهات الوطنية"
ولحلفائها الإقليميين؟ فما الحل؟ البعض سيجيب بأن الحل في "ثورات
شعبية جذرية الهدف", أو في "نقل معركة الإنقسامات الثقافية والإجتماعية
الى الغرب لتفتيت وحدته", او في "بناء دولة عربية مستقلة متكاملة مع
محيطها" , او في مواجهة الأدوات لا سيما آل سعود, كل الإجابات فيها قدر من
المنطق ولكنها ليست حلاً كافياً في المدى المنظور. هل نحن بحاجة أيضاً الى
"ثيران" من نوع ما؟ سؤال للتفكير اكثر في المعضلة القائمة.
حسام مطر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق