من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

سوريا من دولة الى بيدق

نشر هذا المقال في صحيفة السفير في العدد 12265 بتاريخ 24\8\2012
political chess
حسام مطر

الشرق الأوسط في لحظة إعادة تشكل وكذلك النظام الدولي، الأزمة السورية هي عارض من عوارض كلا التحولين الإقليمي والدولي، أي ان الازمة السورية تعكس التحول الطارئ وليست سبباً له، ولكنها ستسهم في رسم الشكل النهائي لهذه التحاولات، لا سيما إقليمياً. هذه المعادلة تفرض بشكل متزايد أن مآلات الأزمة السورية ستتحدد أساساً عبر اللاعبين الخارجيين ومصالحهم، وهو ما أدى منذ بداية الأزمة الى انحدار مستمر للدوافع الداخلية ودور كل من النظام والمعارضة والى انتقال الأزمة من نمط سلطة معارضة الى نمط قوى أجنبية تتصارع بأيد داخلية، وحالياً بأيد داخلية وخارجية، خاصة من ناحية المعارضة.

إن الأزمة السورية، في جزء منها، هي من ارتدادات الفراغ الناتج من تراجع الدور الأميركي، وهي حجة لطالما تغنى بها الليبراليون الأميركيون بأن الهيمنة الأميركية هي ضرورة لاستقرار أي نظام دولي أو إقليمي سياسياً واقتصادياً. إن هذا التراجع الأميركي مقروناً بحاجتها لتقليص دورها في المنطقة والتركيز على منطقة المحيط الهادئ في مواجهة الصعود الصيني، يفرض على الولايات المتحدة أن تكرس توازن قوى من خلال حلفائها المحليين فقط في الشرق الأوسط، وهذا ما يصبح ممكناً فقط في حال إسقاط النظام السوري. اليوم لم يعد حلفاء واشنطن في شرق وجنوب آسيا قادرين وحدهم على موازنة الصين وبدرجة أقل روسيا، لذا تعزز واشنطن حضورها المباشر هناك، وهو ما فعلته سابقاً في الشرق الأوسط منذ 1990 لاحتواء العراق وإيران بما عُرف بسياسة «الاحتواء المزدوج». هذا التحول هو محدد أساسي أيضاً في فهم سياستي الصين وروسيا تجاه الازمة السورية، وثباتهما في المواجهة رغم تكاليفها.

إحدى أبرز قواعد الصراع في سوريا هي ان كلا المحورين لا يمكنه القبول بخسارة كاملة. إن ميزان القوى في الشرق الأوسط يبدو مثل «ميزان الذهب» ولا يحتمل هزائم أو انتصارات كاملة، مثلاً حتى انتصار المقاومة في تموز 2006 توقفت مفاعيله نسبياً عند حدود التوازنات الداخلية، والهزيمة الأميركية في العراق ورغم قسوتها لم تنقلب الى هزيمة كاملة. هذا يعني أن كلا المحورين لن يتردد في سبيل تفادي خسارة كاملة الى توسيع دائرة الصراع وتعميقه وإضافة لاعبين جدد له في محاولة لخلق توازن قوى من خارج الصراع الأساسي.

إلا أنه في المقابل يبرز قلق كلا المحورين من الانجرار الى مواجهة إقليمية شاملة لأنها ستكون عبثية نظراً لحجم الدمار والخسائر المتوقعة. من هنا تبقى سيناريوهات محدودة، إما استمرار الواقع الحالي أي حرب أهلية محدودة مع قضم متبادل لبعض الجغرافيا، وإما مواجهة إقليمية محدودة تشمل تدخلا ميدانيا - عملياتيا رسميا لعناصر خارجية وانطلاق التوتر الى الساحات المجاورة في لبنان والعراق والسعودية وتركيا، وإما تقــسيم الدولة السورية على أسس إثنية - مذهبية، وهو تقسيم قد يبدأ بإقليمين وينتهي ببضع دويلات فاشلة مفتتة. في هذا السياق يشير بريان جنكينز (مستشار لدى رئيس مؤسسة «راند») الى أن سيناريو الحرب الأهلية والتقسيم يبدو «النتيجة الأكثر ترجيحاً، أو حرب أهلية تمتد لسنوات، فقد أصبح الصراع وجودياً لكلا الطرفين أي النظام والمعارضة. إنها تبدو شبيهة بالحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت 15 عاماً وفرزت البلاد وفقاً لخطوط مذهبية وإثنية». (السيناريوهات السورية، مؤسسة راند، 8 آب 2012).

إن تغييراً بهذا المستوى للجغرافيا السياسية السورية يضع لبنان ككيان سياسي أمام أسئلة وجودية هي الأخطر منذ تأسيسه. لقد قيل إن الأزمة في سوريا ستعيد لبنان الى ما قبل الطائف في الواقع، من المحتمل أن تعيدنا الى ما قبل ميثاق 1943، فهل سيعود بعض المسلمين اللبنانيين لفكرة «سوريا الكبرى» أو «ما سيتبقى منها» لخلق واقع ديموغرافي جديد يقلب موازين القوى الداخلية؟ هل سيسعى البعض لتوريط شرائح سورية في الداخل اللبناني لفرض طائف جديد يكرّس سطوته في السلطة؟ كثيرون في لبنان لا يخفون هذه الاحلام، منذ الآن يتوعدون المقاومة بأن أيامها معدودة، لذا يمكن القول انه يصعب أن لا ينتج تقسيم سوريا كانتونات لبنانية متناحرة وعاجزة، أكثر مما هي اليوم.

يمكن أيّاً كان أن يكتب مطولات في نقد السياسات الداخلية للنظام السوري، شأنه ككل الأنظمة العربية، ولكن ذلك لم يعد له علاقة بالصراع القائم، فالمعارضة خسرت قرارها بالكامل والطرفان خسرا سوريا. إن «الأحداث في سوريا تظهر كأنها ببساطة متعلقة بالنظام السوري، ولكن هناك أهمية أبعد بكثير من ذلك وتشمل احتواء القوة الإيرانية، خلق توازن قوى عبر حلفاء واشنطن الإقليميين وتحرير الولايات المتحدة من الأعباء الإقليمية لتركز على القضايا العالمية، بما فيها الصين وروسيا». (جورج فريدمان، عواقب سقوط النظام السوري، مركز ستراتفور، 24 تموز 2012). لقد تحولت سوريا الى بيدق، والباقي تفاصيل لم تعد مهمة، أقله على المدى المنظور.

كاتب وأكاديمي ـ لبنان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق