من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

رداً على مأزق «حزب الله» الأخلاقي والديني: الأزمة السورية ومعضلة القيم والمصالح


 نشرت هذه المقالة في صحيفة السفير العدد 12257 بتاريخ 4 أيلول 2012

حسام مطر

السفيرالمدخل الرئيسي للانتقادات الموجهة لموقف «حزب الله» من الازمة السورية يمكن اختصاره بتقديم الحزب لحساباته الإستراتيجية على اعتباراته العقائدية والأخلاقية (كما فعلت مؤخراً الدكتورة هلا امون بمقالها في «السفير» مأزق حزب الله الأخلاقي والديني). وما يزيد من وطأة هذا النقد أنه يصيب المكون المركزي في بنية الحزب, أي المكون القيمي في حزب عقائدي إسلامي امتازت تجربته التاريخية بالصدقية الأخلاقية والمناقبية والثبات الإيماني المرتبط بقضايا المظلومين والمستضعفين.
منهجية حزب الله إزاء معضلة القيم والمصالح

لا شك أن أبرز التحديات التي يمكن ان تواجه لاعباً سياسياً ما هي وقوعه في تناقض بين مصالحه وقيمه. ولا شك أيضاً، أنه لا بد أن يواجه كل لاعب سياسي في لحظة ما تناقضاَ بين قيمه ومصالحه, فذلك من طبيعة السياسة التي تحكمها الصراعات والتوازنات ومحدودية الموارد. في مواجهة هذه المعضلة التي تعرض لها «حزب الله» مراراً في المقاومة والسياسة الداخلية وعلاقاته الخارجية, لا يمكن للحزب ـ كما سواه - أن يتجاهل الوقائع المادية وتوازنات القوى بشكل كامل, وإلا لكان حزباً مجنوناً. لذا ما يقوم به الحزب هو صياغة أهدافه العقائدية ضمن سلم اولوليات، بهدف توجيه موارده المادية المحدودة, عند الضرورة, نحو الاولوية الأهم على حساب اولويات عقائدية اخرى. في هذا الإطار, يشخص الحزب، ومنذ نشأته، موضوع المقاومة كأولوية مطلقة لا يتقدم عليها شيء، وهذا ما أتاح للحزب انتصارات مذهلة، أنتجت تحريراً ومنعة للبنان وتراجعاً عميقاً للمشروع الاميركي - الصهوني في الشرق الأوسط, وهو تراجع أتاح للشعوب العربية إمكانية الانتفاض على حكامها التابعين لواشنطن.

إذاً حزب الله حزب عقائدي إيماني ولكن بحسابات إستراتيجية, فالحزب اضطر مراراً لتأخير أهداف قيمية وإيمانية معينة في سبيل حفظ المقاومة، أي أولوية الأولويات, فالحزب لم يتدخل بشكل مباشر في كثير من القضايا المحقة لرفع الظلم عن المسلمين، ومنهم الشيعة اتقاءً لفتنة أو استنزاف يصيب المقاومة ويضعفها. والحزب أيضاً حالف، سياسياً، الفاسدين وأتباع واشنطن رغم الإشكال الأخلاقي في ذلك ليبعد المقاومة عن البازار اللبناني الموبوء, ما استطاع الى ذلك سبيلاً. هذا التقديم لأولوية المقاومة ليس عبثياً وليس محض عقائدي كما يعتقد كثيرون, بل قائم على قراءة سياسية وتاريخية ترى في سياسات الدول الكبرى تجاه المنطقة العقبة الاساسية أمام كرامة وحرية ورخاء الشعوب, فظاهرة الاستبداد ليست إلا تجلياً لهذه للسياسات الإمبريالية. إذاّ حسب رؤية الحزب فإن الاستبداد والظلم غير قابلين للمعالجة بشكل مستدام ما لم تنكفئ الهيمنة الأميركية والسطوة الإسرائيلية.

رؤيته لطبيعة الأزمة السورية

من اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة السورية سارع الحزب الى تشجيع القيادة السورية على إجراء إصلاحات جوهرية، سواء عبر Syria Crisisتصريحات الأمين العام او من خلال الرسائل الخاصة بين الطرفين. ولكن هل كل ما يجري اليوم في سوريا هو خلاف وطني بين النظام والمعارضة؟ لقد بلغت الأزمة السورية مستوى من التدويل والعسكرة يندر أن حلَّ سابقاً في أزمات داخلية مماثلة؟ هل نستطيع تجاهل موقف الغرب والخليج وغاياتهم وممارساتهم؟ هل المطلوب من حزب الله المستهدف الأول من الدور الغربي - الخليجي أن يتجاهل كل هذه الوقائع؟ بالمقابل كان موقف الحزب من الحدث السوري متوازناً, الدعوة الى حوار وطني وإصلاحات شاملة وضمانات كافية للمعارضة, فهل هذا يناقض الأسس الأخلاقية والقيمية للحزب؟ وماذا عن تجاهل آلآلاف من التكفيريين والمرتزقة في سوريا وارتكاباتهم, أين الأخلاق في ذلك؟ هل يصدق أحد أن الكتلة الشعبية المنتفضة تحركها تنظيرات ميشال كيلو وهيثم مناع ورفاقهم؟ نعم لم يكن نقد الحزب لأخطاء النظام علنياً وقاسياً ولكن في الموقف السياسي كان الحزب يشدد على إدانة العنف ويسعى للحوار لتحقيق الإصلاح بما يضمن سوريا ديموقراطية ممانعة. لم تلق دعوة الحزب النجاح، ليس فقط بسبب أخطاء النظام، بل بسبب الضغوط الدولية وانجرار المعارضة بقسمها الأكبر نحو القوى الدولية التي تسعى لكل شيء إلا لسوريا ديموقراطية.

تشخيص الحزب لـتأثيرات الأزمة على موقعه في الصراع الإقليمي

هناك مبالغة غير بريئة في اعتبار الأزمة السورية خطراً وجودياً على المقاومة, بالتأكيد إنها تحد إستراتيجي لها ولكن المقاومة قادرة على التكيف مع أسوأ السيناريوهات السورية. بالطبع الحزب تلقى خسائر في سوريا حتى مع بقاء النظام ,إذ تشوهت صورته، ولكن ذلك ليس متربط بأحقية أو ببطلان موقفه بل بفعاليته الإعلامية والسياسية مقابل الآخرين في إبراز تفسيره للمشهد. ونعم أصيب الحزب بالإرباك في بداية الأحداث السورية, ولكن أليس هذا حال واشنطن في أحداث مصر وتونس والبحرين. القول إن الحزب قابل لتلقي الضربات والإرباك ليس نقيصة, هذه حال حتى أعتى القوى الدولية, العبرة في قدرته على التكيف والمرونة والمناورة وابتكار مسارات جديدة, ومن ثم الناتج النهائي للمواجهة. لذا، لا معنى للحديث المفتعل والمضخم عن خوف الحزب وتخبطه. بالنهاية لا منتصر في الأزمة السورية. ما يحد من خسارة «حزب الله» في سوريا هو خروجها من إطار المباغتة والصدمة, والحزب قادر على التأثير السياسي العميق في الوضع السوري بأي مرحلة بشكل مباشر او عبر حلفائه. أما ممرات السلاح فهي أهون المشاكل.
مهما صح من انتقادات لسياسات النظام السوري الداخلية إنما، في المقابل لا يصح إنكار شراكة النظام الكاملة في جملة الهزائم التي ألحقت بالأميركيين والصهاينة في المنطقة. وعليه ليس موقف الحزب في سوريا من باب «التعمية» او «الإنكار» او «الولاء شبه المطلق للنظام السوري» (كما اوردت الدكتورة هلا أمون) بل من باب قراءة شاملة للأزمة السورية، ولدور الداخل والخارج فيها، وإدراك عميق لدور سوريا في المقاومة. نعم، تُبرز التغطية الإعلامية والمذهبية للأزمة بأن «حزب الله» يتجاهل التزامه الديني والأخلاقي لأجل مصلحة مادية, ولكن في ذلك جملة شبهات, فالحزب لديه وقائع كافية موثقة بأن ما يجري يتجاوز بكثير كونه انتفاضة شعبية, والتزامه الأخلاقي هو تجاه السوريين جميعاً, معارضين ومؤيدين، تجاه نظام عانى الكثير لوقوفه في خندق المقاومة، حين كانت أنظمة العرب تطعنها بخناجرها الملوثة بالنفط. والأهم أن المصلحة المادية للحزب ليست مصلحة سياسية ضيقة وفئوية، بل تتمثل في حرمان أميركا وإسرائيل من مكسب كبير، ستستغله لإعادة إحكام هيمنتها على المنطقة وشعوبها بعد سنوات من إنجازات المقاومة وتضحياتها.

لطالما تحمل حزب الله طوال مسيرته كثيراً من الجراح التي تناستها خدمة للمقاومة, تناسى طعنات السلطة اللبنانية, وغدر خصومه المحليين, وخيانة العملاء, وجشع الحلفاء, وتآمر أنظمة العرب, وإنكار الشركاء, تناسى كل ذلك لأجل المقاومة لأنها مشروع حياة لكل هذه الأمة. «حزب الله» معترف بحق الشعب السوري في تقرير مصيره, ويدعو للحوار ولعملية سياسية بضمانات كافية لكلا الطرفين, فيما الآخرون على شعار، إما رحيل الأسد وإما الحرب المذهبية الطاحنة. أما بعض المثقفين فمكتفون ببياناتهم عن «المدينة الفاضلة» يلقونها في واد سحيق أصم. في خضم كل ما يجري في سوريا, نحن جميعاً في مأزق اخلاقي (وليس «حزب الله» كما رأت الدكتورة هلا). الفارق أن بعض من هم في المأزق وقعوا فيه كراهية تفادياً لمأزق أخلاقي ووجوي آخر أشد وطأة على الأمة جمعاء, في حين وقع البعض الآخر طواعية في المأزق خدمة لمأزق أخلاقي أكثر وضاعة.

ليس «حزب الله» مثقفاً في مكتبة او مبشراً في دار وعظ, بل مقاومة في جبهة الحق بوجه استكبار عالمي, ولهذا الموقف تكاليف يرتضيها الحزب من سمعته وصورته ولحمه ودمه, وهذا هو رأسماله الأخلاقي الذي لا يفنى.

كاتب سياسي ـ لبنان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق