من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

نقاش "حوار هادىء" لفواز طرابلسي

حسام مطر, موقع الإنتقاد, 25\7\2012

فواز طرابلسيكتب الأستاذ فواز طرابلسي مقالاً اليوم في صحيفة "السفير" تحت عنوان "حوار هادئ في ذكرى حرب تموز" سعى فيه الى التعليق والرد على خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الذكرى السنوية السادسة للنصر الإلهي. لم يشذ ما أورده الاستاذ طرابلسي عما يرد في الفترة الاخيرة من مقالات وكتابات وتصريحات تدين موقف المقاومة من الأزمة السورية، لذا يكتسب الرد على ما ورد في هذه المقالة أهمية أنه سيشمل ضمناً كل تلك المواقف. وسنجمل النقاش والرد بجملة نقاط متسلسلة بحسب سياق الأفكار في مقالة الأستاذ طرابلسي على ان يكون التعليق مباشراً قدر الإمكان:

1
ـ حاول الكاتب تمييع ما أعلنه السيد نصر الله عن "خديعة الصواريخ"، وتساءل عن الهدف من سردها وعن علاقتها بالموضوع السوري. السيد نصر الله برأيي لم يربط الأمر بالموضوع السوري بل كان واضحاً جداً، لو لم يتجاهل الأستاذ طرابلسي ذلك، أن هدف إعلان الخديعة هو القول للإسرائيلي انه في أي ضربة اولى مباغتة تخطط لها مستقبلاً ستكون المقاومة حاضرة للرد المفاجئ كما فعلت في تموز 2006، وهذا الإعلان يعني خلط كثير من الاوراق والخطط العسكرية الإسرائيلية ويشكل عنصر ردع إضافيا، إلا ان السيد طرابلسي تجاهل كل ذلك، فقط من باب التشويش.
2
ـ من قال إن الدعم السوري للمقاومة هو "لوجه الله"؟ بالطبع هذا الدعم بالإساس مرتبط بالمصالح القومية السورية وحساباتها الإستراتيجية في مواجهتها مع الكيان الإسرائيلي، فهل يعني ذلك أن سوريا لم تكن صاحبة فضل، أو أن دورها لم يكن جوهرياً في تغيير ميزان القوى الإقليمي بوجه الحلف الأميركي؟!!!

3
ـ نعم الصواريخ السورية هي فضل من سوريا شعباً ونظاماً وهذا صحيح، ولكن هل نفى السيد نصر الله ذلك؟ أليس للنظام شرائح شعبية واسعة تدعمه؟ وحتى الشرائح المعارضة هل اتخذ الحزب منها موقفاً معادياً؟ ألم يؤيد الحزب مطلب الإصلاح الشامل والحوار ودعا النظام الى عدم استعمال العنف في وجه الحالة الشعبية، ولكن ما عطل ذلك ليس النظام وحده بل القوى الدولية والإقليمية التي سلحت المعارضة "لوجه الله" ودفعتها الى مواجهة دموية رغم تجاوب النظام مع المبادرات الخارجية، وتقرير المراقبين العرب خير شاهد.

4
ـ إن قول السيد نصر الله ان الهدف هو تفكيك الجيش السوري لا ينفي ان يكون النظام ارتكب اخطاءً في هذا المجال، ولكن السيد يستند الى دراسات وأقوال الإسرائيليين والاميركيين لا سيما منذ حرب 2006 عن القوة العسكرية السورية ودورها الجوهري في حسابات المعركة المقبلة. كما ان النظام قد يكون ارتكب أخطاءً في استعمال العنف، ولكن الجيش السوري لا يقاتل الملائكة بل عشرات الالاف من المرتزقة والاجانب والتكفيريين على أرضه الذين لم يرهم السيد طرابلسي حتى الآن.

5
ـ مجدداً إن قول السيد نصر الله إن القوى الخارجية تمنع عملية الإصلاح لا يعني أن النظام بريء تماماً في تأخير هذه العملية، ولكن السيد نصر الله يصف امراً جلياً وهو أن القوى الخارجية غير معنية بتاتاً بالعملية السياسية، فهل عندكم شك بذلك؟ نعم يوجه السيد نصر الله أغلب نقده للطرف المقابل من باب إظهار الوجه الثاني للواقع وهو الوجه الذي يجهد لتغطيته سيل من وسائل الاعلام والكتبة ومليارات النفط العربي.

6
ـ مجدداً تجاهل الكاتب الوقائع، فالحزب ومن معه لا يؤيد فقط حركة الاحتجاج السلمي في البحرين بل في مصر وتونس وليبيا والسعودية، إلا أن الكاتب تجاهل كل مواقف الحزب حول هذه الدول ليرمي عليه تهمة المذهبية. لم يلتفت الكاتب الى أن موقف الحزب من الأحداث في البحرين لم يرقَ الى القول بإسقاط النظام البحريني بل ان الحزب يخاطب المعارضة البحرينية بما يشابه الى حد بعيد خطابه للمعارضة السورية، أي يدعو الى حوار وطني وإصلاحات في النظام البحريني تضمن المساواة والمشاركة السياسية، فأين المذهبية؟ مع العلم أن في البحرين معارضة سلمية بالكامل وفي سوريا معارضة هجينة يغلب عليها المسلحون والتكفيريون المرتزقة.

7
ـ إنّ ترحّم السيد نصر الله على القادة الأربعة كان في سياق حدث استبق مناسبة ظهور السيد بساعات، ولكن ذلك لا ينبغي أن يحجب التصريحات السابقة للحزب عن أسفه وشجبه لأي قطرة دم سورية تسقط. ولكن لم يكرر السيد نصر الله ذلك لـ"عدم خبرته بالمتاجرة بدماء الأبرياء". ثم بالمناسبة لم نعرف من أين حصل الكاتب على رقم "مئات الالاف"، وليس ذلك من باب الاستهانة بالدم ولكن من باب كشف النوايا. ثم لم يخبرنا الكاتب عن رأيه وموقفه من دماء الاف القتلى السوريين الأبرياء الذين سقطوا على يد المعارضة ذبحاً وتفجيراً وإعدامات ميدانية ورمياً من الشرفات!!!

8
ـ في نقد الأستاذ لسياسة الحزب الداخلية نقطة تحتمل النقاش، فربما كان من الأوجب برأيي على الحزب أن يحتذي بجبهة المقاومة الوطنية وأن يشن حرباً داخلية على عملاء اميركا و"إسرائيل" والطائفيين الفاسدين كما فعلت "جمّول" مع اليمين اللبناني، لربما هي الطريق الأمثل نحو الإصلاح في لبنان.

9
ـ ليست سياسة الحزب تجاه سورية منزهة او مثالية، بل متداخلة ومعقدة كما هي الأزمة السورية، ولكن الحزب يقاربها من ناحية اولوية مواجهة قوى استعمارية مندفعة نحو المنطقة، فيما الآخرون يستترون بمقاربة أفلاطونية ـ مثالية أسهمت سابقاً في تحقيقهم نجاحات سياسية باهرة ووقف المشروع الغربي في المنطقة، لربما وجب القول: "المثالية المجردة أفيون الشعوب!!!!". اما بالنسبة للممانعة والمؤامرة، ربما غاب عن ذهن الأستاذ طرابلسي أن الممانعة تمكنت من المؤامرة في مرات عدة، وهل من مؤامرة أكبر من احتلال الأوطان وذلك التحرير شاهد.

اغتيال عرفات ــ الحريري: الدافع واحد

صحيفة الاخبار ,العدد ١٧٦٦, ٢٥ تموز ٢٠١٢


عرفات خارج مقره في رام الله قبل وفاته بأشهر (أرشيف ــ رويترز)
عادت قضية «وفاة» ياسر عرفات بقوة إلى المشهد السياسي ــ الإعلامي أخيراً بفعل بعض التقارير الإعلامية التي عززت الفرضية القائلة بأنّه قتل مسموماً. ولا شك في أن القضية غاية في الأهمية لأسباب عدة، منها موقع الرجل ودوره وتأثيره في القضية الفلسطينية، وإمكانية ربط حادثة الاغتيال بوقائع أخرى مرافقة ومتزامنة معها لا تقل أهمية، وبالتحديد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأيضاً ما يمكن أن يكشفه هذا الحدث أو يؤكده عن الجهة المنفذة والمتواطئين معها. إن مراجعة السياق الزمني والسياسي للفترة التي شهدت مقتل كل من عرفات والحريري، وما تلا ذلك من أحداث في كل من لبنان وفلسطين، تظهر قوة وجدية فرضية الترابط بين الفعلين، سواء لجهة الدافع أو المدبر. إنّ هذا الربط باستناده إلى مضمون سياسي وزماني ليس عبثياً أبداً، بل تبنته منهجياً المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وإن كانت المحكمة وظفته لخدمة اتجاه محدد.

في ما يأتي سنسعى إلى إظهار علاقة الحدثين بسياسة جورج بوش بشكل عام تجاه الشرق الأوسط، وبشكل خاص بالغزو الاميركي للعراق في 2003، وهو بتداعياته كان من الأهم بالنسبة للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كان الغزو الاميركي للعراق يهدف بالمعنى الجيو ــ استراتيجي إلى تثبيت توازن قوى في الشرق الاوسط لمنع المحور الذي تتزعمه إيران من دحر الهيمنة الأميركية في المنطقة، باعتبار أنّ هذا التوازن قد اختل نتيجة الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في 2000 ومن غزة لاحقاً، وانهيار فرص التسوية، إضافة إلى النزف المستمر في شرعية الأنظمة الموالية لواشنطن لمصلحة قوى إسلامية معادية للمشروع الأميركي. كان يراد للعراق أن يصبح منصة أو رأس جسر للانقضاض على سوريا وإيران بالتحديد، إلا أنّ العكس هو ما تحقق تماماً، إذ أصبحت واشنطن محاصرة في العراق بفعل الدور السوري والإيراني في دعم المقاتلين بشكل مباشر أو عبر غض النظر عنهم عند الممرات الحدودية مع العراق، وهذا مثبت بمئات التقارير والدراسات والتصريحات الأميركية.

خلال عام من دخولها العراق، تيقنت إدارة بوش أنّها وقعت بين فكي كماشة، وأنّها أصبحت تحت مطرقة محور المقاومة. وبدل أن تنتشل واشنطن تل أبيب من مأزقها أصبحت شريكة فيه، وبدل أن تعيد الحياة إلى توازن القوى، بدت همينة واشنطن الاقليمية كرماد في ريح عاصف. في مواجهة تلك المعضلة كان لا بد لواشنطن من خلق نقاط ضغط موازية على المحور المقابل، لإرغام سوريا وإيران على التراجع في العراق أو القبول بتسوية ما، فالعقل الاستراتيجي الأميركي مسكون بفكرة «توازن القوة». بالمنطق والحسابات السياسية كان يجب على واشنطن في ظل العجز عن استهداف إيران وسوريا مباشرة أن تختار كلاً من المقاومة في لبنان وفلسطين كنقطتي ضغط موازية، إلا أنّ هذا الضغط لا يمكن إنجازه مباشرة إلا عبر وكلاء واشنطن المحليين في كلا الساحتين اللبنانية والفلسطينية. في هذا السياق صدر في بداية أيلول 2004 القرار الشهير 1559، أي قبل 40 يوماً من ظهور علامات المرض على عرفات (12 تشرين أول) والذي ما لبث أن فارق الحياة في 11 تشرين الثاني 2004، وقد تلاه حدث اغتيال الرئيس الحريري بعد 3 أشهر تقريباً في 14 شباط 2005. كل هذا تم خلال أقل من ستة أشهر.

عند هذه النقطة يبرز التساؤل الجوهري: كيف يخدم كلا الاغتيالين المشروع الاميركي في تلك اللحظة؟ ما كان يريده الأميركي في تلك اللحظة الحرجة من وكلائه هو مواجهة مباشرة وقاسية ــ عبر العزل والتقييد والفتنة ــ مع المقاومة في لبنان وفلسطين، إلى الدرجة التي يرتضي معها الايراني والسوري وقف الضغط على القوات الأميركية في العراق. في فلسطين المرشح لتأدية المهمة هو السلطة بزعامة فتح، وفي لبنان هو تيار المستقبل «السنّي» بمواجهة حزب الله «الشيعي»، كي لا تفقد المواجهة بُعدها المذهبي، وهو أمر لا غنى عنه في سبيل التعبئة الشعبية المذهبية الشاملة. المشكلة هي أنّ عرفات والحريري لم يكونا مستعدين للمهمة، وهذا مردّه إلى حسابات الرجلين وتجربتهما المديدة وواقعيتهما السياسية.

منذ وصول بوش إلى السلطة تفاقمت أزمة عرفات مع تل أبيب وواشنطن اللتين اعتبرتا أنّه لم يعد «شريكاً صالحاً للسلام»، لا سيما بعد كشف سفينة الأسلحة «كارين أي». في 11 أيلول 2002 أعلن البيت الأبيض أنّ بوش لا يزال يريد رحيل عرفات، وفي 27 آب 2003 احتج البيت الأبيض على قرار عرفات تعيين مستشار جديد للأمن القومي، قائلاً إنّه «ينتقص من جهود رئيس الوزراء الإصلاحي، محمود عباس، ويضعف خطة السلام التي تدعمها الولايات المتحدة.» وفي 14 تموز 2004 أبلغ تيري رود لارسن مجلس الأمن أن الأراضي الفلسطينية «تتوجه تدريجاً إلى الفوضى»، وأن عرفات يظهر «عدم رغبة سياسية» في إصلاح السلطة الفلسطينية»، وفق ما تنص عليه خطة «خارطة الطريق». وعقب إعلان وفاته، أعرب بوش عن تعازيه بعرفات، ووصف رحيله بأنّه «لحظة مهمة» في سعي الفلسطينيين نحو السلام وتحقيق دولتهم المستقلة. ومن جانبه قال شارون إنّ وفاة عرفات يمكن أن «تكون نقطة تحول من أجل السلام إذا أوقف الفلسطينيون الإرهاب وشنّوا حرباً ضده». فهل كان لعرفات هذا أن يكون شريكاً للولايات المتحدة في تلك اللحظة للصدام مع المقاومة الفلسطينية؟ بالتأكيد لا، بل إنّ التحريض عليه وإلغاء دوره لمصلحة عباس كانا جليين بشكل لا يحتمل أي لبس.

أما الرئيس الحريري فكان صاحب حسابات بعيدة الأمد، وأسلوب تدريجي ــ احتوائي لا يميل إلى المواجهة المباشرة. يدرك بحنكته نتائج الصدام المباشر مع المقاومة، وسلوكه منذ منتصف التسعينيات مع حزب الله يثبت ذلك. قبل اغتياله بأيام كان يعقد اجتماعات مفتوحة مع الأمين العام للحزب لصياغة توافق انتخابي ــ سياسي، ورغم صدامه مع الرئيس لحود، أذعن للضغط السوري في ما يخص التمديد. والأهم أنّه حتى لو ارتضى الحريري الدور الذي كانت تريده إدارة بوش له حينها، فإنه كان ليجد صعوبة بالغة في تعبئة السنّة في مواجهة المقاومة. ولذا، فالتخلص من الحريري كان يفتح المجال لشخصية قادرة على أداء الدور المطلوب، والأهم أنّه حدث ضروري لتعبئة السنّة في وجه سوريا والمقاومة بفعل التحريض الإعلامي والسياسي.

بعد كلا الاغتيالين أخذت الأحداث مساراً مماثلاً في كلا الساحتين. تصدى كل من محمود عباس وفؤاد السنيورة لخوض المواجهة. شخصيتان تتشابهان سياسياً إلى حدّ التوأمة، وكانتا تفتقدان حينها أي رمزية قيادية، متحررتين من عبء التاريخ الشخصي والسياسي. لقد قُدّما على أنّهما استمرار لمسيرة السلف لإضفاء هالة من الشرعية، والأهم أنّهما استمدا حضورهما في السلطة فقط من حاجة المشروع الاميركي إلى دورهما. كانا طيّعين إلى أقصى الحدود وجاهزين للمواجهة. خلال السنوات ما بين 2005-2010 تعرض حزب الله وحركة حماس لتحديات متشابهة، تكفّل السنيورة وعباس عبر قيادتهما لحركتين سياسيتين في المساهمة بخلقها أو إيجاد البيئة الملائمة لها: حروب إسرائيلية طاحنة عامي 2006 و 2008 والأهم الفتنة الداخلية في غزة 2007 وبيروت 2008. إن هذه الأحداث رغم فشلها في انتشال واشنطن من مأزقها العراقي، إلا أنّها خلقت كتلاً محلية بوجه المقاومة وانقساماً حاداً حول شرعيتها الوطنية واستنزافاً سياسياً متواصلاً.

في الخلاصة، إن ربط الحدثين زمنياً وموضوعياً يمكن أن يسهم في كشف بعض الغموض ويتيح فهماً أفضل لمجريات الاحداث السياسية خلال تلك المرحلة الحساسة، إلى الآن. العقل المدبر في كلا الجريمتين هو ذاته، هدفه خلق ظروف تسمح له بالانقضاض على «رأس الرمح» في محور المقاومة، أي حزب الله والمقاومة الفلسطينية، بهدف إضعاف قبضتي هذا المحور، أي إيران وسوريا، في الملف العراقي حينها. إذاً بالاتهام السياسي، الولايات المتحدة هي الرأس المدبر، والضحية الحقيقية هي شعوب اقتنعت بأن المجني عليهما قتلا لأسباب مذهبية أو سلطوية. هكذا أرادها القاتل الحقيقي أن تؤمن، لعل هذا الربط يدفع البعض إلى أن يدرك أو على الأقل ليحتمل أن العنوان الحقيقي في تلك الفوضى كلها هو رأس المقاومة.


حسام مطر
* باحث لبناني


كيف تستهدف أميركا حزب الله؟





 نشرت هذه المقالة عبر صحيفة السفير اللبنانية العدد 12239 بتاريخ 23\7\2012

Hezbollah_march_beirut_1105ست سنوات على نهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان, الحرب التي حفرت عميقاً في الوعي السياسي- العسكري الإسرائيلي, وشكلت حافزاً لموجة من الدراسات والأبحاث العسكرية والإستراتيجية في تل أبيب وواشنطن, وعليه كانت الخلاصة الأهم: لا يهزم حزب الله عسكرياً. من تلك الخلاصة تشكلت ملامح السياسة الجديدة, تغيير الملعب واللعبة والأدوات والقواعد, إنها سياسة الدمج بين القوة الناعمة والصلبة أو ما يحلو لجوزيف ناي تسميته "بالقوة الذكية" وإن كانت عبارة ناي تلك غير موفقة تماماً فالأصح أنها "إستراتيجية ذكية", أو كما عاد وأطلق عليه ناي "الإستراتيجية الليبرالية – الواقعية". إذاً هي ست سنوات من حرب جديدة , خلاصة تجارب ودراسات وابحاث, مجبولة بالدم والهزائم والاستنزاف الاميركي- الإسرائيلي في العراق وأفغانستان ولبنان. 

خيار القوة الناعمة: إستهداف الحاضنة البشرية
القوة الناعمة – بحسب منظريها - من شأنها ترميم شرعية الولايات المتحدة في المنطقة وتحد من النزف الاميركي في الموارد والقدرات, وتفتح مسارات جديدة  للتأثير والنفوذ, وهو ما يتيح لواشنطن إعادة إنتاج هيمنتها بما يتلاءم مع بنية القوة في الشرق الاوسط. لقد كان انطونيو غرامشي مدركاً ذلك منذ العام 1925 بقوله " إن إحدى العقبات الرئيسية أمام التغيير هي أن القوى المهيمنة تعيد إنتاج إيديولوجية الهيمنة". تستند فكرة القوة الناعمة إلى تغيير الأفكار والقيم والمعايير والتفضيلات لدى المستهدف بما يسمح لقوة الهيمنة بإعادة إنتاج هوية ومصالح المستهدف بالشكل الذي يلائمها. إذاً هي قوة لا تستند الى القهر والزجر بل الى ثلاث "وسائل تعاونية" الجذب والاقناع وتحديد الاجندات (جوزيف ناي – كتاب مستقبل القوة, 2011)
القوة هنا ليست أمر "تملكياً" أي تحدد فقط بما يحوزه طرف ما من موارد (كما في القوة الصلبة) بل هي "علاقة تبادلية" أي ليس لها قيمة ثابتة بل متغيرة بحسب الخصم المقابل وإطار الصراع وزمانه ومكانه ووسائله. وعليه وإن كان يمكن قياس القوة الصلبة من خلال المدخلات, فإن القوة الناعمة تقاس مبدئياً بالمخرجات ولذلك يحتل المستهدف أهمية وازنة في تحديد هذه القوة. فالقوة الناعمة لا يمكن قياس نتائجها إلا بناء على المعاني والافكار التي كونها المستهدف بُعيد إخضاعه لتأثيرات هذه القوة. إن فعالية القوة الناعمة تتحدد غالباً بمدى ما تحققه من قبول, وشرعية, وانجذاب عند المستهدف.
 
ففي زمن التهديدات اللامتماثلة والعولمة والمصالح المتداخلة والثورة المعلوماتية تصبح القوة الصلبة محدودة التأثير وهو ما أثبتته التجارب في العراق ولبنان وفلسطين وافغانستان. ولذلك من الامثل لقوى الهيمنة أن توجه مواردها نحو الضغط وإعادة تشكيل البنى الاجتماعية, والاقتصادية, والفكرية, والثقافية القائمة، وهو ما يصطلح على تسميته " السياسة الخارجية البنيوية" . بناء على ما تقدم صاغت الولايات المتحدة "الدليل الأميركي لمكافحة حركات التمرد" الصادر عن وزارة الخارجية عام 2009, ومنه يمكن الانطلاق لفهم السياسة الأميركية المتبعة  لمواجهة حزب الله.
تمتاز الإستراتيجية المتبعة منذ حرب  2006 بخصائص عدة وأهمها: أنها متمحورة حول السكان وليس العدو ذاته أي تستهدف البيئة الحاضنة للمقاومة على مختلف مستوياتها المحلية - الوطنية – ما فوق الوطنية, ثانياً يغلب عليها الجهد المدني- السياسي.  ثالثاً, مركبة على مستوى الأدوات والفاعلين, ورابعاً تعتمد على معالجة "جذور" حالة المقاومة وليس ظواهرها. إلا أن الخاصية الأولى هي الأبرز. منذ 2006 نقل المحور الإميركي جهوده الى المستوى المجتمعي, أي الى مستوى القيم والافكار واللغة والخطاب والمفردات والهوية, ومنها لإعادة تشكيل كاملة لحالة "المقاومة" وإنتاج صورة جديدة لها. وبحسب الدليل الأميركي فإن عزل المقاومة شعبياً يتحقق عبر:
أ‌-     قطع العلاقات المالية, والإيديولوجية, وحالة الخوف بين المقاومة والسكان, أي أن الرؤية الأميركية تصنف العلاقة بين الطرفين بناء على دوافع ثلاثة: المنفعة, الرضوخ والانتماء العقائدي. وعليه فالمطلوب هو برامج وسياسات تهدف الى تأمين جملة من الخدمات والمنافع سواء عبر أجهزة الدولة, أم عبر منظمات وأحزاب حليفة أم عبر برامج دعم وتوظيف خارجية حكومية وغير حكومية بما يحد من فعالية الدافع الاول ويخلق بديلاً اقتصاديا داخل البيئة الشيعية بالتحديد. يضاف الى ذلك السعي الى إضعاف البنية العقائدية والدينية في الوسط الشيعي لا سيما تلك ذات البعد الثوري, وأخيراً تشجيع حالة الرفض والتمرد على خيارات المقاومة السياسية تحت عناوين مختلفة.
ب‌-                       البحث عن خطوط التفسخ, أي حيث يكون تقاطع المصالح بين المقاومة وطرف مؤيد لها او حليف هو الأضعف, ثم القيام بوضع إسفين في هذا الفسخ عبر استخدام اسلوب العصا والجزرة, وهذا ما تشجعه الولايات المتحدة من خلال استقطاب او إخافة القوى الحليفة للمقاومة لا سيما مع من تعتقد واشنطن ان علاقتهم بالمقاومة ظرفية أو هشة, وهو ما حاولته مع حركة أمل والتيار الوطني الحر وبعض القوى السنية, ويبدو من هذه الناحية أن نجاحها كان محصوراً الى حد كبير بالبيئة السنية لأسباب خاصة.
ج- يجب التصالح مع أو عزل الشخصيات التي تنتمي للمقاومة ولها صلات شخصية تلعب دور الوصل بين قيادة المقاومة ومجموعات اجتماعية محددة (عائلية, عشائرية, مناطقية ). وفي هذا الإطار يمكن ملاحظة دور بعض رجال الدين والشخصيات الاجتماعية والسياسية الشيعية بالتحديد أو المنتمين سابقاً للمقاومة وسعيهم لتحييد جزء من البيئة المتأثرة بهم عن مشروع المقاومة, وما كشفته وثائق ويكيليكس في هذا الاتجاه أكثر من كافٍ.(أنظر مثلا الى دارسة "المستقلون الشيعة في لبنان: ماذا تخبرنا ويكيليكس عن الجهود الأميركية لأيجاد بديل لحزب الله", مركز غلوريا الإسرائيلي, 22 كانون أول  2011)

جدلية المقاومة والحكومة:

اما على مستوى علاقة المقاومة بالسلطة السياسية أو الحكومة, فتفترض الإستراتيجية الأميركية كما يظهر في الدليل المذكور, ان مواجهة المقاومة تقتضي تمتين سلطة الحكومة الشرعية, إذ إن نفوذ أحدهما مرتبط بالآخر, أي يتحركان آلياً بطريقة متعاكسة. إن كل جهد يعزز سلطة الحكومة يقضم من نفوذ المقاومة. بهذا المعنى تستند فعالية مكافحة التمرد/ المقاومة إلى تحقيق توازن دقيق بين بُعدين: بُعد "تدميري" لحركة التمرد/المقاومة وبُعد "بنائي" لحكومة شرعية وفعالة. ويستند قياس هذه الفعالية الى النقاط التالية:
-       إذا أصبحت الحكومة تتمتع بالشرعية مع وجود مؤسسات فعالة على كافة المستويات لتلبية حاجات السكان بما فيها من آليات لمواجهة المظالم التي كان يستغلها المتمردون/ المقاومة.
-       إذا تم تهميش وعزل وفصل حركة التمرد/ المقاومة وقادتها عن السكان, وهذا يتم بصور مختلفة منها: إشاعة قيم وسلوكيات مختلفة عن عقيدة المقاومة الدينية والسياسية, شيطنة المقاومة بإظهارها ميليشيا مذهبية إجرامية غارقة في الفساد الداخلي ومتعطشة للعنف (حملة أحب الحياة), الترويج لفكرة تبعيتها لجهات خارجية, إشاعة الشك حول صدقية قيادتها, وإبراز تناقض المصالح بينها وبين شرائح اجتماعية مختلفة.
-       إذا تم حل أو إنهاء حال التعبئة أو دمج قوات المتمردين/المقاومة المسلحة بالبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدولة, وهو "للمصادفة" ما تطرحه بعض قوى 14 آذار في سياق الحديث عن حل "لمشكلة" سلاح المقاومة, كالفكرة القائلة بدمجه بالجيش اللبناني.
 
منذ انطلاقة حزب الله كحركة مقاومة سعت واشنطن الى احتوائه من خلال "الدولة". وكانت ذروة تلك المحاولات عام 1993 عندما اتفق الأقطاب السياسيون آنذاك على خطة لإرسال الجيش الى الجنوب, والتي حال دون تطبيقها تدخل الرئيس السوري حافظ الأسد, وهي الحادثة التي عززت علاقة الثقة والتعاون بين الحزب والقيادة السورية بشكل مباشر. طوال فترة الوجود السوري في لبنان كان الحزب مطمئناً لقدرة الدور السوري على ردع السلطة اللبنانية عن التآمر على المقاومة والتصادم معها, وهو ما تحقق وأتاح للحزب التحلل من الملفات الداخلية وتعقيداتها. إلا أن ذلك لم يعد ممكناً في ظل القرار 1559 واغتيال الرئيس الحريري ومن ثم الانسحاب السوري.
في المرحلة التالية, استفادت واشنطن من الفراغ السياسي-الأمني الذي تركه الانسحاب السوري من لبنان لبناء حالة محلية هدفها استنزاف المقاومة وعزلها. بما أن المطلوب هو إظهار الحزب كميليشيا مذهبية خارجة على الشرعية الوطنية كان لا بد من وضعها في حال صدام مع السلطات الشرعية ولذا كان فوز 14 آذار في الانتخابات ضرورياً وهو ما كان لا سيما بعد الانقلاب على التحالف الرباعي ولاحقاً خروج الوزراء الشيعة من الحكومة. طوال تلك الفترة الممتدة من 2005 اعتقدت واشنطن أن بإمكانها عزل المقاومة عن السلطة كلياً تمهيداً للصدام معها, وفي سبيل ذلك قدمت واشنطن دعماً مادياً ولوجيستياً بارزاً للقوات الأمنية اللبنانية لا سيما قوى الأمن الداخلي التي تطمئن واشنطن لها. ولكن التركيبة اللبنانية وقوة المقاومة السياسية ومروحة تحالفاتها السياسية حالت دون إقصاء الحزب وعزله, وبقي الصدام مع الحزب في أغلبه من داخل الحكومة وليس من خارجها. وبالنتيجة تحولت سياسة واشنطن نحو إغراق الحزب في الفوضى الداخلية ولا سيما في السنتين الأخيرتين, اي محاولة إغراقه في فوضى السلطة, بفراغها وفسادها.  

المعرفة والتأثير في الإستراتيجية الأميركية:
تستند الإستراتيجية الأميركية على عدة مكونات, منها مكون أمني, اقتصادي, والأبرز المكون المعلوماتي. المعلومات هي العنصر المؤسس لكافة الأنشطة وهي تنقسم الى اتجاهين: المعرفة والتأثير.
-المعرفة بالخصم وقبله بالسكان, وهي المعلومات الضرورية لتأسيس مقاربة محددة تجاه الخصم. ويمكن ان تنقسم هذه المعرفة الى مستويات عدة: معرفة إستراتيجية (معرفة العوامل الجذرية للمقاومة)، معرفة عملياتية (فهم نقاط القوة والضعف)، معرفة تكتيكية ( أفرادها الفاعلين, قدراتها, نواياها, فهم تصورات وهموم واهتمامات المتعاطفين معها). يقدر الأميركيون – كما يرد في دليل مكافحة التمرد - أن "المصدر الإنساني للمعلومات عبر المدنيين او المعتقلين أو المنشقين عن المنظمة كان له المساهمة الأكبر في نجاح مكافحة حركات التمرد", وهو ما يفسر هذا الاهتمام الإميركي الكبير باختراق جسم المقاومة كما يظهر في الفترة الأخيرة.
-التأثير: إن فعالية إستراتيجية مواجهة المقاومة يجب أن تستند إلى قدرة تشكيل آراء مجموعات مختلفة من السكان من خلال إرسال الرسائل والأفعال. إن هذه القدرة في الـتأثير يجب أن تطال الدولة المعنية, الشعب الأميركي, الدول المجاورة ومجتمعات المهاجرين. يجب أن تكون الرسائل الموجهة لكل طرف مناسبة له من دون ان تقع هذه الرسائل في التناقض وهذا ما يمكن تجنبه عبر انطلاق هذه الرسائل من إستراتيجية واحدة. إن إستراتيجية التأثير يجب ان:
أ‌-     تخاطب الدوافع العقائدية, والاجتماعية, والثقافية والسياسية التي تؤثر أو تولد حساً بالمصلحة العامة والهوية المشتركة لدى السكان المستهدفين والولايات المتحدة. في هذا السياق نستذكر تكرار 14 آذار لعبارة "تقاطع المصالح مع الولايات المتحدة" كما في مسألة سلاح المقاومة, والموقف من سوريا وإيران, ورفض مساندة المقاومة الفلسطينية وكل ذلك بحجج ظاهرها السيادة والحرية والاستقلال.
ب‌-                       كما يجب أن تسعى إستراتيجية التأثير الى تهميش أيديولوجية المتمردين بين السكان وكذلك الى كشف التوترات في الدوافع داخل حركة المتمردين, وهو ما يجري من خلال بث اخبار وشائعات عن دوافع مالية, وإجرامية, ومذهبية, وسلطوية لمراكز القرار في حزب الله .
في سبيل رفع فعالية التأثير من الأفضل أن تتولى جهات محلية توجيه الرسائل المطلوبة للتأثير على السكان (مسؤولون رسميون, قوى سياسية, إعلاميون), كما أن هذه الرسائل يجب أن تكون بسيطة, قابلة للرسوخ في الذاكرة. وهذا يستلزم " تحليلاً تفصيلياً للجمهور" لكل جزء متمايز من السكان (شيعة, سنة, مسيحيين ..) بالإضافة الى مقاييس موثوقة لقياس هذه الفعالية. فمثلاً في الخطاب الموجه للمسيحيين يتم التركيز على الرسائل التي تبرز تناقض سلاح المقاومة مع مفهوم الدولة والشرعية, مع السنّة التركيز على الهيمنة السياسية والمذهبية للمقاومة, مع الشيعة على الأعباء والمخاطر التي ينتجها سلوك الحزب على الشيعة ككل. إذاً الأدوات التنفيذية هي ادوات محلية فيما الأميركيون في الكواليس. لا يعني ذلك ان كل من اختلف مع المقاومة هو "عميل". ولكن من السذاجة البالغة أيضاً إنكار الدور المتواطىء الذي يمارسه كثير من خصوم المقاومة المحليين فالخلاف بين المقاومة و14 آذار في أغلبه مرتبط بهذه النقطة وليس له علاقة بالسياسة الداخلية, وهو ما يجعل حدث 7 أيار عام 2008 حدثاً مفهوماً.
يعتبر الإعلام بكافة تنويعاته هو الوسيلة الأبرز في  توجيه هذه الرسائل. ولكن من التحولات التي برزت في السنوات الأخيرة الاعتماد الأميركي على وسائل إعلام محلية لإيصال الرسائل وذلك لكونها اكثر قدرة على محاكاة الخصوصيات ولا تثير الشبهة والريبة واكثر وصولاً للمشاهد وكذلك أقل كلفة من تشييد وسائل إعلام أميركية تبث باللغة العربية. فمؤسسة راند الأميركية مثلاً أوصت بأن " راديو سوا والحرة جرى تصورهما كأدوات للحكومة الاميركية, ورغم كلفتهما العالية إلا أنهما لم يحققا نتائج في تشكيل مواقف ايجابية تجاه الولايات المتحدة. إننا نعتقد بأن التمويل المبذول لإذاعة سوا وقناة الحرة من الافضل أن يوجه الى وسائل الاعلام المحلية والصحافيين المحليين المؤيدين للديموقراطية والتعددية". (بناء شبكات إسلامية معتدلة, 2007). وفي تسريبات ويكيليكس يشير السفير الأميركي في السعودية الى تأثير أحد البرامج الأميركية التي تبثها MBC على المجتمع السعودي والمرأة تحديداً. وفي السنوات الأخيرة يمكن ملاحظة الكم الملفت من المواقع الإلكترونية والصحف والقنوات التلفزيونية اللبنانية والعربية التي تكرس جهداً وموارد للتركيز على حزب الله وهي تتصف بتمويل سخي وتقنيات عالية وقدرة متقدمة للوصول الى الجمهور.
وفي سياق "التأثير" ولكن من الجهة المقابلة يجب على إستراتيجية مواجهة المقاومة -وبحسب الدليل المذكور- أن "تمنع الخصم من جمع المعلومات وكذلك من إستخدامها للتأثير على البيئة المعنية. ويجب ان تكون الرسائل الموجهة كردة فعل على رسائل الخصم سريعة لمنع رسائله من الرسوخ في ذهن السكان". لا يكاد ينهي الأمين العام لحزب الله خطاباً إلا وتتوالى الردود عليه خلال دقائق وعلى مدى أيام والهدف التشويش على رسالة الخطاب ووضعها في متاهة الردود المتبادلة والصخب الإعلامي. في ذات السياق يجري أحياناً التركيز على تفاصيل غير ذات أهمية رافقت ظهور السيد, مثلاً الضجة التي أثيرت حول وشم سيف ذي الفقار على معصم أحد مرافقي السيد نصر الله أثناء إطلالته العاشورائية المفاجئة على المنصة العام الماضي, حتى أن صحيفة الشرق الأوسط أفردت مقالاً خاصاً للحديث عن هذا الوشم وأثارته من زاوية مذهبية.
 

سعت الإستراتيجية الأميركية تجاه حزب الله خلال السنوات الست الماضية الى أربع غايات أساسية: تقليص شرعية المقاومة, تعميق الانقسام الوطني حول دورها, عزلها على المستوى الخارجي, وتقييد خياراتها السياسية وقدرتها على المبادرة. هذه الغايات من شأنها عند حد معين أن تجعل من هزيمة المقاومة عسكرياً أمراً واقعياً كما يعتقد الأميركيون. في الخلاصة, بدل "اصطياد" حزب الله  تسعى واشنطن الى تلويث المحيط الذي يسبح فيه, أي جعل الحزب "جسماً غريباً" داخل البيئة الوطنية والإقليمية بحيث تنبذه تلك البيئة التي يتحرك فيها ومنها, وحينها فقط تصبح فرضية القضاء عليه عسكرياً متاحة. وعليه, في المقابل هناك حاجة ملحة لإستراتيجية شاملة مقابلة وليس فقط جملة ردود فعل عشوائية, والأهم أن المواجهة واكثر من أي وقت مضى ليست مسؤولية الحزب كمنظمة فقط, بل مسؤولية كل فرد وجماعة -مهما إختلف موقعها- وقفوا في 14 آب 2006 وقالوا بالبسمة والدمع: إنتصرنا. 

حسام مطر - كاتب وأكاديمي لبناني

 (ملاحظة الفقرات باللون الأحمر لم ترد في النص المنشور في السفير نظراً لإضطرار المحرر لحذفها بما يتلاءم مع المساحة المتوفرة للمقال على ما يبدو).