من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

موقع الشرق الأوسط في السياسة الخارجية الصينية



إن تزايد القوة الداخلية لأي دولة والمتمثلة في قدراتها العسكرية, البشرية, الإقتصادية , والثقافية لا بد وان ينعكس في سلوكها الخارجي , إذا تميل عندها نحو التمدد والتوسع سواء ماديا, أمنيا, او بالنفوذ. لا تشذ الدولة الصينية عن هذه القاعدة إذ أنه من السهل ملاحظة نمو وإضطراد أدوراها الخارجية على الساحة الدولية بالشكل الذي يهدد النفوذ الأميركي في أكثر من جانب ومنطقة. إلا أن هذا التوسع والإندفاع الصيني يلتزم بمبدأين أساسيين هما, أولاً التمدد الحذر الهادىء بحيث لا تصبح الصين قوة الهيمنة العالمية ذات المسؤوليات والأعباء الأمنية, الإقتصادية, والسياسية, بل هي تفضل أن تبقى الولايات المتحدة تتحمل هذه التبعات التي تستنزفها بشدة  فيما هي تطور وتكثف حضورها في الاقاليم المختلفة بحد أدنى من التدخل الظاهر. والمبدأ الثاني هو أنه فيما عدا محيطها الحيوي, فإن الدافع المركزي لسلوكها وإندفاعها في باقي الأقاليم السياسية حول العالم هو دافع إقتصادي يسعى للحصول على المواد الأولية لا سيما الطاقة من جهة , والبحث عن اسواق للصادرات وفرص إستثمارية اللتان تشكلان العامود الفقري للنهوض الصيني من ناحية أخرى.

 وعليه يمكن تحليل وفهم الإستراتيجية الصينية تجاه منطقة الشرق الأوسط, أذ تدرك الصين خطورة الإنزلاق في صراعات المنطقة والتي يؤدي الفشل فيها الى تداعيات سلبية على الصين في المنطقة وخارجها نتيجة البعد الديني والإسلامي بالتحديد لهذه الصراعات لا سيما الصراع العربي – الإسرائيلي والسياسات الاميركية تجاه دول المنطقة. تاريخياً , كان الموقف الصيني أقرب الى الموقف العربي متأثراً بالبعد الشيوعي في الصين ولكن منذ بدء تحول السياسة الخارجية في السبعينات من البعد العقائدي بإتجاه البراغماتية أصبحت سياساتها أكثر واقعية وإبتعدت عن إتخاذ مواقف سياسية واضحة تجاه طرفي الصراع. وقد تأثرت هذه السياسة في فترة الثمانينات والتسيعنات بمبيعات الأسلحة الصينية لدول المنطقة لا سيما السعودية والعراق وإيران التي كان التعاون النووي جزء اساسي منها. بناء على كل ما تقدم لم يشكل الشرق الأوسط أولية السياسة الخارجية الصينية بل كان محيطها الأسيوي القريب وافريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة بحر قزوين تتقدم كأولوية للسياسة الخارجية الصينية. وعليه ينحصر الإهتمام الصيني في المنطقة على تأمين موارد الطاقة وبيع السلاح وثم لاحقاً شراء السلاح الإسرائيلي ذا القدرة التقنية والتكنولوجية العالية( يحتل الكيان الصهويني المركز الأول في صادرات السلاح الى الصين في ظل الحظر الإميركي – الأوروبي), أي لا توجد إستراتيجية صينية شاملة في المنطقة بعكس الأقاليم الأخرى. 

 تشكل منطقة الشرق الأوسط المصدر الأساسي للطاقة بالنسبة للصين لا سيما في ظل الطلب الصيني المتزايد على النفط والغاز الطبيعي, حيث تستورد الصين ما يقرب من 50% من إحتياجاتها للطاقة من الشرق الاوسط خاصة من إيران والسعودية, وتعمل الشركات الصينية على زيادة الإستثمار في حقول ومصافي النفط في إيران خصوصا مستفيدة من خروج الشركات الغربية في ظل العقوبات المتزايدة على إيران, وهو ما يؤدي الى موجة إنتقادات غربية للصين وإتهامها بالإلتفاف على العقوبات لتحقيق مصالحها القومية . إلا أنه نظراً للإضرابات والتهديدات المتزايدة في المنطقة والتي قد تهدد مصادر الطاقة, تشير الدراسات الى سعي صيني حثيث على تنويع واردتها من الطاقة الى مصادر خارج الشرق الأوسط مثل روسيا وآسيا الوسطى وقزوين, فيما يبرز من جهة أخرى تزايد العلاقات التجارية بين الصين والسعودية لا سيما في مجال النفط على حساب العلاقة الصينية- الإيرانية وذلك من ضمن إستراتيجية أميركية للضغط على إيران. هذا ما يقودنا للتأكيد على أن سياسة الصين في المنطقة تتأثر كثيراً بالدور الأميركي في المنطقة وطبيعة العلاقات الصينية – الأميركية,  إذ غالبا ما تستخدم الصين قضايا المنطقة في سبيل الضغط على الاميركيين لإجبارهم على تقديم تنازلات في خارج المنطقة (مثل موضوع تايوان, الدور الأميركي في الباسيفيك, موضوع حقوق الانسان, قضايا العملة والتجارة الخارجية), وكان بارزاً في هذا المجال موافقة الصين العام الماضي على قرار العقوبات الإميركية على إيران في مجلس الأمن والذي كان إنعكاساً للخطاب والسياسة الجديدة لأوباما تجاه الصين. 

رغم إستمرار الشرق الأوسط في موقع متأخر ضمن السياسة الخارجية الصينية بالمقارنة مع الأقليم الأخرى إلا أن هذا لا ينفي واقع تزايد الإهتمام الصيني بالمنطقة وإن بدون التورط في صراعاتها وهو الموقف التقيلدي للصين في المنطقة. فقد أطلقت الصين شراكة إستراتجية مع كل من السعودية (1999) وإيران (2000) , بالإضافة الى تاسيس منتدى التعاون العربي- الصيني (2004) لتعزيز التعاون في السياسات الإقليمية على الصعد التجارة, العلوم, التعليم والثقافة والرعاية الصحية. كما قامت الصين بتعيين مبعوث خاص للشرق الأوسط للمساهمة في تعزيز وتسهيل الحوار حول عملية السلام إلا أن الحذر الصيني إتجاه هذا الصراع بقي سيد الموقف. وبعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 إلتزمت الصين بإرسال 1000 جندي من قوات الهندسة لمساندة قوة الأمم المتحدة العاملة في الجنوب اللبناني. كما طورت الصين ممارسة الدبلوماسية العامة في المنطقة عبر سياسات القوة الناعمة المرتكزة على تقديم مساعدات تنموية وإلغاء ديون ودعم لمشاريع البنية التحتية لا سيما للسلطة الفلسطينية والعراق في ما بعد سقوط نظام صدام حسين.

في الخلاصة, يرجح أن يبقى الدور الصيني في المنطقة هامشياً ومدفوعاً بالهاجس الإقتصادي, على ان تبقى إمكانية تطور هذا الدور مرتبطة بطبيعة الدور الأمريكي تراجعا أو صعوداً, إذ لا يستبعد أن يؤدي ضمور الدور الأميركي في المنطقة الى سعي صيني الى اللعب في نقاط الفراغ المستجدة, كما يمكن أن يؤدي توتر العلاقات الصينية – الأميركية الى دفع الصين لممارسة سياسات إستفزازية في المنطقة ذات المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة. وبكل الأحوال ستفضل الصين أن تعمل على المستوى السياسي ضمن إطار متعدد الأطراف في قضايا المنطقة, مع ميل واضح الى دعم حالة الإستقرار والهدوء ولو على حساب الديمقراطية وحقوق الانسان كما أظهرت مواقفها الأخيرة من التحركات الشعبية في المنطقة العربية.

آذار 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق