من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

القاهرة 2011: " طهران 1979" أو " برلين 1989 "

نشرت هذه المقالة على موقع شباب السفير بتاريخ 8 شباط 2011 ( أي قبل 4 أيام من إسقاط مبارك)



رغم كثرة الأسئلة حول مآل الثورة المصرية الشابة إلا أن السؤال الأهم هو ليس عن مصر بل عن ما حولها, وهذا ليس إلا إنعكاساً لحقيقة أن مصر الإستراتيجية هي أكبر بكثير من مصر الجغرافيا . وعليه كان السؤال الكبير الذي يحفر عميقا في عقول الساسة وأصحاب القرار الإقليمي والدولي: هل ستتنتج الثورة المصرية نظاماً معاديا للولايات المتحدة وإسرائيل وداعماً للقضايا القومية العربية وحركاتها المقاومة ؟ أم أنها ستغير فقط وجوها وتستنسخ النظام الحالي بآخر لا تزال ملامح عمالته ووحشيته مغطاة بخطابات الإصلاح والديموقراطية؟ 

الاميركيون منهكون في جعل " القاهرة 2011 " نسخة منقحة عن برلين 1989 من خلال الإدعاء بدعم حركات الشعوب الثائرة سعياً لحقها في نظام سياسي رشيد وعادل يخدم مصالحها ويعبر عن أهدافها الثقافية والتاريخية وفي ذات الوقت إعادة إنتاج نظام جوهره خدمة مصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط بعد أن تآكلت النسخة القديمة وأصبحت أعجز من أن تؤدي المطلوب منها بل حتى أصبحت عبئاً سياسياً وأخلاقياً ( على صعيد العلاقات العامة فقط)  وإقتصادياً على أسيادها. في المقابل يعيش المقهورون في الشرق الأوسط بالتحديد, اللحظة الحلم بأن تعود مصر لتكون بأكملها القلب النابض لعذاباتهم ومواجعهم ونكساتهم وهزائمهم وذلهم الذي طال, وأن تكون العضد الأقوى لمقاوماتهم التي تشارف على رسم المشهد الأخير والذي يستحال أن يكتب بدون مصر , هذه الأحلام والآمال تشابه تلك التي شعرها الكثيرون وهم يرون ذلك العجوز الرباني يطأ أرض طهران 1979 ويقض مضاجع الشرق والغرب ولا يزال. 

لقد عجز العقل الغربي عن فهم الثورة الإسلامية في إيران بإعتبارها نتيجة " قوة لا عقلانية " أي الإسلام الثوري , حيث غرق هذا الفكر لعقود في وهم سقوط الدين ونبوءة أفوله الحتمي, وقد تبدى هذا العجز إما إنكاراً للبعد الديني والعقائدي للثورة وأصر على تسميتها بالثورة الإيرانية وهو ما يسقطه أرشيف تلك الثورة وواقعها اليوم من دون أن يعني ذلك إنكار مشاركة وإسهام يساريين وقوميين فيها. والبعد الآخر لهذا العجز كان في محاولة فهم الثورة الإسلامية من خلال تفسيرات إقتصادية او إجتماعية أو سلطوية كما هي حال بعض تفسيرات اليوم للثورة المصرية , إلا انه من أدرك من الغربيين حقيقة البعد العقائدي والثقافي للثورة الإسلامية  دون أن يسعفه التنظير الغربي في فهمها وجد أن التوصيف الأنسب لها هو "المعجزة ". واليوم يعود هذا العقل الغربي الى الوقوع في فخ نقائصه , فما تشهده مصر ليس ثورة جياع أو تصارع على السلطة بل هي ثورة شرفاء أصحاب إرث ثقافي وعقائدي إسلامي وقومي والذين إستبد بهم طاغية من صنيعة الشياطين, من دون أن يعني ذلك غياب المؤثر الإقتصادي ولكنه ليس المحدد وكذلك من دون إنكار وجود بعض المتسلقين ولكنهم ليسوا بذور هذه الثورة ومناضلوها بل جزء من عفن الإستبداد لا اكثر. وعليه, اليوم لا يثور المصريون من أجل مصر فقط بل قبل ذلك هم يثورون للبنان وفلسطين والعراق والسودان ولكل جرح عربي كان للنظام المصري فيه طعنة خنجر أو بالأحرى طعنات.

من دون شك أن للثورة المصرية أسبابها وديناميكياتها الداخلية , إلا أنه عند العودة إلى سؤال المقدمة لا بد من التأكيد على الظروف الإقليمية لهذا الحراك, التونسي وثم المصري. لقد تدحرجت هزائم المشروع الغربي الإسرائيلي في المنطقة وتحديدا من العام 2000 في جنوب لبنان وما تلاه لاحقاً من نكسات عميقة بعد حروب السنوات العشر الماضية والتي تجلت نتائجها في تراجع النفوذ الاميركي اخيراً في العراق ولبنان وغزة, مصحوبة بالمأزق الإقتصادي الغربي وتراجع قدرة الهيمنة الدولية والإقليمية للولايات المتحدة. وعليه أنتجت هذه التراجعات فراغاً ترفضه السياسة وحركة التاريخ, إستحوذ عليه المربع  الايراني- التركي – السوري – حركات مقاومة الشعوب. إن هذا التغير الإستراتيجي في تركيبة المنطقة وتوازناتها إنعكس تدهوراً في الوزن السياسي لقوى الإستبداد العربي الموالية لواشنطن والذي تجلى في المرحلة الأولى على المستوى الإقليمي ومن ثم داخلياً على صعيد الأنظمة.

إن هذا الفهم لما يجري وجرى من حراك عربي داخلي يؤدي الى إستخلاص نتيجتين أساسيتين: إلى التأكيد أن المشهد المصري المقبل لن يكون "برلين 1989" كما تشتهي الولايات المتحدة, فالثورة المصرية هي ليست فقط رفضاً لنظام مبارك بل لسياساته الأميركية بالدرجة الأولى , وثانيا يمكن توقع أن تتوسع حركة النهوض والتغيير في المنطقة وبما يتناسب وحدود الخصوصية بين بلد وآخر, قد يستلزم تحريك الحجر الكبير وقتاً ولكن حينما يبدأ بالتدحرج فإنه يأخذ بطريقه الكثير من الأحجار الصغيرة. وعليه من حق بل واجب كل أبناء المنطقة أن يكونوا سنداً لهذا الحراك والتحلل من مقولات إحترام "السيادة" الزائفة, لقد طور الغرب مفهوم السيادة وحاكه مراراً بما يلائم مصالحه وأهدافه فأنتج أطر وحدوية عابرة للدولة الوطنية فيما بعض منا لا زال يتعبد ذلك المفهوم كي يزيدنا فرقة ووهن, فلا سيادة مطلقة إلا للحق والحرية والعدالة. 

إن كل هذا التفاؤل والأمل لا ينفي أن التحدي لا زال في بداياته وأنه على هذه الصحوات أن تنجح في نقل الفعل الثوري الى فعل مؤسساتي, أي أن تنجح في تحويل التصورات الى وقائع, بمرونة تحفظ القيم وليس على حسابها. لا تحتاج مصر اليوم الى "حكماء" يجالسون عمر سليمان بل الى مخلصين, وللإيضاح يروى انه أيام الثورة في إيران ركب احد المعممين(رجل دين) سيارة أجرة فإلتفت الى صورة للإمام الخميني معلقة قرب السائق, فسأل الشيخ السائق مستنكراً : لماذا حينما تسمعون إسم الخميني تصلون على النبي وآله ثلاث مرات وحينما تسمعون إسم الرسول محمد تصلون مرة واحدة فقط , فأجابه السائق عندما تنتصر الثورة سنتوقف تماماُعن ذكر تلك الصلوات الثلاث عند ذكر إسم الإمام الخميني. ما تحتاجه مصر اليوم هو شباب كهذا السائق وليس أمثال ذلك المعمم وإن تعددت ألقابهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق