من أنا

صورتي
باحث وكاتب لبناني في العلاقات الدولية والدراسات السياسية.حائز على إجازتي حقوق وعلوم سياسية من الجامعة اللبنانية ودبلومي قانون عام وعلاقات دولية, وماستر علاقات دولية ودراسات أوروبية.حاصل على منحة تفوق من الجامعة اللبنانية لنيل شهادة الدكتوراه. حالياً يتابع دراسة الدكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة براغ الدولية.

العلامة البوطي يخط بدمه: الحرب ليست مذهبية

مقال نشر على موقع سلاب نيوز, ضمن خانة "رأي اليوم", بتاريخ 22\3\2013

بالقراءة السياسية الهادئة لم يكن إغتيال العلامة البوطي مفاجئاً، فالمعارضة – وبالتحديد جبهة النصرة - التي تستخدم السلاح الكيميائي والعمليات الإنتحارية والتصفيات الميدانية لن ترى عائقاً أخلاقياً في إستهداف شخصية كالعلامة البوطي حتى وهو قائم في المحراب، حيث الحرية الأسمى. ولكن ذلك لا يمنع النفس من الإحساس بخيبة عميقة، شيء من الحزن والغضب معاً، ربما لأن النفس تحاول دائماً أن تتجاوز الواقع، بأن بعض الجمال او الخير لا زال ممكناً.

لماذا كان إغتيال العلامة البوطي ضرورياً الى هذا الحد؟ لسببين أساسيين على الأقل، الأول وهو أن شخصية بوزن وحضور العلامة البوطي كانت تمثل طعناً عميقاً لسردية الحرب المذهبية في سوريا، فقد كان موقف العلامة البوطي يعزز الطبيعة "السياسية" للصراع بعكس ما تشتهي عقارب الصحراء. وثانياً لأن وجود الأصوات المعتدلة كالعلامة البوطي يشكل إحراجاً شديداً للمتطرفين في الجهة المقابلة، المتطرفون يتغذون بالمتطرفين، تحييد الصوت المعتدل في النظام السوري سيخرج المتشددين فيه الى الواجهة وحينها تصبح إيديولوجية وخطاب جبهة النصرة أكثر شرعية. للقتل أهداف سياسية في الغالب وليس العنوان المذهبي إلا من باب التكتيك، مثلاً يذكر برايان فيشمان في مقال مطول في "دورية واشنطن" عام 2006، أن أبو مصعب الزرقاوى شرح استراتيجية مهاجمة الشيعة لقادة القاعدة قبل انضمامه لها بستة أشهر قائلاً :
"إن استهداف الشيعة فى العمق الديني، السياسي، والعسكري سوف يثير الشيعة، ليكشروا عن أنيابهم للسنة، ويظهروا الحقد الدفين الذى يعمل فى صدورهم، فإذا نجحنا فى جرّهم إلى حرب طائفية يصبح من الممكن إيقاظ غفلة السنة الذين يشعرون بخطر داهم ."

أصحاب الحروب المذهبية بحاجة دائماً "لتنظيف البيت الداخلي" كما صرح منذ أيام صقور السلفيين في طرابلس. وفي ظل سفك الدم تكون المهمة يسيرة، بحكم هيمنة الإنفعالات الضيقة وغياب أي منطق مقبول. إذاً الوهابية، التي تتنافس على قيادتها السعودية وقطر، مصممة على "وهبنة" المسلمين السنة، ومن كان عصياً على "الوهبنة" فهو "مارق" من أتباع "الحلف المجوسي". الوهابية تريدها معركة صافية مذهبياً، كل من يمكن أن "يعكر" صفوها المذهبي من أهل السنة لا بد أن يزاح ويقتل. دفع المواجهة في سوريا وخارجها الى هذا الحد من المذهبية ضروري لتأمين إستدامة المعركة، وكلما صمد محور المقاومة أكثر، لا مجال أمام الوهابية إلا بمزيد من "المذهبة" ، تلك هي خشبة الخلاص الأخيرة.

ترفض المعارضة السورية قراءة كل هذه الوقائع، وذهبت بفعل إرتباكها الى حد إتهام النظام بالجريمة، نوع من الإنفصام والإنفصال عن الواقع. كان المشهد مذهلاً على إحدى قنوات المعارضة السورية التي إستضافت معارضاً يحاجج بقيام النظام بالعملية الإنتحارية، كان المشهد كوميدياً في لحظة تراجيدية، هذه هي المعارضة وإعلامها التقدمي – التنويري، نسخة رديئة جداً عن النظام والإعلام الرسمي العربي. على مواقع التواصل الإجتماعي لم يكن الحال أفضل، إنقسم المعارضون، بين شامت وبين منكر، أحدهم صاحب مخيلة، الجثث المصورة قتلت بأيدي "الشبيحة" ووضعت داخل المسجد ثم فجر "الشبيحة" المسجد بالعلامة البوطي، هذيان وهلوسة، كمن ينظر في المرآة فيرى وحشاً فيغير المرآة. تداولت صفحات التفاعل الإجتماعي مقطع فيديو للعلامة الشهيد البوطي يقول فيه :"أتمنى أن أكون عند الله مساوياً لإصبع حسن نصر الله"، هذا سبب أكثر من كاف لموتك في زمن "الإسلام الأميركي" ولو كنت معلقاً بأستار الكعبة.

حسام مطر, باحث وكاتب في العلاقات الدولية
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق