من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

حزب الله "الإجرامي": العنوان الأميركي للمرحلة

 نُشرت هذه المقالة على موقع الإنتقاد الإلكتروني بتاريخ 02-11-2011


ما زالت سياسة "شيطنة" حزب الله من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في تصاعد مستمر وآخر فصولها تثبيت فكرة أن حزب الله بالاضافة الى كونه "منظمة ارهابية" هو من أهم الشبكات "الاجرامية" في العالم، والأخطر هو ربط هذا البُعد الاجرامي بالساحة اللاتينية أي في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة حيث يروج الأميركيون الى سعي الحزب لاستخدام عملياته الاجرامية بهدف نقل أنشطته "الارهابية" الى داخل الولايات المتحدة كجزء من استراتيجية ايرانية هجومية. لا جديد في أن الولايات المتحدة تسعى لترسيخ صورة سوداوية وشيطانية للحزب بشكل خاص وكل حركات المقاومة بشكل أعم، اذ ان هذه السياسة هي جزء جوهري في الاستراتيجية الأميركية لاحتواء الحزب عبر الحرب الناعمة بعد فشل الخيار العسكري عام 2006 والذي لا يزال مؤجلاً لاعتبارات عدة.

بالمناسبة، هذه "الشيطنة" استخدمها الأميركيون بكثافة أيضاً في اطار استراتيجيتهم لاحتواء الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، اذ إن استراتيجية الاحتواء تستهدف عزل "الهدف" ومنعه من التمدد والنفوذ والعمل على اسقاطه بالتناقضات الداخلية، وهذا لا يمكن أن يتحقق الا عبر تشويه "الهدف" وأبلسته ومنعه من التحول الى نموذج يجتذب التأييد والاعجاب الداخلي والخارجي لقضيته، بل وإظهاره كحالة مرعبة، مخيفة وبشعة ومنبوذة ذات أهداف تسلطية، طائفية، عرقية، أو مذهبية. في حين أن أدوات هذه السياسة هي بالأصل أدوات سياسية، اعلامية، ثقافية واجتماعية تقوم بتضخيم واختلاق وتشويه وتحريف جملة من الوقائع والأحداث لابراز فشل المشروع المستهدف في جملة ملفات أساسية بالنسبة للرأي العام: حقوق الانسان، الديموقراطية، الحريات، الرفاه الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، التعدد الثقافي، ودور القانون والمؤسسات.

لقد كانت حرب 2006 لحظة تحول هامة بالنسبة للأميركيين في مواجهتهم حزب الله، اذ إن الحرب خلقت إدراكاً أميركياً باستحالة القضاء على الحزب من خلال الخيار العسكري بالمدى بالمنظور على الأقل، ولذا كان لا بد من البحث عن بديل يستنزف الحزب ويزيد من عزلته ويقيد قدرته على المبادرة الى حين توافر شروط المواجهة العسكرية المقبلة. وفي هذا السياق بدأت "سياسة الشيطنة" تأخذ مسارها من خلال الترويج لمصطلح الميليشيا بدل المقاومة (كما في القرار 1559)، وثم زج اسم الحزب في المواجهات المذهبية في العراق وصولاً الى اجبار الحزب على القيام "بالشر الذي لا بد منه" في 7 أيار 2008، حيث لم يعد مصطلح "الميليشيا المذهبية" الملصوق بالحزب ثقيلاً على "سمع وقلب" شريحة من اللبنانيين لا سيما من أهل السنة، وهذا هو غاية المرام الأميركي أي أن ينقلب الحزب في الوعي العربي والسني بالتحديد من "المقاومة الاسلامية" الى "الميليشيا الشيعية".

وليكتمل هذا الهدف أصبح حزب الله فجأة هو قاتل رئيس الحكومة اللبنانية السني "رفيق الحريري"، ومن لم يصدق فليسأل المحكمة الدولية. الا أن نجاح حملة الحزب نسبياً في فضح المحكمة الدولية ودورها وزيف اتهامها، استدعى من الأميركيين رتق هذه الثغرة من خلال الملف السوري. مجدداً انطلقت حملة جديدة، فالحزب يقتل " السنة" في سوريا لمساعدة النظام "العلوي"، وقبل ذلك، كان الحزب "يقتل" المصريين في ميدان التحرير، "ويقاتل" في مصراتة، "ويندس" في البحرين وشرقي المملكة السعودية، "ويساند" الحوثيين في اليمن.

في سياق مواز، تصاعدت التقارير والمقالات والشهادات في الكونغرس حول "الشبكة الاجرامية العالمية" لحزب الله، والتي لا تقل تشويقاً عن أهم الأفلام البوليسية الهوليودية، وقبل استعراض خطورة وأهداف هذا الفصل الجديد، سنستعرض عينات موجزة منه. في تموز 2010 نشرت صحفية هآرتس مقالا لـ جاك خوري حول توقيف السلطات المكسيكية شخصا لبنانيا من حزب الله يتعاون مع المافيا المكسيكية، ودليل الكاتب هو مقال في جريدة كويتية لم يذكر اسمها. وفي حزيران من العام نفسه تكتب عضو الكونغرس سو ميريك رسالة "لفت نظر" الى وزارة الأمن الوطني الأميركي حول تزايد علاقات حزب الله مع مافيا المخدرات المكسيكية.

في ايلول 2011 قدم ايان بيمان شهادته امام الكونغرس بعنوان "حزب الله في النصف الغربي" يؤكد فيها ـ بالاستناد الى السلطات المكسيكية ـ صلة حزب الله بشبكات تهريب البشر المكسيكية منذ نصف عقد من الزمن. وفي التوقيت ذاته، يقدم دوغلاس فرح شهادة مماثلة بعنوان "حزب الله في اميركا اللاتينية: تطبيقات للأمن الأميركي"، يعتبر فيها ان الأخطر من النشاط الاجرامي للحزب هو تعزيز تأثيره السياسي والمالي والعسكري هناك باعتباره أداة ايرانية وسورية بدرجة أقل ويتمتع برعاية من حكومات المنطقة التي تسعى لتقليد نموذجه لا سيما على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

الا أن الشهادة الأهم كانت في تموز 2011 والتي قدمها السفير روجر نوريجا، والتي عاد ونشرها كدراسة عبر " أميركان انتربرايز" بتاريخ 3 تشرين الأول 2011، بالتعاون مع خوسيه كارديناس (مساهم في مشروع بحثي حول فنزويلا وايران). يفتتح نوريجا شهادته شاكياً من أن هذه القضية لا تأخذ الانتباه الذي تستحق من ضمن التهديدات الخارجية الأخرى. ثم يكمل واصفاً حزب الله وفيلق القدس بالأعداء ذوي التصميم والارادة المميتين. ويشير نوريجا الى ان نشطاء حزب الله قدموا تدريباً على السلاح والمتفجرات لجماعات تهريب المخدرات بالاضافة الى تعبئة المسلمين نحو التطرف. "فحزب الله ينشر نفوذه، يشرّع قضيته، يعزز العنف الجهادي على عتبة بلادنا، وكذلك يجمع الاموال ويجند العملاء ويطور قدراته العملياتية في محيطنا". ثم يؤكد السفير مجدداً على دور فنزويلا في دعم نفوذ الحزب لا سيما عبر جزيرة مارغاريتا التي يستخدمها الحزب كملاذ آمن.

في الخلاصة يقول السفير، ان الدعم الرسمي من بعض حكومات أمريكا اللاتينية (وعدم رغبة حكومات اخرى في الاعتراف بهذا التهديد) سيجعل وجود حزب الله في المنطقة مميتاً وأكثر حيوية في السنوات المقبلة، لا سيما في البرازيل. ولذا "ان حزب الله قد انخرط مع الولايات المتحدة في استراتيجية هجومية من الحرب اللامتماثلة على أعتاب حدودنا، واذا لم تتجاوب الحكومة لهذا التهديد فان القدرة على حماية الوطن ستتقلص تدريجياً". بعد كل هذه التحذيرات لم يجد السفير نوريجا عند سماعه خبر المؤامرة المزعومة الا القول عبر مدونة "الأميركان انتربرايز": ألم أحذركم؟

وفي 27 تموز 2011 كتب ماثيو ليفيت مقالاً في الفورين أفيرز بعنوان "حزب الله: حزب الاحتيال"، اتهم فيه الحزب بممارسة الأنشطة الاجرامية في اميركا اللاتينية لتمويل نشاطاته الارهابية لا سيما بعد خوفه من الاحداث في الداخل الايراني ولاحقاً في سوريا، وهو ما دفع الحزب الى البحث عن مصادر تمويل جديدة تحسباً لانقطاع او تقلص الدعم الايراني بفعل تأثير العقوبات أيضاً. الا أن ليفيت يشير الى ان هذه المكاسب أدت الى انكشاف الحزب دولياً كجهة اجرامية ولذا "إن تنسيقاً دولياً لمواجهة شبكة حزب الله الاجرامية في هذه اللحظة التي يتهم فيها الحزب في موطنه بجريمة اغتيال الحريري سيؤدي الى اضعاف شبكات الدعم الدولي للحزب، ويفسد سمعته داخلياً وعالمياً، ويظهره كعصابة اجرامية وليس كحركة مقاومة في لبنان". لقد تمكن ليفيت بجملته الأخيرة من تقديم اختصار بليغ وكافٍ لخلفيات هذه الحملة، وبالمناسبة فان ليفيت سيصدر قريباً كتاباً يخصصه لهذا الموضوع بعنوان: " البصمة العالمية لحزب الله اللبناني".

ان هذا الفصل يهدف لجملة مآرب خبيثة، أولاً هو استكمال لسياسة الشيطنة ولكن بعنوان جديد يتماشى مع الهواجس الغربية. ثانياً، ان مطاردة الحزب كجهة اجرامية أسهل بكثير من ملاحقته كمنظمة ارهابية، اذ إن العديد من الدول ـ كالاتحاد الأوروبي ـ لم تصنفه كمنظمة ارهابية بعد. ثالثاً ان بعض الدول تظهر تصميماً اكبر على مكافحة الجريمة بالتعاون مع الولايات المتحدة بعكس مكافحة الارهاب. رابعاً، وهو الأهم والأخطر، تهدف هذه الحملة الى تعبئة الرأي العام الأميركي بوجه حزب الله وترويضه على تقبل فكرة أن حزب الله يشكل خطراً مباشراً وداهماً وقريباً وحيوياً على المصالح والأرض والمواطنين الأميركيين. ان هذه التهيئة والنحت للوعي الأميركي ستؤدي الى جعل الأميركيين أكثر تقبلاً واستعداداً في المستقبل لأي اتهامات يجري لصقها بالحزب عن هجمات داخل الولايات المتحدة ، بما يمنح الادارة الأميركية قدرة أفضل على ممارسة سياسات عدوانية مباشرة تجاه الحزب قد تصل الى المواجهة العسكرية سواء بالتدخل المباشر والميداني الى جانب "اسرائيل" أو من خلال عمليات خاصة وخاطفة.

حسام مطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق