من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

ورقة بحثية - حزب الله والتحولات العربية: المواقف والمنطلقات

نشر المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق ورقة بحثية للباحث في العلاقات الدولية حسام مطر تحت عنوان "حزب الله والتحولات العربية: المواقف والمنطلقات", وتقع في 16 صفحة, وفيها خمسة عناوين فرعية.


يرى الباحث ان الشرق الأوسط يمر في لحظة إعادة تشكل تاريخية في ظل جملة تحولات وصراعات أبرزها ما يعرف "بالربيع العربي" الذي أدى لسقوط أنظمة عربية ( مصر , تونس, ليبيا) وتغيير جزئي في أنظمة أخرى ( اليمن) وإستمرار المواجهة في دول أخرى ( سوريا, البحرين). ولكن حتى في الدول التي شهدت نشوء أنظمة جديدة لا زالت الإضطرابات والصراعات تسيطر على المشهد السياسي, إنها مرحلة إنتقالية تمر بها المنطقة بأسرها والتي ستحتاج لأشهر طويلة قبل أن تتبلور محصلتها النهائية. من أبرز ما سيحدد شكل هذه المحصلة هي مواقف وسياسات القوى الإقليمية والدولية تجاه هذه التحولات, وهنا تبرز أهمية فهم موقف ومقاربة حزب الله من هذه الأحداث, بإعتبار أن الحزب بما يملك من نفوذ وتأثير وقوة يجعل منه فاعل سياسي ذا تأثير إقليمي وازن.
وعليه يطرح مطر الأسئلة التالية: إذاً كيف تعامل حزب الله مع التحولات العربية؟ ما منطلقات موقف الحزب من هذه التحولات؟ كيف غيرت هذه التحولات في البيئة الإستراتيجية للمنطقة من منظار مشروع الحزب في مقاومة إسرائيل؟ ما هي الفرص والتحديات التي تثيرها هذه التحولات بالنسبة لحزب الله؟ تهدف هذه  الورقة الى إستكشاف موقف حزب الله من التحولات العربية التي عرفت بإسم "الربيع العربي" التي إنطلقت عام 2011 في تونس ثم مصر وإمتدت لاحقاً الى جملة دول عربية أخرى. سيجري التركيز على فهم خلفيات موقف الحزب من هذه التطورات والمعايير التي إعتمدها لتحديد موقفه منها, ثم مراقبة التغيير في رؤية الحزب لهذه الأحداث كلما تقدمت وتعمقت وتمظهر شكلها وأدوار القوى الخارجية فيها. وللإجابة عن هذه التساؤلات تنقسم الورقة الى المحاور الفرعية التالية:
أولاً: حزب الله والنظام الرسمي العربي: مقاربة تاريخية
ثانياً: بداية التحولات: تونس ومصر
ثالثاً: البحرين وليبيا: التدخل الخارجي والمذهبية
رابعاً: حزب الله والأزمة السورية: التحدي الإستراتيجي
خامساً, حزب الله في سوريا: نقطة تحول

ويختم مطر دراسته بالتالي:

لقد إستطاع خصوم حزب الله من تحوير الأزمة السورية لخلق تعبئة مذهبية واسعة ضمن الاوساط السنية بوجه حزب الله, وهو ما حد من قدرة حزب الله على الإقناع والتأثير داخل تلك الأوساط في هذه اللحظة الإنتقالية الهامة. ويدرك حزب الله جيداً حساسية هذه الإشكالية,الى درجة يكاد لا يخلو خطاب للسيد نصر الله من الإشارة لهذه النقطة, إضافة الى السعي الإعلامي والسياسي والثقافي الحثيث للحزب لمحاربة هذه الظاهرة.
وعلى الرغم من الأزمة السورية لا زال حزب الله مؤيداً للإنتفاضات العربية وينظر إليها بإيجابية, أي لم يدفعه الحدث السوري الى معاداة تلك الإنتفاضات بل رسم خطاً واضحاً بين ما يجري في سوريا وتلك الإنتفاضات. يُقارب حزب الله الصراع في سوريا على انه ذا بعد سياسي وإستراتيجي وليس مذهبي أو إثني, وعليه يؤكد الحزب على أهمية الإصلاح السياسي في سوريا بإعتباره شاناً داخلياً, مع رفض التدخل الغربي والعنف الذي لا علاقة له بالديموقراطية بل لنقل سوريا من موقع الى آخر يخدم المشروع الأميركي – الإسرائيلي في الشرق الأوسط. 
بالمقابل أتاحت هذه التحولات جملة فرص, أسقطت أنظمة مفصلية في المشروع الأميركي من دون ان تنجح واشنطن حتى الان في إيجاد بديل مستقر, التمكن من حفظ موقع سوريا في المعادلة الإقليمية رغم الأضرار التي لحقت بقوتها وفاعليتها, الحضور القومي للتيارات القومية والوطنية في المنطقة العربية والتي تربطها علاقات ممتازة بحزب الله, لا سيما التيارات الناصرية, وجود شرائح أساسية من أحزاب وشخصيات إسلامية معتدلة ترفض الخطاب المذهبي ومنسجمة مع مشروع المقاومة. ثم أن التوتر المذهبي الحالي مرتبط بشكل أساسي بالأزمة السورية بما يعني أنه في النهاية سيعود للتقلص والضمور وحينها يمكن للحزب ترميم جزء كبير من الصدع المذهبي خاصة بالنظر الى أن إنجازات الحزب كحركة مقاومة لا زالت حديثة ومستقرة في الوجدان العربي بشكل واسع.
 إنطلق حزب الله في مواقفه تجاه التحولات العربية من ثوابت واضحة منسجمة مع طبيعته ومشروعه, حق الشعوب في الحريات وضرورة الإصلاح السياسي وتحقيق العدالة الإجتماعية, الأولوية للحوار والوسائل السلمية, رفض التدخل الخارجي, ودرء المخاطر التي يمكن أن تهدد مشروع المقاومة في المنطقة. فرغم كل التطورات التي تعصف بالمنطقة, أكد حزب الله مراراً على اولوية الصراع مع إسرائيل ودعا الأنظمة العربية الجديدة الى دعم خيار الشعوب في المقاومة لا سيما الشعب الفلسطيني وإعطاء هذه القضية اولوية في الخطاب والممارسة, على المستويين الشعبي والرسمي. كل ذلك, لأن التبعية للمشروع الأميركي هي أصل المفاسد في أنظمة المنطقة, ولذا تعامل الحزب مع أن حماية مشروع المقاومة في ظل التحولات هو أولوية تخدم مصالح الشعوب المنتفضة, فلا حريات ولا كرامة ولا سيادة, ولا رفاه وكفاية إقتصادية وأمن وإستقرار في ظل الهيمنة والإحتلال في الشرق الأوسط.



يمكن تحميل الورقة كاملة عبر الرابط التالي:
 http://www.dirasat.net/uploads/item_mak_m/6706826.pdf

مقاربة جديدة لعدوان تموز: الحرب الوقائية

نشر في صحيفة السفير, العدد 12542 بتاريخ 30\7\2013
حسام مطر

سبع سنوات على العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006, ولكن حجم الحرب وتداعياتها ونتائجها يجعل منها صالحة لمزيد من الأسئلة والإجابات. لماذا وقعت تلك الحرب؟ قد يبدو السؤال عبثياً بعد كل ما قُدم من إجابات، ولكن إجابة إضافية قد تبدو غاية في الأهمية، لا سيما في ظل حملة التشويه المستمرة التي يقودها أفرقاء لبنانيون وإقليميون لتحميل «حزب الله» مسؤولية تلك الحرب.
الأسباب الرئيسة التي جرى تقديمها لتفسير الحرب تعددت، من اعتبارها نتيجة لعملية أسر الجنديين، الى سعي إسرائيل لتعزيز ردعها, الى محاولة القضاء على المقاومة, وصولاً الى تحقيق رؤية المحافظين الجدد حول بناء شرق أوسط جديد. إلا أنه يبقى هناك محدد جوهري يقدم تفسيراً أكثر وضوحاً وشمولاً ودقة لسبب تلك الحرب ويكمن ضمن مفهوم «الحرب «الوقائية», فهل كانت حرب العام 2006 حرباً «وقائية»؟

الحرب الوقائية وانزياحات القوة:

الحرب الوقائية، هي الحرب التي تُخاض «الآن» لتجنب مخاطر حرب «لاحقة» بظل ظروف أسوأ. وهذه الحرب بالنسبة لهانز مورغانثو (أحد أبرز منظري النظرية الواقعية في العلاقات الدولية)، هي وسيلة ضرورية لحفظ التوازن في النظام الدولي أو الإقليمي حتى. من أبرز المتغيرات التي تفسر الحرب، هي التحولات او الانزياحات في القوة النسبية بين الدول، او النمو غير المتكافئ للقوة بين قوة «صاعدة» وقوة «هابطة». وبعكس النظرية التقليدية التي تعتبر أن «توازن القوى» يؤدي الى الاستقرار وتراجع فرضية الحرب, فإن أورغانسكي من خلال «نظرية انتقال القوة» يحاجج بأن الحرب تصبح أكثر تحققاً كلما ارتفعت قوة الجهة الصاعدة (التي لا يرضيها الوضع القائم) لتعادل قوة الجهة المتسيدة على النظام (قوة الستاتيكو). وفي هذه الحالة فإن الفرضية الأكثر شيوعاً هي أن «قوة الستاتيكو» ـ التي تكون في طور الأفول ـ هي من تبادر نحو الحرب ضد «القوة الصاعدة» باعتبارها «الفرصة الأخيرة» لوقف صعودها قبل ان توازنها أو تتجاوزها, أي تسعى للاستفادة من ميزة التفوق قبل انعدامها. (جاك ليفي, القوة المتراجعة والدافع الوقائي في الحرب, 1987).
والحرب الوقائية هي غير الحرب الاستباقية، وعلامة التمييز الأساسية بينهما هي في عامل «الوقت», فالحرب الاستباقية تقع كرد على خطر داهم متحقق ومباشر، فيما الحـرب الوقائــية تهــدف لمواجــهة تهــديد ممكن، مستقبلي وغير متحقق لحظة الحرب. لذلك تُصنف الحرب الأميركية على العراق العام 2003 حرباً «وقائية» لا «استباقية», وما روج له المحافظون الجدد في عهد بوش هي فعلياً «الحــروب الوقائية» ولكن بقناع «الضربات الاستباقية», باعتبار أن الأولى مخالفة للقانــون الدولي, فيــما الثانية يُصنــفها كثــير من فقهاء القانون الدولي كعمل مشروع يندرج ضمن مبدأ الدفاع المشروع عن النفس, بينما يرفض آخرون ذلك معتبرين أن هذه الشرعنة تنطوي على تفسير «موسع جداً» لمبدأ الدفاع عن النفس بما يخرجه عن مقاصده.

تحولات القوة في الشرق الأوسط بعد العام 2000:

منذ نهاية الحرب الباردة في المنطقة كان الصراع والتنافس يتشكل بين محورين, أي أن قوة كل لاعب سياسي لا يمكن أن تقاس بمعزل عن قوة المحور الذي ينتمي إليه, وكل مكسب أو إخفاق لهذا اللاعب يؤثر مباشرة في ميزان القوة بين المحورين. الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان العام 2000، كان مؤشراً أن الواقع الجيو ـ إستراتيجي في المنطقة قد بدأ بالتغير, محور المقاومة انتقل نحو مسار «صعود» فيما بدأ المشروع الأميركي مسار «الأفول».
سنوات ما بعد العام 2000 كرست ذلك بوضوح, الانسحاب الإسرائيلي من غزة, الكارثة الأميركية في العراق وأفغانستان, تضرر شديد في صورة وشرعية ونفوذ الولايات المتحدة في المنطقة (أي قوتها الناعمة), تزعزع وقوة وشرعية النظام الرسمي العربي التابع لواشنطن, فشل سياسات واشنطن في لبنان لعزل «حزب الله» منذ العام 2004 حتى العام 2006, توسع النفوذ الإيراني في العراق, ارتفاع غير مسبوق في القوة الناعمة لـ«حزب الله» ومشروعه المقاوم في المنطقة, انتقال المقاومة الفلسطينية الى تحقيق توازن ردع مع «إسرائيل», تمكن النظام السوري من تجاوز عملية انتقال السلطة بعد رحيل حافظ الأسد بشكل هادئ ومستقر, وصعود الأصوليات الجهادية المعادية لواشنطن.
بعد ثلاث سنوات من غزو العراق كان الأميركيون أمام محاولة ضرورية وأخيرة لعكس مسارات القوة في المنطقة, كان لا بد من تحقيق مكسب إستراتيجي يوازي على الأقل الهزيمة الكبرى في العراق, وحينها يمكن إيقاف صعود «محور المقاومة» وعكس ديناميكيات الأفول الأميركي باتجاه الصعود والهيمنة مجدداً. في تلك اللحظة, لم تكن الولايات المتحدة قادرة على ضرب إيران او سوريا, فيما الضربة للمقاومة الفلسطينية في غزة، حتى مع فرض نجاحها، لن ترقى لدرجة المكسب الإستراتيجي، خاصة ان القطاع كان محاصراً ومعزولاً الى حد بعيد. وقعت العين الأميركية على «حزب الله», إذ أن موقعيته, دوره وحجم مساهمته في قوة المحور المنتمي إليه تؤهله بشكل واضح لأن يكون «حجر الزاوية» الذي من خلال هزيمته عسكرياً يمكن تحقيق «انزياح» جوهري في القوة النسبية بين المحورين.
ويصبح هذا التحليل واقعياً أكثر بعدما تبين أن إسرائيل شنت الحرب بقرار أميركي واضح، دفع بها دفعاً نحو المواجهة في ظل تغطية سياسية وديبلوماسية وإعلامية من الولايات المتحدة والقوى العربية التابعة لها. وقد تبين أيضاً أن الحرب الإسرائيلية كانت مقررة بالأصل في شهر أيلول من العام 2006 عشية إحياء «حزب الله» ليوم القدس العالمي. اعتبر الأميركيون أن عملية أسر الجنديين تشكل غطاءً مناسباً لشرعنة العملية العسكرية, ولذلك تقرر تقديم موعدها. وكان جاك ليفي أشار في دراسته الى أن القوة الساعية لحرب وقائية قد تلجأ لاستفزاز الخصم ليقوم بضربة أولى بهدف شرعنة الحرب الوقائية وعزل المستهدف ديبلوماسياً وتعبئة الجمهور خلف خيار الحرب باعتبار المهاجم معتدى عليه, في حالتنا هذه كانت عملية الأسر ذريعةً وغطاءً مناسباً لحرب أميركا الوقائية بوجه محور المقاومة «الصاعد» متمثلاً بـ«حزب الله».

عوامل إضافية تعزز فرضية الدافع الوقائي:

بحسب دراسة جاك ليفي، يزيد الدافع الوقائي عندما تتوفر العوامل التالية: 1ـ قوة تصور المهاجم (قوة الستاتيكو) حول حتمية الحرب المستقبلية مع القوة الصاعدة, وهذا متوفر في المثال الحالي بسبب عمق العداء الإستراتيجي والأيديولوجي بين المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي ومحور المقاومة. 2 ـ توقع المهاجم بأن القوة الصاعدة ستتجاوزه في ميزان القوة، أي تصور المهاجم حول مدى انزياح القوة العسكرية والإمكانات لمصلحة الطرف الآخر. وهذا التقدير كان واضحاً عند الأميركيين، حيث شهدت تلك الحقبة صعود الانتقادات الأميركية الحادة لسياسات بوش الإقليمية، والتي ذهبت الى أن الهزيمة في العراق كانت اشد من هزيمة فيتنام وبتداعيات أكثر خطورة. 3ـ السرعة النسبية لصعود المتحدي بما لا يدع لقوة الهيمنة مجالاً لبدائل سياسية فيندفع بسرعة نحو الخيار العسكري, هذه السرعة كانت جلية بعد العام 2000 كما أشرنا.
ثم هناك عوامل أخرى مثل, العداء التاريخي (متحقق بقوة في المثال الحالي), التنازع الأيديولوجي (متحقق بقوة أيضاً), التماس الجغرافي (متحقق بقــوة أيضاً), الحسابات الخاطئة (مثلا ممكن مراجعة دراســة م. ماثيو الصادرة عن «معهد دراسة الحروب» التابع للجيش الأميركي تحــت عنــوان «أُخذنا عــلى حــين غــرة: حــرب 2006 بين إسرائيــل وحــزب اللــه» 2008), التأثير السياسي للجهاز العسكري (دور وزارة الدفاع الأميركية في عهد بوش), وميل أصحاب القرار للمخاطرة (أحد ابرز خصائص حـقبة بوش في الحــكم).

في الخلاصة:

التفسير الموضوعي لحرب العام 2006, أنها كانت حرباً وقائية بادر إليها المشروع الأميركي في لحظة هبوط بمواجهة محور المقاومة الصاعد, وكان فشل تلك الحرب إيذاناً بنهاية النظام الإقليمي للشرق الأوسط الذي أقامته واشنطن منذ بداية التسعينيات بما ادى الى فراغات عدة أدت لتراجع حلفائه في لبنان, انهيار النظام الرسمي العربي, وتضرر متزايد للردع الإسرائيلي. بعد الحرب تيقن الأميركيون أنهم بحاجة للتراجع وتقليل الخسائر والبدء بإستراتيجية جديدة ناعمة تكشفت لاحقاً مع وصول اوباما للسلطة، حيث راج مذهب «القيادة من الخلف».
من المفيد الاقتباس عن توماس دونللي (محلل سياسات الأمن والدفاع في معهد «الأميركان إنتربرايز») حيث ختم مقاله الأخير بالقول: «نابليون قال مرة عندما تستيقظ الصين سوف يهتز العالم. أميركا ذاهبة نحو النوم وهذا ما يمكن أن يهز العالم أكثر», كما يحدث في الشرق الأوسط الآن.

قراءة شاملة في القرار الأوروبي تجاه حزب الله

موقع العهد الإخباري 24\7\2013



حسام مطر

 
أخيراً فعلها الإتحاد الأوروبي ورضخ للضغوط مصنفاً ما يسمى "الجناح العسكري" لحزب الله على لائحة الإرهاب. القرار الذي بدا واضح المسار خلال الاسابيع الأخيرة، لم يكن صادماً وإن كان مستغرباً. مثلاً في الأيام الماضية استمعت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الاوروبي لشهادة من ماثيو ليفيت (19 صفحة) المتخصص بالترويج للوصمة الإرهابية لحزب الله في العالم (من معهد واشنطن الموالي لإسرائيل)، حيث تولى تضخيم وتزييف تاريخ الحزب في أوروبا ونسب اليه ما لا يخطر بالبال من جرائم وعمليات أمنية. ما جرى كان بمثابة التسوية للإنقسامات داخل الإتحاد، بين عدم إدراج حزب الله ككل على اللائحة  كما كانت تنادي جملة دول، إما قلقاً على قواتها في اليونيفيل او إقتناعاً بضرورة الإستمرار "بالإنخراط" مع حزب الله، وبين وضعه على اللائحة كما نادى الثلاثي الأوروبي ( فرنسا ـ بريطانيا ـ المانيا)، تم التوصل لصيغة وسط ، والإكتفاء بتصنيف الجناح العسكري لحزب الله.

دلالات القرار

1ـ من المفيد الإشارة بداية إلى أنه في ما يخص السياسة الخارجية والدفاع في الاتحاد الاوروبي، لا يزال الإتحاد يخضع لسطوة الدول الكبرى الثلاث ( فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) وبالتالي فإن القرار يعكس إرادة هذه الدول ونخبها بالدرجة الأولى أكثر منه مصالح الإتحاد ككل. فالإندماج الاوروبي سواء في السياسة الخارجية او الدفاع ( تسمى بـ Hard politics، أو السياسات الصلبة) لا زال الأضعف مقارنة بباقي السياسات.
2ـ القرار يؤشر الى فقدان هذه الدول الثلاث الى آليات تأثير أكثر جديّة تجاه حزب الله، فجرى اللجوء الى هذه الخطوة الرمزية الى حد بعيد.
3ـ المسار الذي اتخذه القرار من حيث الوقت والجهد وحدة النقاشات والخلافات بين دول الاتحاد يشير الى أن الاوروبيين لا يتعاملون مع الحزب إلا من باب كونه أصبح لاعباً ذا تأثير إقليمي عميق في الشرق الأوسط.
القرار دليل على التصاق الاتحاد الاوروبي بسياسات واشنطن
القرار دليل على التصاق الاتحاد الاوروبي بسياسات واشنطن
4ـ يتضح من القرار الذي جرى ربطه بشكل مباشر بالأزمة السورية أن الاوروبيين يستخدمون القرار كمدخل لحصة في الأزمة وما سينتج عنها. بعد كل الجهود السياسية والعسكرية لدعم المعارضة السورية تبين للأوروبيين أن اوراق إضافية في الوضع السوري ضرورية مهما كانت محدودية فعاليتها.
5ـ أصبحت الدول الثلاث الاوروبية الكبرى أكثر التصاقا بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط وذلك من باب تعويض الضعف والتراجع الذي أصاب الطرفين في المنطقة.
6ـ توسع تأثير اللوبي الإسرائيلي في دوائر صنع القرار الخارجي لا سيما في باريس.

مخاطر محتملة للقرار على حزب الله
1ـ يساهم القرار في خدمة الجهد الإسرائيلي ـ الأميركي ـ الخليجي لشيطنة حزب الله امام الرأي العام الدولي.
2ـ يقدم القرار ذريعة لـ "إسرائيل" وتشجيعاً لها على الإستمرار بالاعمال العدوانية تجاه لبنان.
3ـ على الارجح ان ينتقل جهد الجهات المحرضة على حزب الله نحو الخطوة التالية أي ادراج حزب الله ككل على لائحة الارهاب الاوروبية.
4ـ مع انه من المستبعد جداً أن يقترن القرار الحالي بأي إجراءات عملية ضمن المدى المنظور ولكن يجب التحسب لذلك. حالياً سيحاول الأوروبيون إرسال رسائل تبريد لحزب الله وسيتم التعامل على أساس ان كل ما له علاقة بحزب الله هو في الأصل لا علاقة له بالجناح العسكري الى أن يثبت العكس. ولكن من الممكن ان يحاول الاوروبيون لاحقاً إستخدام القرار كمنطلق للتهويل بإجراءات عقابية على المغتربين اللبنانيين او التحويلات المالية او بعض المؤسسات. لكن حينها يكون الأوروبيون اتخذوا قرارا بالمواجهة مع حزب الله وهذا ما يحتاج لأدوات لا يتوفر أغلبها لأوروبا المتهالكة.

سلبيات القرار على الاتحاد الاوروبي

1ـ برز الاتحاد كمجرد ملحق بالسياسات الأميركية وانه متأثر بالضغوط الإسرائيلية الى حد بعيد.
2ـ القرار غير قابل للتطبيق حتى من الناحية التقنية لشبه استحالة تمييز الجناح العسكري ضمن منظمة حزب الله.
3ـ سيؤدي القرار الى إضطراب العلاقة مع حزب الله، وهو ما يعني انسداد قنوات التشاور والحوار مع الحزب وهو ما يعتبره كثير من المحللين الأوروبيين ضروريا جدا.
4ـ سيؤدي توتر العلاقة مع حزب الله الى انحسار تأثير الدول الاوروبية الاساسية في السياسة اللبنانية باعتبار ان اي مبادرة لهذه الدول او محاولة تأثير في الداخل لا بد ان تأخذ بالحسبان ضرورة الحوار مع الحزب او الأخذ بمواقفه بعين الاعتبار.
5ـ حتى على المستوى الإقليمي، للحزب دور وتأثير في عدد من الملفات الإقليمية الحساسة التي تهم الأوروبيين، مثل سوريا، فلسطين، والعراق، ولذا تؤمن العلاقات الطيبة مع الحزب مدخلاً نحو هذه الملفات.

القرار الاوروبي فضح شفافية ومصادقية الجهاز السياسي للاتحادالاوروبي
القرار الاوروبي فضح شفافية ومصادقية الجهاز السياسي للاتحادالاوروبي
6ـ يجهد الاوروبيون لإبراز صورة نقية عن الإتحاد كواحة من الديموقراطية والحريات، ثم يصطدمون بهذا الشكل مع إحدى اهم حركات التحرر الوطني في الشرق الاوسط حيث يقدرها عشرات الملايين.
7ـ المسار الذي اتخذته التحقيقات في قضية بلغاريا ( أحد ابرز ذرائع القرار) فضحت الشفافية والمصداقية في الجهاز السياسي والامني في بعض دول الإتحاد. فبعد ان نفت الحكومة البلغارية الجديدة وجود أدلة كافية على ضلوع الحزب في تفجير بورغاس، تعرضت لانتقادات إسرائيلية حادة ومباشرة وحملة إعلامية مركزة.  بعدها زار السفير الإسرائيلي في بلغاريا وزير الخارجية البلغاري الذي أعلن في نهاية اللقاء ان الحكومة البلغارية لم تنف تورط الحزب في العملية بل أنها فقط دعت الإتحاد الأوروبي لعدم تصنيف الحزب على اللائحة الإرهابية بالإستناد حصراً لتفجير بروغاس.

خاتمة
عندما يقول الحزب للأوروبيين وسواهم عن لائحة الإرهاب "بلوها واشربوا ميتها"  فهو لا يتنكر لبعض سلبيات القرار بل يعلن رفضه الخضوع للمنطق الكولونيالي الذي يرى في نفسه قدرة على تصنيف الشعوب ورسم الحد الفاصل بين المشروع وغير المشروع، بين القانوني وغير القانوني، بين الصواب والخطأ. تنطلق قوة المنطق الكولونيالي من "قبول" الآخرين به، ولذا مجرد رفض هذا المنطق او الخضوع لقواعده وتصنيفاته يكفي لتفريغ هذه المنطق من أسس قوته. القرار الاوروبي يجب أن يكون حافزاً لمزيد من التواصل مع الرأي العام الاوروبي بالتحديد سواء من خلال الاعلام او من خلال الجمعيات والمؤسسات والشخصيات الاوروبية المستقلة عن الضغوط السياسية. النخبة السياسية البريطانية والفرنسية لا زالت سجينة التاريخ، الذي لن يكرر نفسه.
* محلل وباحث في العلاقات الدولية

Iranian Foreign Policy: Between Khamenie and Rowhani

Hosam Matar


Hassan Rouhani1.jpg
Will Iran’s foreign policy change with the presidency of Hassan Rowhani? If yes, can this happen against the will of the supreme leader? To answer that it is necessary to discover the distribution of power between them both, such distribution is determined by the constitution, political traditions, informal rules and structures, and personal characteristics (personality, Charisma, and historical record).

  First, The Supreme Leader, has a great symbolic and religious power as acting on behalf of the infallible hidden Imam in leading the Islamic nation (not only Iran). As for the constitution, Article 57 mentions that all the governing authorities in the Islamic republic exercise their powers under the supervision of the Supreme Leader, the Imam of the nation. Article 110 states that he is responsible to determine and supervise the public policies [including foreign policies] after consulting the Expediency Council, and to declare war. Moreover, as for The Supreme National Security Council (SNSC) - the Islamic Republic’s key national defense and security body, Article 176 states that the SNSC’s responsibilities include determining “the defense and national security policies within the framework of general policies determined by the Leader”; this council includes two representatives of the Supreme Leader. Also the Supreme Leader can exert influence at foreign policy by his authority to appoint certain officials, like the commanders of the IRGC, the Joint Sta of the Armed Forces; and special representatives.

   Other factors and informal networks maximize the role of the Supreme Leader at the foreign policy level. The supreme leader can issue Fatwa (Islamic Judgment) related to specific political cases with external impacts (Salman Rushdie case). Moreover, although it is not a constitutionally mandated body, the Strategic Council for Foreign Relations (SCFR) is an important advisory council to the Supreme Leader; Khamenie established it one year after Ahmadinejad presidency, possibly to maintain access to seasoned foreign-policy advice in light of the Ahmadinejad team’s inexperience. Also, following the election of Ahmadinejad in 2005, Khamenie granted the Expediency Council wide “supervisory authority” over the three branches of government, presumably including foreign aairs; many have speculated that this was done to limit Ahmadinejad’s authority.

   In principle, the Supreme Leader determines the general framework and the orientation of the foreign policy, which all the institutions must respect and follow. However, in sensitive cases (as the nuclear issue), moments of crisis, or when the Supreme Leader considers that his instructions are under sever violation, he intervenes in a direct way in the details. However, the Supreme Leader has long exercised influence over the Iranian system through “negative power” by blocking alternative approaches or options, leaving limited options to the president which he can choose from it. These powers of the Supreme Leader offer him the ability to dissolve tensions between Iranian groups and elites regarding foreign policy issues. Patrick Clawson argues that even the Iranian elite does not share a common view on engagement with the international community or the United States; however, the “Office of the Supreme Leader” had handled these divisions relatively well.

Nevertheless, all of this does not mean that the Supreme Leader holds an absolute role in foreign policy or acts without any pressures. The Supreme Leader doesn’t take the decision in a vacuum,” as Sadegh Zibakalam , who advised the campaign of Rowhani, told CNN. The Supreme Leader is constrained relatively by internal political balance of power, public opinion, and the constitutional powers of the president who deals with day-to-day foreign policy and who may take certain decisions, issue statements, or launch diplomatic initiatives that may oblige the regime. Also the Supreme Leader needs information- technical, political and intelligence evaluations- that comes from several sides with different backgrounds, and which have the power to influence his decision. 
In conclusion, we will witness a different style and image in Iran’s foreign policy, less ideological slogans for more pragmatic approach, and more smiles but without weakness. Two main concerns will affect Iran’s foreign policy in Rowhani era, economy and sectarian tensions, the former us related to international politics while the latest is a regional one. It is very possible that there will be limited agreement about the nuclear issue that may lead to reduce tensions and sanctions.  Probably, Iran will get an official recognition as a “nuclear power” with its right to enrich uranium, in return, Iran will grant more guarantees and accept to limit uranium enrichment to low levels.

 On the regional level, Iran will try to ease sectarian tensions mainly in Iraq, Lebanon and Syria, so Iranians will try to open new channels with regional powers and to build confidence with them. However, the main problem is if these regional power will response to Iranian steps or will continue to approach Iran through the American lenses. Any changes in Iran’s foreign policy will not bypass its constants but will be more flexible, and also such changes will not happen against the will of the supreme leader, who is still the “ultimate gatekeeper”.

Hosam Matar: U.S. “Smart” Strategy to Confront Hezbollah





The Consultative Center for Studies and Documentation - Beirut, published a research paper titled “U.S. Smart Strategy to Confront Hezbollah" (12 pages) written by Hosam Matar (an international relations researcher).
 
Matar argues that the end of Israel's aggression in 2006 against Lebanon and its failure to achieve its political objectives against Hezbollah, has led to increase the American involvement in the confrontation against Hezbollah, but on the basis of a new strategy based on soft power. the paper highlights how the American effort was transformed to areas that fall outside the military sphere by trying to target the community which Hezbollah stems from. This was done through the use of media, political and cultural tools in order to form a new image of Hezbollah in the Lebanese and regional conciseness, which make him vulnerable to the possibility of military defeat at the later stage. This U.S. policy aims – according to Matar - to achieve four basic goals: to reduce the legitimacy of the resistance, deepen the national division about its role, isolate it at the external level, and to limit its policy options and flexibility.
 
The paper aims to explore the change in the U.S. policy towards Hezbollah since the 2006 war, as a fundamental, deep and comprehensive change.
The importance of examining this change appears on two levels, first at the theoretical level is allows evaluate the effectiveness of soft power in certain circumstances, a debate which is taking place recently between proponents (Liberals like Joseph Nye, Fareed Zakaria) and opponents (neo-conservatives in particular) of the idea of ​​resorting to soft power. Secondly practical importance in that it allows a better understanding of a series of events and political events, at the Lebanese and regional level, as part of a specific strategy and not the product of improvisation and chance. Then, this in turn allows better ability to predict the shape of confrontation in the foreseeable future at a regional moment characterized by confusion and uncertainty. The paper is based primarily on Joseph Nye concept of soft power that had already developing since the beginning of 1990, in addition to the "the U.S. Government Counter-insurgency Guide”  issued by the U.S. State Department in 2009.
 
The paper is divided into the following sub-headings:

• Soft Power: The magnet instead of the hammer
 
• Hezbollah: "Hydra" cannot be killed 
• The option of soft power: targeting the social incubator
• reduce the National influence of Hezbollah 
• demonizing Hezbollah: the criminal charge
• marginalizing Hezbollah’s message

In conclusion, instead of "hunting" Hezbollah, Washington is seeking to pollute the environment that Hezbollah lives in it, which make it an "alien body" within the national and regional environment which will then isolate Hezbollah, and only then it becomes possible to defeat Hezbollah through war. In the initial analysis, it seems that the U.S. policy achieved many successes, benefiting mainly from the Lebanese social divisions and regional sectarian tension which was deepened by the Syrian crisis by portraying it as a sectarian conflict and not a political and strategic one. Hezbollah seems aware of this situation, but even it will not push him to change his position in the Syrian crisis, Hezbollah is trying to reduce its costs by devoting large effort to interpret and explain his position about the Syrian crisis to the public, particularly through the speeches of its Secretary General Sayyed Hassan Nasrallah who holds mainly this crucial task. 

Matar concludes also that the reality of the Middle East as a region full of weak and failed States accompanied with identity crisis, which means a region falls under the domination of corrupted elites that serves the globalized capitalism, with weak political identities, strength of historical emotions and enmity , and the contradiction between belonging to certain state and a certain cultural group, all that enhances the effectiveness of American soft power in the region against resistance movements as Hezbollah

The final evaluation of this U.S. smart strategy still needs more time because it was originally designed to reshape identities and values, a process that needs many years. Also the region is going through a moment of chaos and therefore we need to observe what will settle after the end of this ugly sectarian tide.
 In addition, Hezbollah experience and historical achievements against “Israel” are still alive has a place in the hearts and minds of Muslims and Arabs even they were faded recently. More importantly, Hezbollah began recently to realize the goals and tools and the nature of the new U.S. police, and to respond to it through media, political, social and cultural policies and steps. But also evaluating Hezbollah’s response needs more time to be studied and tested in a more detailed way in the foreseeable future.

 The full paper can be downloaded from the following link:

ورقة بحثية: تركيا في الشرق الأوسط: بين الطموح وقيود النفوذ




حسام مطر, مجلة شؤون الأوسط, العدد 144, شتاء 2013, ص. 162-172

ملخص الدراسة:
تهتم الورقة بدراسة وتفسير التحولات في السياسة الخارجية لتركية تجاه الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع الماضية, ويظهر من خلال الدراسة ان مبدأ "توازن القوى" كان المبدأ الحاكم للتحولات التركية إضافة الى عوامل ذاتية ثانوية مرتبطة بحزب العدالة والتنمية وتعقيدات اللعبة الداخلية. تركيا اليوم مهتمة بأن تكون بوابة إلزامية للمصالح الدولية في الشرق الأوسط, ولكن من باب الشراكة الإستراتيجية مع الناتو الذي يضمن لها جملة تقديمات امنية وسياسية تمكنها من موازنة المحور المقابل. السلوك التركي في الشرق الأوسط تفسره المصالح القومية بالدرجة الأولى فيما تتراجع المحددات الثقافوية الى مرتبة ثانية او حتى إلى "إداة". وفيما كانت تهيمن المحددات الذاتية في بداية التحول التركي نحو الشرق الأوسط إلا انه مع إختبار الحقائق القاسية في الشرق الأوسط أخذت المعطيات البنيوية والموضوعية تحتل أهمية متقدمة في كواليس صنع القرار التركي. 

مقدمة:
عادت تركيا في السنوات الأخيرة لتمارس دوراً حيوياً في الشرق الأوسط بعد أن أدارت له ظهرها لعقود من الزمن. لم يكن من الممكن لهذه "الإستدارة" أن تكون هادئة لما من تركيا من وزن إستراتيجي في ميزان قوى المنطقة الذي يحفل بدوره بالإشكاليات والصراعات والإضطرابات. وبعد سلسلة تحولات بدأت السياسة الخارجية تستقر نسبياً على منهج محدد, وهو ما يمكن أن يسهم في فهم أسباب "الإستدارة" الشرق أوسطية بالأصل ثم التحولات التي تلتها ووصولاً الى محاولة إستبيان مآلاتها المستقبلية.
تهتم الورقة بالسؤال عن أثر الدور التركي على التوازن الإستراتيجي في المنطقة؟ وهو تساؤل يستبطن جملة من التساؤلات الثانوية, لماذا "الإستدارة" نحو الشرق الأوسط؟ ما سر التوقيت؟ كيف ترى دورها في بيئة عنفية متشظية معقدة كالشرق الأوسط؟هل ترى اللعبة الإقليمية بإعتبارها لعبة صفرية؟ موقفها من صراع المحاور؟ هل تسعى تركية لخلق قواعد لعبة جديدة او انها تلعب وفقاً للقواعد المستقرة في المنطقة؟

محاور الورقة:
أولاً: مرحلة "صفر نزاعات" الرومنسية
ثانياً: التحول الثاني في ظل تحدي التحولات العربي
ثالثاً: هاجس تركيا الإقليمي: التنافس السني- السني
رابعاً: بين تركيا وإيران "الطلاق حرام"
خامساً: المأزق التركي في الأزمة السورية
سادساً: تركيا والغرب "التكيف المتبادل"

الخاتمة:
كما توقعت نظرية الواقعية الجديدة عاد توازن القوى ليحكم السياسات الشرق أوسطية, فظهور الدور التركي في الشرق الأوسط من حيث طبيعته وتوقيته ومراحله كان مرتبطاً بتراجع المشروع الصهوني- الأميركي في المنطقة لا سيما بعد حرب تموز 2006 والإنسحاب من العراق 2009. شكلت سنوات بوش كارثة إستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة حيث تمكن محور الممانعة والمقاومة من تحقيق تقدم عميق وقلب بنية القوة في الشرق الاوسط, في تلك اللحظة كانت الحاجة للاعب جديد ليعيد التوازن الى اللعبة, فكانت تركيا.
بعد الإنسحاب الأميركي من العراق, أصبحت بوابتي تركيا نحو العالم العربي اي سوريا والعراق تحت الـتأثير الإيراني المباشر, وهو ما إعتبره الأتراك وضعاً غير مقبول, وهذا أحد مبررات السياسة التركية تجاه الأزمة السورية. في الوقت الذي يسعى الغرب لعزل إيران يقوم بإتاحة المجال للدور التركي للتمدد في أي فراغ مستجد و "تلزيمه" رعاية التحول السياسي في المنطقة, هنا يظهر التحفز التركي نحو علاقات عميقة مع التيارات الإسلامية التي وصلت للسلطة للتأثير على بناء "الأنظمة الجديدة" منذ بداية تكونها. تحاول تركية بناء قدرات وبرامج وإستثمار موارد ظخمة في سبيل هذه الغاية من خلال مشاريع تنموية, برامج تبادل, زيارات رسمية عالية المستوى, والأبرز وضع أسس لشراكات إستراتيجية مع الدول العربية كما حصل مع تونس في كانون الأول\2012, حيث صرح أردوغان في حفل التوقيع بأننا " سنواصل الوقوف إلى جانبهم. ونعتبر إنجازات تونس إنجازاتنا. وسندعم التحول الديمقراطي والجهود التي تبذل لتحقيق التطور الديمقراطي في تونس". ( مجلس تعاون إستراتيجي تركي- تونسي, موقع قناة الميادين, 26\12\2012)
في المجمل تراهن أنقرة على قوتها الناعمة – وليس العسكرية - بشكل أساسي بهدف التمدد والنفوذ في المنطقة, وتسعى في سبيل ذلك الى إستعمال الخطاب الإسلامي بشكل كثيف, وهو خطاب ينحو تدريجياً نحو المذهبية. ففي الوضع السوري تطغى الخطابة والعروض السياسية والدبلوماسية التركية إلا أن ذلك رغم محدوديته في التأثير على مجريات الأزمة السورية فأنه يؤمن لأنقرة مزيداً من المعجبين والأنصار في العالمين العربي والإسلامي. وتنبع أهمية ذلك من أن الصراع على الشرعية بين القوى الإقليمية في أشد لحظاته, بسبب أن الرأي العام العربي أصبح أكثر إنكشافاً للتأثيرات الخارجية. إن الدور التركي المستجد لم يتحرك خارج الإرادة الإميركية بل كان من تأثيرات إقرار واشنطن بتراجع نفوذها الإقليمي وضمور القوة الإسرائيلية بما يحتم إقامة توازن " إسلامي سني" بوجه طهران.
على الأرجح أن لا يطول الوقت قبل أن نشهد التحول الثالث للسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية بعد أن تكتمل مرحلة النضج, حيث لا بد من القبول بالحد الإقصى الممكن من النفوذ والمكاسب ليبدأ السعي نحو تكريس ذلك الستاتيسكو من خلال جملة خطوات تراجعية وتسويات إقليمية تعترف فيها حكومة اردوغان بحدود المثل وحقائق توازنات القوة من دون ان يعني ذلك خروج تركيا من المعادلة الإقليمية ولكنها ستصبح أكثر تواضعاً وتعقلاً وإلا سيدرك الأتراك حينها كيف أن الشرق الأوسط كائن يهوى تحطيم "الرؤوس الكبيرة".