من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

ما قبل المجزرة: إسرائيل تشيطن النروج


بادرت مؤسسة الشؤون العالمية لليهود منذ أيام الى إرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني, ومضمون الرسالة  هو دراسة أصدرها مركز أورشاليم للشؤون العامة – مركز دراسات إسرائيلي- إلا أن الملفت هو عنوان الدراسة  الصادرة عام  2008: "خلف القناع الإنساني: الدول الإسكندنافية, إسرائيل واليهود". لا شك أنه لو وصلت هذه الرسالة قبل بضعة أسابيع لما أعرناها إهتماماً إستثنائياً, إلا ان وصولها بعد المجزرة المروعة التي وقعت مؤخراً في النروج والتي إرتكبها يميني أصولي متيم بإسرائيل, جعل من الدراسة امراً لافتاً.
تقع الدراسة في 256 صفحة  وهي تركز على تجذر معاداة السامية واليهودية والعداء لإسرائيل في الدول الإسكندنافية  وخاصة في النروج. وتهدف الدراسة بحسب محررها الى رفع قناع الإنسانية وحقوق الإنسان التي تتقن هذه الدول الإختباء وراءه لممارسة سياسات عنصرية تجاه اليهود وإسرائيل. هذا القناع يخفي صفات بشعة من, تمويل شيطنة إسرائيل, فوقية أخلاقية مبتدعة, فضيلة مزيفة , والأهم "عنصرية إنسانية" أي تلك التي تعتقد أن "البيض" هم فقط المسؤولون كاملاً عن أفعالهم بعكس الأعراق الأخرى, كالفلسطينيين والعرب عموماً الذين لا يحق لإسرائيل الرد على أفعالهم ولا يحاسبهم المجتمع الدولي.

التكبر والمعايير المزدوجة تجاه إسرائيل غالباً ما يجتمعان في سياسة النروج والسويد, ولكن – يسأل الكاتب- هل يمكن لهاتين الدوليتن أن تبقيا ديموقراطيتين لو انها تواجهان تهديدات كتلك التي توجهها إسرائيل ؟ المؤشرات التي يسردها الكاتب تجعله يجزم بالنفي. إلا ان الكاتب يستدرك – تحسباُ للردود- أن هذه الدول وقفت في فترات محددة الى جانب إسرائيل واليهود خلال عقود مضت, إلا ان ذلك لا يلغي أن معاداة السامية ومعاداة إسرائيل والصهيونية تبلغ أشدها في هذه الدول مقارنة بسائر أوروبا.
تتقدم النروج على سائر الدول الإسكندينافية بل والأوروبية في خطابها المعادي للسامية وإسرائيل, كما تروج الدراسة, وللإستدلال يشير الكاتب الى: دور وسائل الإعلام النروجية ( كما أثناء تغطية الإنتفاضة الثانية), الدعوات المتكررة لمقاطعة إسرائيل, المقاطعة الإكاديمية , دور منظمات المجتمع المدني, حملة الرسوم الكاريكاتورية (تصوير اليهود كطفيليات, شياطين, مشكلة العالم, كوحوش), تجاهل المحرقة, والمواقف الرسمية لشخصيات رسمية. ففي أثناء حرب 2006, كتب جوستين غاردير في أحدى أشهر الصحف النروجية: " إسرائيل هي من التاريخ, نحن لا نعترف بدولة إسرائيل ولا يوجد طريق للعودة الى الوراء". يضاف الى ذلك كله ما يصفه التقرير بإزدياد الهجمات ذات الخلفية العنصرية تجاه اليهود لا سيما بعد حرب لبنان 2006.

من أمثلة هذه الكراهية في النروج – بحسب الدراسة: الصور الكاريكاتورية في الصحف النروجية التي تجعلها "أسوا من الصحف النازية". دعوات المقاطعة الرسمية كما فعلت كريستين هالفورسين   -وزيرة مال نروجية- التي هي "على الأغلب أول شخصية حكومية غربية تدعم مقاطعة إسرائيل إستهلاكياً". نداءات الإتحادات التجارية النروجية لمقاطعة إسرائيل عام 2002 كانت من أولى المنظمات الغربية التي تقوم بذلك. وفي ظل مقاطعة حماس, حصل قادتها على تأشيرات دخول للنروج, فيما حين كان نائب وزير خارجيتها رايموند جوهانسن أول مسؤول غربي رفيع المستوى يلتقي بقادة حماس ومن ضمنهم إسماعيل هنية. بالإضافة لدور المجتمع المدني النروجي في شيطنة إسرائيل.

إلا أن الدراسة تلحظ أن حرب 2006 على لبنان شكلت علامة فارقة إذ ساند اليسار الأوروبي والقوى الإشتراكية النروجية حينها حزب الله "الإرهابي" بوجه إسرائيل "الديموقراطية" كما يشير النص. ويستدل الكاتب بتصريح لوزير الخارجية النروجي أدان فيها الهجوم الإسرائيلي "غير المقبول" , هذا الموقف يعني إنكار حق إسرائيل بالدفاع عن مدنييها بل ويدعم "الإرهاب". هذه التصريحات – الأسوأ أوروبياً - هي مزيج من العجرفة والجهل من سياسيي هذا البلد "الصغير". يضاف الى كل ذلك تصرحيات اعضاء لجنة جائزة نوبل النروجيين الذين صرح بعضهم عن ندمهم عام 2002 لمنح بيريز جائزة نوبل للسلام فيما كانت إسرائيل ترتكب جرائم حرب.
تعتبر هذه الدراسة – كما عشرات مثيلاتها- جزء أساسي من الدبلوماسية العامة الإسرائيلية في مواجهة تردي صورتها على الصعيد الدولي, لا سيما وأنها الدولة التي تجهد لإقناع الغربيين بأنها واحة "الديموقراطية" وسط غابة الإستبداد العربي بكل وحشيته. يسعى الصهاينة  من خلال هذه حملات الى إبتزاز هذه الدول وإضعاف مصداقيتها لدى الرأي العام الدولي وخلق إعتقاد بأن مواقفها المناهضة لإسرائيل لا تستند الى معطيات موضوعية بل إلى تلفيقات عنصرية.
 والأدهى أن إسرائيل تعمد الى مواجهة هذه الدول – كما النروج – من خلال إستغلال إنقساماتها الداخلية والسعي لتعميقها قدر المستطاع, وصولاً الى خلق حالات تطرف شاذة تشوه صورة الإعتدال والديموقراطية المأخوذة عن تلك الدول مما يضعف مصداقية إنتقادتها لجرائم إسرائيل. 

 لقد وفرت الحملة الإسرائيلية المركزة على النروج مادة خصبة لإستفزاز مجموعات يمينية وإستغلت عقيدتهم العدوانية تجاه المسلمين لا سيما في ظل الأزمات التي تعصف بالأوروبيين وتكشف الرماد عن جمر متطرفيهم. لم تنبت أفكار بريفيك  وسلوكه الإجرامي بعيداً عن الرعاية العنصرية الإسرائيلية, ولم تكن أفكاره حول العرب وإسرائيل بل وحتى عن موطنه وحكومته إلا نتاجاً لما ورد في هذه الدراسة ومثيلاتها. ولم تكن الحملة الصهيونية لكشف " القناع الإنساني" عن النروج  إلا المقدمة الضرورية لخلق "مبررات أخلاقية"  لأفكار وجرائم بريفيك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق