من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

تعليق سياسي 10 - من سقط, المشروع الأورثوذكسي أم الطائف أم القوات؟


حسام مطر 

كان إتهام حزب الله بالسعي لإلغاء المناصفة وإقامة مثالثة بديلة من خلال القوة والتسلط , أحد دعائم الخطاب السياسي والتعبوي  للقوات اللبنانية وحلفاؤها في 14 آذار منذ العام 2005, والذي ساهم بتمددها الملحوظ داخل البيئة المسيحية. كانت القوات وحلفاؤها يعلمون أن المناصفة "المزعومة" قد صادرتها الحريرية السياسية منذ الطائف, وأن المثالثة كانت شبه قائمة وهي أتاحت للحريرية السياسية حتى بعد رحيل الحريري الأب الهيمنة على العملية الإنتخابية وتالياً السياسية بحصة تفوق حجمها الواقعي بكثير. تسقط الهيمنة عندما ينكشف جوهرها, عندما تسقط قشورها وأغطيتها, عندما يرى المهيمن عليهم أنهم خاضعون للهيمنة التي تستبد بحقوقهم, إسقاط الهيمنة يبدأ من إسقاط شرعيتها, هذا ما فعله مشروع القانون الأورثوذكسي بالتحديد.

القوات اللبنانية الحامية للمسيحيين – كما تروج لنفسها - من أطماع حزب الله بحصتهم وذلك "حفظاً للوحدة الوطنية" أقرت بصورة رسمية بالتنازل عن المناصفة لصالح حلفائها في تيار المستقبل وذلك "حفظاً للوحدة الوطنية". تبنت القوات اللبنانية التفسير الذي قدمه حلفاؤها للنص الدستوري, المناصفة تعني التساوي فقط في عدد النواب وليس في القوة التمثيلية, إذا أصبح من الممكن لأي كان المحاججة أن الوزن الديموغرافي هو الذي يحدد حصص الطوائف والمذاهب, ليس في النيابة فحسب, أي عدنا "للعد" الذي إدعى فؤاد السنيورة يوماً أن "العد قد توقف منذ الطائف". بالنسبة لتيار المستقبل هو يتغنى بالمناصفة ما دام المسيحيون لا يطالبون بها بشكل فعلي, ولكن إن طالبوا, تصبح أمراً غير منطقي, إذ كيف ل 40% من السكان أن يختاروا 50% من النواب, فجأة يتذكر المستقبليون المنطق.

أدى المشروع الأورثوذكسي غايته أو غاياته , كشف القوات و"المسيحيين المستقليين" أمام جمهورهم, أخرج هيمنة الحريرية السياسية الى دائرة الضوء, والأهم أنه بث الروح في النقاش حول صلاحية النظام القائم للإستمرار لأن الطائف قائم بجزء منه على تهميش المسيحيين, وسقوط الأوثوذكسي كان بمثابة إقرار رسمي بذلك. وعليه تصبح المطالبة بميثاق تأسيسي جديد أكثر إلحاحاً وجدية وأصبح منطق المستقبل في رفض هذه الحاجة لميثاق جديدة أقل إقناعاً وأكثر إحراجاً.

مجدداً تقاتل القوات بالمسيحيين لتحقيق مشاريع سواها, هذه المرة كانت التضحية القواتية بالمسيحيين في سبيل المعركة بوجه المقاومة, خدمة للمشروع التنويري لبندر بن سلطان. الخطاب التضليلي لقوى 14 آذار خلال السنوات الثماني الماضية فيما يخص المناصفة ليس إلا نموذجاً لإسلوب يشمل سلسلة كاملة من العناوين, والـتأخر في كشف توترات وتناقضات هذا الأسلوب يبدو أنه سمة أيضاً لدى قوى 8 آذار.
لم يسقط المشروع الأورثوذكسي لأنه بالأصل لم يولد ليعيش, سقوطه كان حتمياً, لكن السؤال كان, من سيسقط معه؟ بعد مؤتمري سمير جعجع خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية, أصبح واضحاً من الذي سقط. 

نهاية نظام اليهمنة الأميركية في الشرق الأوسط


مقال نشر في موقع العهد الإخباري, بتاريخ 14\5\2103

حسام مطر
لم يقل وزير الحرب الأميركي تشاك هيغل جديداً عندما صرح منذ أيام أمام "معهد واشنطن" بأن "النظام القديم في الشرق الاوسط يزول وما سيحل محله ما زال مجهولا"، بل الأصح أنه زال وانتهى الى غير رجعة، ولكن البديل نعم ما زال مجهولاً الى حد ما. منذ نهاية الحرب الباردة تمكنت واشنطن من أن تكون قوة هيمنة أحادية في الشرق الأوسط ولم يبدأ ذلك بالتغير الا مع نهاية التسعينيات. لقد نجحت الولايات المتحدة في تحييد مصر والعراق من بنية القوة في المنطقة فيما رسخت تحالفها مع تركيا و"اسرائيل"، الا أن العقبة العصية أمام استمرار هذه الهيمنة كانت الدور الايراني الذي رعى وأدار حلفاً متعدد الطبقات والمهام ومتداخلاً بشكل استراتيجي امتد من سوريا الى لبنان وفلسطين المحتلة مع عمق شعبي يطال مجمل المنطقة العربية.

توافق هيلاري ليفيرت (من معهد جاكسون ) على هذه الخلاصة،حيث رأت بأن سنوات ما بعد 1990 أتاحت للولايات المتحدة بناء "هيمنة في الشرق الأوسط، أي نظام اقليمي امني، سياسي، وشديد العسكرة تقوده الولايات المتحدة، واليوم هذا النظام يختفي أمام أعيننا.... في ظل تغير دراماتيكي في ميزان القوى الاقليمي بعيداً عن الولايات المتحدة لمصلحة ايران وحلفائها".

أدرك الأميركيون بداية هذا التحول في ميزان القوى منذ العام 2000، مع الانسحابات الاسرائيلية من لبنان وغزة ولاحقاً هزيمتي العراق وأفغانستان، ولكن ادارة بوش اعتقدت أنها قادرة على عكس عقارب الساعة من خلال توجيه ضربة استباقية الى المحور الصاعد أي محور المقاومة. في العلاقات الدولية توجد نظرية بخصوص صعود وهبوط قوى الهيمنة وهي تفسر الحرب بين القوى الكبرى كنتيجة لتوازن القوى حينها تبادر القوة المهيمنة الى توجيه "ضربة استباقية" الى القوة "الصاعدة" التي تهدد موقع القوة المهيمنة على رأس النظام الدولي أو الاقليمي، مثلاً يوجد اليوم بعض المتطرفين الأميركيين (أمثال جون بولتون) ممن يدعون لضربة أميركية استباقية للصين الصاعدة. وعليه كانت حرب 2006 هي ضربة "استباقية" أميركية لمحور المقاومة في محاولة أخيرة لاعادة تمكين الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط ووقف صعود محور المقاومة.

كان فشل عدوان تموز بمثابة اعلان عن بداية سقوط النظام الاقليمي القديم في الشرق الأوسط وبدء النظام الاقليمي الجديد الذي ستتراجع فيه هيمنة الولايات المتحدة في الاقليم. هذا الفراغ الأميركي كان ضرورياً لاسقاط النظام العربي الرسمي التابع لها، وكذلك اتاح لروسيا والصين اعادة تعريف مصالحهما القومية في المنطقة بشكل أكثر عمقاً وجرأة. نظرياً، يؤدي سقوط قوة الهيمنة الأحادية الى فترة من الفوضى والاضطراب نتيجة اختلال النظام الذي كانت ترعاه تلك القوة بالاضافة الى التنافس لاشغال الفراغ، وهذا بالضبط ما يحصل في الشرق الأوسط حالياً. وهو ما استجابت له واشنطن بمرونة من خلال الدفع بتركيا وقطر الى المشهد الاقليمي لملء الفراغ والعمل كواجهة للمشروع الأميركي. هدف واشنطن من ذلك هو بناء توازن قوى اقليمي من دون أن تكون بحاجة للتورط مباشرة في المنطقة، وهذا التوازن لا يمكن أن يكتمل الا من خلال اسقاط سوريا في يد المحور الأميركي، وهذا ما يفسر جزئياً حدة المواجهة الاقليمية ـ الدولية في سوريا.

تشاك هيغل : النظام القديم في الشرق الاوسط سيزول
تشاك هيغل : النظام القديم في الشرق الاوسط سيزول 

تمكنت ايران وحلفاؤها من تحقيق انجاز تاريخي في زعزعة نظام الهيمنة الأميركية ـ الاسرائيلية في الشرق الأوسط، ولكن الخصم عنيد، ومرن وموارده هائلة، ويحاول ترميم ما خسره، لذا التحدي الجديد لهذه القوى وشعوب المنطقة يكمن في ايجاد بنية اقليمية يبقى فيها الأميركي والاسرائيلي عاجزَين عن فرض أجندتهما السياسية مع فتح أفق لخلق وتمتين التعاون الاقليمي على مستوى المنطقة. لكن هذه العملية بحاجة لمسار طويل، لا بد من الاستمرار في استنزاف واضعاف الولايات المتحدة لأن هذا سيدفع حلفاء واشنطن في المنطقة نحو امكانية البدء بتعزيز التعاون الاقليمي من خلال اطر مؤسساتية متدرجة لتعزيز التواصل الاقليمي وبناء تفاهمات سياسية وأدوات تنسيق وتشاور وآليات لحل الخلافات وصولاً الى شراكات استراتيجية ومنها الى تكامل اقتصادي، سياسي، وأمني.

وفي ظل هذه الفوضى ترتسم صورة الشرق الأوسط على شكل خرائط العصور الوسطى (حسب تعبير روبرت كابلان) حيث لم تعد الحدود السياسية قائمة الا بقدر الضرورة، فيصبح النفوذ السياسي عابراً للحدود الوطنية بشكل ضبابي، متداخلا ومعقدا، ولا سيما أن الغالبية العظمى من دول المنطقة هي دول ضعيفة وفاشلة والحكومات المركزية مشلولة بالكامل. في هذه المرحلة ترتسم صورة النظام الاقليمي الجديد بتوازنات وقواعد جديدة، ستتزايد أهمية القوى الاقليمية بالتحديد ايران وتركيا، سيصبح دور القوى الدولية في الشرق الأوسط أكثر بروزاً، دور أكثر حضوراً للجماهير والقوى غير الدولية، وصعود للهويات والحساسيات التاريخية. لا يبدو أي من المحورين معنيا بحرب اقليمية كبرى. المحوران يتصارعان ولكن بعض قواعد اللعبة المتفق عليها ضمنياً تؤدي دور صمامات الأمان.

هي لحظة تأسيسية في تاريخ المنطقة، كل خطأ يمكن أن يتحول الى خطأ قاتل، وعلى صانعي القرار محاولة التركيز على فكرة "المصالح المشتركة" لأبناء المنطقة بدل الغوص في الحساسيات الثقافية. كل موقف اليوم يجب أن يستند على حسابات بعيدة الأمد من دون الوقوع ضحية الخوف من اللحظة الراهنة. محور المقاومة أنجز ما لم يكن بالحسبان، لكن الأمور بخواتيمها، هي فرصة تاريخية تستحق كل التضحيات وتحتاج لكثير من الوعي والرؤية. فرصة تكوين شرق أوسط خارج الهيمنة الأميركية وقابل للتطور لما فيه خير شعوبه في الحرية والكرامة والعدالة.

باحث ومحلل سياسي

إخوان مصر في الرمال المتحركة

مقال منشور في صحيفة السفير, العدد 12473, 9\5\2013

حسام مطر


لا يسع المرء إلا أن يبدي العجب من تجربة «الإخوان المسلمين» المأساوية خلال السنتين الماضيتين. توقعنا أمراً أكثر نضجاً إما من خلفية التمني أو حسن الظن، أو ربما هرباً من هاجس التجني. كان واقعيا الاعتقاد بأن الجماعة تعلمت من النظام السابق، من تجارب ثورية وإسلامية سابقة. كان طبيعيا الافتراض أن الجماعة قرأت تحولات الظروف الإقليمية والدولية، تحولات السلطة والقوة، تحولات وسائل التعبئة والإكراه والشرعية وتحولات دور الرأي العام والإعلام. إلا أن الجماعة آثرت التغاضي عن ذلك كله والتركيز على صلاتي الفجر والجمعة للرئيس مرسي في مساجد الأحياء الشعبية.


أخطأت الجماعة عندما اعتبرت أن واشنطن جاهزة للقيام معها بصفقة طويلة الأمد تحصنها من التحديات الداخلية على غرار فترة مبارك. فات «الإخوان» ان واشنطن لا تثق بالإسلاميين إلا بقدر ما يمكن استغلالهم مقابل خصومها، وأن واشنطن متأثرة بالقلق الإسرائيلي من صعود الإسلاميين، وأن واشنطن تدرك أن الجماهير في المنطقة أصبحت معبأة وطليقة، ولا يمكن لها معاداتها بالشكل الفظ كما في السابق. فات الجماعة أن واشنطن غير قادرة او راغبة بمنحها صمامات أمان اقتصادية من دون اعباء سيادية، وغاب عنها أن واشنطن تُفضل في ظل غياب حليف أو وكيل مصري موثوق، أن تقوم سياستها على إدارة توازن هش بين أقطاب اللعبة الداخلية، أي بين العسكر والإسلاميين والليبراليين والناصريين وبقايا النظام البائد. هذه القيود على دور واشنطن في مصر تحدث عنها أيضاً توماس فريدمان، قبل أن يدعو مرسي الى العفو عن رجال النظام السابق من غير المدانين بالقتل، لأن مصر بحاجة لرؤوس اموالهم وكذلك للاستثمارات الأجنبية، بحسب قوله.

سعي «الإخوان» للاستئثار بالسلطة في دولة ضعيفة، عاجزة، كمصر في لحظة اضطراب شاملة كان الإثم الذي لا يغتفر، ولم يعد مهما دوافع ذلك السعي، هل هي التعطش للسلطة؟ الفهم الديني؟ الخوف والحاجة للإحساس بالأمن؟ التمكين؟ أخطاء شركاء الثورة، أم مجرد سوء تقدير؟ إن دولة كمصر في لحظة انتقالية كانت بحاجة لسلطة قائمة على توافقات وطنية واسعة للقوى المناوئة للنظام البائد، وإذ ينتهي الحال بانقسام قوى الثورة بوجه «الإخوان» ومسارعة الطرفين لاستقطاب بقايا النظام القديم لتعديل توازن القوى. وحتى ان السلفيين الذين راهن عليهم «الإخوان»، غادروهم في منتصف الطريق، وهو سلوك متوقع لو فكر الإخوان بطريقة «غير نفقية».
لا تبدو تجربة «الإخوان» مع السلطة فريدة، مثلا يحاجج كل من توماس كاروثرس، ناثان براون، بوجود ميل عام للقوى السلطوية ـ حتى الثورية - بالتفرد والهيمنة حيث تصبح الثورة أداة لشرعية التمدد السلطوي. يتخوف الكاتبان من ان القوة الوازنة لـ«الإخوان» وتشتت القوى المناوئة لهم سيشجعهم على محاولة الهيمنة على مفاصل السلطة ولكن ليس بسبب الإيديولوجية «غير الليبرالية» لهم. يستند الكاتبان الى حالتين تظهران هذا الميل، تجربة المجلس الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا وتجربة حزب العدالة والتنمية التركي. المشكلة هي دائماً في الميل للتوسع السياسي والتكبر اللذين تشترك فيهما القوى السياسية المهيمنة، لا في المشارب الإيديولوجية او الدينية.

حان الوقت ليدرك «الإخوان» أن أكثر ما يمكن لواشنطن فعله هو تقديم جرعات متفاوتة من الدعم، مقسطة، زهيدة، غير مباشرة، ومحدودة الأثر مقابل التزامات إخوانية واضحة، مستمرة، وجوهرية في «تلزيم» الاقتصاد المصري لقوى الاقتصاد النيوليبرالية، وفي ضمان الأمن الإسرائيلي، وفي تقييد النفوذ الإيراني. أي بالمختصر، سياسة العصا والجزرة بأبشع صورها وأكثرها امتهاناً. الأهم أنه كلما توسعت القاعدة السياسية التي يستند إليها «الإخوان» في الداخل، انحصرت حاجتهم للتبعية والالتحاق بالخارج والعكس الصحيح. لا زالت الفرصة سانحة أمام الإخوان للتراجع وإعادة بناء مسارات جديدة، الشراكة مع جبهة الإنقاذ ملحة وبعض التنازلات ضرورية في سبيل بناء شبكة أمان داخلية وإلا سيستمر «الإخوان المسلمون» بالتخبط في رمال مصر المتحركة التي لا تنفع معها حبال النجاة «القصيرة» التي يرميها الأميركيون او حلفاؤهم الإقليميون.

تعليق سياسي 9 - خطوط حمر متبادلة حول دمشق: هل ستقع الحرب؟

(التعليق خاصة بالمدونة ويرجى ذكر ذلك عند إعادة النشر)

حسام مطر

 

الحراك الشعبي السوري الذي بدأ في آذار 2011 سرعان ما تمت مصادرته من الولايات المتحدة وحلفائها, حتى وصل الحال أن أصبحت الأزمة في سوريا في جوهر توازن القوى الإقليمي. الأميركيون والصهاينة والخليجيون المثكولون بهزائم العراق ولبنان وغزة وجدوا في الحدث السوري قشة خلاص, لذا كانت كلما تقدمت الأزمة السورية كانت تبتعد عن مبرراتها الداخلية نحو صراع المحاور الإقليمية, وبناء عليه تطور موقف حزب الله وإيران بشكل تدريجي الى حد التصريح الأبرز لأمين عام حزب الله في خطابه الأخير : إن لسوريا أصدقاء في العالم والمنطقة لن يسمحوا لها أن تسقط بيد واشنطن وتل أبيب. 

 

بعد ساعات من رسم الأمين العام لحزب الله خطاً أحمر في الشأن السوري, سارع المحور المقابل الى تكليف إسرائيل برسم خط أحمر مقابل, وومفاده عدم سماح واشنطن وتل أبيب بسقوط المعارضة ميدانياً أو تلقيها خسائر إستراتيجية. لم تكن الحملة السياسية والإعلامية خلال الأسبوع الفائت بشأن السلاح الكيميائي السوري إلا تمهيداً لغارة الأمس. منذ بداية الأحداث تمت توسعة نطاق الصراع عند كل فشل للمعارضة السورية , فبعد التسليح, تم الإنتقال لفتح الحدود اللبنانية ثم التركية  ثم العراقية وأخيراً الأردنية بموازة التدرج الغربي والعربي في الخطوات السياسية لعزل النظام. أمام كل ذلك كان المحور المقابل يقوم بالإستجابة المتدرجة أيضا, سفن روسية وإيرانية على الشواطىء السورية, دعم لوجيستي وتقني روسي _ إيراني متزايد, موقف سياسي متقدم وأكثر جرأة لحلفاء دمشق, ظهور دور حزب الله في القصير وحي السيدة زينب, وهذه الأخيرة أتاحت انتصارات هامة لصالح الجيش السوري في القصير وريف دمشق وبدا أن "معركة دمشق"  التي لطالما جرى الترويج لها أصبحت من الماضي.

 

هنا لم يكن بإمكان الأميركي والإسرائيلي ترك الأمور فقط للتركي والخليجي بعد عامين من الفشل , كان لا بد من دور مباشر في محاولة لإعادة التوازن الى الصراع. هل يؤدي التدخل الإسرائيلي المباشر الى نشوب حرب؟ هل هذه الحرب من ضرورات التسوية السورية؟ الأميركيون والروس ليسوا معنيين بنشوب معركة إقليمية, الصهاينة وإيران كذلك وإن بدرجة أقل, ولكن في المقابل كلا المحورين ليس في وارد القبول بهزيمة في سوريا, لذا على الأرجح أن تتزايد الإحتكاكات المباشرة ولكن بظل حسابات دقيقة قدر المستطاع. من يعتقد بإمكانية الإستفراد بسوريا وحزب الله يتجاهل الإمكانات المذهلة الكامنة في طهران, والمفاجآت المعقولة من غزة والعراق, الأميركيون والصهاينة يعون ذلك على ما يبدو. 

 

ما أنتجته الضربة الإسرائيلية أنها كشفت بشكل واضح كعين الشمس حقيقة ما وصل إليه الصراع في سوريا, حقيقة الدور المطلوب من المعارضة السورية المسلحة, حقيقة الإنقسام السياسي وليس المذهبي في سوريا. ستتيح الضربة هامش اوسع لدور حزب الله وإيران لأن سردية الخلفيات المذهبية تتراجع أمام التدخل الإسرائيلي ويصبح الرأي العام العربي والإسلامي أكثر أدراكاً لما كان يكرره حزب الله منذ أشهر طويلة حول الأزمة السورية ودور الخارج في مصادرة حراك شريحة من السوريين بفعل بعض قيادات المعارضة المغفلة او التابعة. الرد على الغارة الإسرائيلية ليس قراره في دمشق فقط, بل في طهران بداية ثم في موسكو, فهل يتم تجاهل الغارة مقابل تعزيز الجهد الميداني في الداخل؟ أم تجري محاولة لوضع خط أحمر أمام الدور الإسرائيلي برد موضعي؟ الرد على الغارة يبدو ملحاً لعل فيه الصدمة التي تفتح المسار نحو التسوية السورية وربما تفتح أيضاً بعض البصائر والقلوب العربية وتخرجها من رومنسيتها الثورية الساذجة. في الجوهر لم تكن الغارة الإسرائيلية على دمشق بل على "لن يسمحوا" التي أعلنها السيد نصر الله, هكذا تتجلى الصورة الحقيقية للصراع, فانظروا أين أنتم منه.