من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

المثالثة المستترة بالمناصفة ... ضرورة التعديل والإصلاحات معاً


إعتاد اللبنانيون وعند لحظات الإحتكاك العصيب والأزمات المحدقة العودة الى النقاشات حول النظام والطائف والميثاق إلا أن النغمة الأكثر تداولاً هي تأكيد قوى 14 آذار لا سيما تيار المستقبل على تثبيت فكرة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والتي بزعمهم أقرها إتفاق الطائف, وذلك بهدف خلق توجس مسيحي من الصعود الشيعي , ولمد الحلفاء المسيحيين بشعارات خطابية أثبتت وللأسف جدواها الى حد ما . إلا أن فرضية هذه السطور هي أننا في خضم مثالثة مستترة بمناصفة وهمية مما يدعو بالنتيجة الى ضرورة تعزيز صلاحيات الرئيس من ضمن سلة إصلاحات دستورية متكاملة مترافقة مع تطبيق الإصلاحات المتعلقة بإلغاء الطائفية .

في النص والعرف الدستوري , توزعت الرئاسات الثلاث بين المذاهب الثلاث الكبرى والتي أضعفها رئاسة الجمهورية وأقواها رئاسة الحكومة  سواء بفعل النص والصلاحيات أو سواء بطريقة وصول كل منهما الى منصبه, إذ أن إنتخاب الرئيس لا بد أن يكون نتيجة توافق على عدة مستويات بمعزل عن مدى حضوره السياسي المسيحي  فيما رئيس الحكومة  يكرس نفسه من خلال زعامته للطائفة السنية بما يصعب جداً أن يتم تجاهله أو إخضاعه للضغط والشروط وهذا ما يصح أيضاً بالنسبة لرئيس البرلمان . فهل تشكل مقولة " دور رئيس الجمهورية كحكم" اساساً صالحاً لإيجاد المناصفة ؟
إن مقولة دور الحكم تعني أنه لا يمكن أن ينتخب رئيس الجمهورية إلا بناء على رضا اللأعبين الأساسيين أي الثنائي الشيعي – السني . وأنه لا يمكن للمسيحيين الإ الاعتراض عليه في أحسن الاحوال , كما يعني أنه لن ينتخب رئيس جمهورية يمثل حزب سياسي مسيحي أساسي إلا إذا كان هذا الحزب متحالفاً مع كلا القوتين الإسلاميتين او غير متخاصم معهما على الأقل, وكذلك أن لا يستفز أي طرف إقليمي أو دولي وهذا من المحال كما أثبتت تجربة ما بعد الطائف , فهل هذه مناصفة ؟ كما أدت هذه المقولة أن يدخل رئيس البرلمان والحكومة بقوة نيابية ووزارية الى السلطة تتيح لهما هامش واسع من المناورة والمبارزة السياسية فيما ينشغل الرئيس بمحاولة تحقيق التوازن بين القوى السياسية المسيحية كمن يمشي على حبل معلق في الهواء .

لقد صدق النائب جنبلاط بقوله ان " رئيس الجمهورية يحتاج الى ان يتصرف كرئيس فعلي، لان الرئيس - الحَكم ليس موجودا إلا في الملكيات الدستورية " ,وإن كان أيد تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية من داخل الطائف ، لان أي تغيير جوهري فيه سيؤدي الى مزيد من التشنج. وأيضا من علامات وهن الرئاسة هي تقييد التجديد للرئيس( على الأقل حسب النص , المهتوك ستره ) ,  مع العلم أن أغلب حالات تقييد عدد دورات الرئاسة هي واقعة  في أنظمة رئاسية أو شبه رئاسية حيث للرئيس صلاحيات تنفيذية واضحة , فيما بالمقابل يمكن أن يستمر كل من رئيسي البرلمان  والحكومة  في ذات المنصب الى أجل غير مقيد وهذا ما شهدته تجربة ما بعد الطائف أيضاً .
أما على مستوى النواب فالمناصفة هي شكلية الى حد كبير, وهذا متفق عليه وبحسب نتائج كل القوانين الانتخابية فيما بعد الطائف , ويرجح أن يبقى المسلمون أكثر تاثيراً على الصوت المسيحي نظراً الى الفروقات الديموغرافية . وهذا يدفع للحديث أيضاً عن الديموغرافية والإقتصاد والإجتماع في الواقع الراهن فهل تحكمها المناصفة أم المثالثة ؟!! وماذا عن الرعاية الإقليمية الإستراتيجية ؟!!. 

يحاول كلا الطرفين في 8 و 14 آذار تظهير قواه المسيحية وأحياناً تضخيمها ولا سيما في 14 آذار من خلال الإعلام والأمانة العامة والمنظرين , وقد يصح القول أن الضعف المسيحي يمكن أن يستتر جزئياً في لحظات الانقسام السياسي الحاد بين السنة والشيعة وذلك شأنهم شأن أي أقلية كالدروز مثلا , ولكنه حتى في هذه الحالة لا يمكن لهذه القوى الدفع بخيارات سياسية كبرى خاصة بها , بل يمكنها فقط ممارسة التعطيل في حال الإجماع المسيحي ( تعديل سن الانتخاب – الحقوق الفلسطينية ) . على أنه لا بد من الإنتباه الى أن الضعف المسيحي يزيد من إمكانية الإحتكاك السني – الشيعي لأن هذا الضعف من ِشأنه أن يزيد الميل للتنافس والإحتكاك لا سيما في بيئة إقليمية مضطربة مذهبياً .

قد يصح الى حد ما الإحتجاج على هذه القراءة من خلال إحالة هذا الضعف في الدور المسيحي الى الإنقسام السياسي المسيحي بعكس الواقع السياسي الشيعي والسني , إلا أن هذه المقولة غير كافية لنقض الجزء الأكبر من هذا الضعف. إلا أنه ينبغي التأكيد على أن أي صيغة طائفية لن تحقق ما نسعى اليه من تطوير النظام والإنتقال الى الدولة والمواطنة  حيث ستبقى هواجس التوازنات حاضرة بين المذاهب والطوائف والتي يستحيل تحقيق توازن دقيق بينها , كون هذا التوازن مرتبط بجملة من المحددات التي يصعب ضبطها أو قياسها او التحكم بها . وعليه لا بد من السعي لتغيير " البنية الفكرية " والتي تنعكس على تصورات الأفراد وفهمهم وإداراكهم لهوياتهم ومصالحهم وهذا التغيير يفترض في جزء منه إصلاحات في النص والممارسة , فالعلاقة بين النصوص والنفوس هي جدلية ومتداخلة ويصعب رسم حدود فاصلة بينهما , إذا لا بد من إصلاحات بنيوية وإن كانت متدرجة . 

لا زالت أزمة النظام اللبناني تتعمق منذ ولادة الكيان وهي لا زالت تدفع بنا جميعاً نحو الحضيض , وبما أن الإصلاحات الكبرى غالباً ما تكون وليدة أزمات كبرى فلعله إذاً وقت ملائم لمحاولة كسر هذه الحلقة المفرغة . لا يختلف اللبنانيون من حيث المبدأ وكما هو معلن على الأقل أن إلغاء الطائفية هو الحل الأمثل لمعضلة النظام , على أنه في هذه المرحلة يعبر المسيحيون تحديداً عن خوفهم وريبتهم من مسار هذا الحل , وعليه قد يكون من المناسب تقديم حل مركب يرتكز من جهة على طمأنة المسيحيين من خلال إعادة التوازن للسلطة وإشاركهم بشكل أفعل ورسمي بالقرار السياسي , ومن جهة أخرى إقرار جملة إصلاحات دستورية وإطلاق العمل بالنص الدستوري حول إلغاء الطائفية السياسية كمدخل لإلغاء الطائفية مطلقاً , وذلك كله يتم عبر الخطوات التالية :
- إنتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب , على أن يحصل الرئيس في الدورة الأولى على أكثر من نصف أصوات المقترعين وبالأكثرية النسبية في الدورة الثانية.
- تعزيز صلاحيات الرئيس التنفيذية والإجرائية مع إخضاعه للمحاسبة السياسية .
- تقليص مدة رئاسة الجمهورية الى 4 سنوات مع جواز إعادة إنتخابه مباشرة لدورة رئاسية ثانية .
- إقرار قانون إنتخاب نسبي على أساس دوائر كبرى أو لبنان دائرة واحدة .
- تعديل سن الإنتخاب وتمكين المغتربين من الإقتراع .
- تشكيل الهئية العليا لإلغاء الطائفية ومجلس الشيوخ وسائر الخطوات الدستورية المماثلة

إن إستمرار البعض بالإصرار على " المناصفة " الحالية ليس إلا من باب التعمية على حقيقة المثالثة الواقعة , وأنه إن كان يمكن تفهم موقف تيار المستقبل بهذا الشأن كونه الأكثر إستفادة من توزيع الصلاحيات الحالي بين الرئاسات الثلاث , إلا أنه من المستغرب بشدة موقف مسيحي 14 آذار من التمسك بهذه " المناصفة الموهومة " بل الأدهى إتهامهم الجنرال عون بدعم المثالثة وهو من كان الأكثر صراحة وواقعية حينما إعتبر عشية الإنتخابات النيابية الأخيرة  أن قول الحريري بأنه يدعم رئيس الجمهورية هو نكتة كبيرة، داعيا إياه إلى «أن ندعم رئاسة الجمهورية بأن نوقّع على مشروع قانون نعزز فيه صلاحيات الرئيس، وذلك في عهد رئيس الجمهورية الحالي وليس المقبل" .
                                                                                                                                               حسام مطر
15 – 11- 2010 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق